أمين اليافعي

أمين اليافعي

تابعنى على

في العَجْز والمُعْجِزة

Monday 15 March 2021 الساعة 07:30 am

العَجْزُ، بمعنى الضعف، عدم القدرة، الهِرم. المُعجِزة، أمر خارق للعادة، غير مألوف حدوثه أو رؤيته، ويعجز الإنسان أن يأتي بمثله (وفقاً لقواميس اللغة)... 


ومع إن العَجْز والمُعجِزة في اللغة العربية تم اشتقاقهما من جذر لغوي واحد، لكنهما مختلفان تماماً في معانيهما.

في الواقع، قريبا وبعيداً عن اللغة، إذا اعتبرنا أن اللغة هي في نهاية المطاف بيت الوجود، فإن هناك علاقة وثيقة الصلة بين العَجْز والمُعجِزة. في البلدان التي قَدَّرَت عليها الظروف التاريخية أن تقع أسيرة للعَجْز، أي عدم امتلاكها لإمكانيات عصرها الحيوية في العلم والمعرفة، تقع بسهولةٍ أسيرة لإيمان ساذج بحدوث/تحقق المعجزات، ومن العدم.

قد يقول قائل بأن العلم قد يُحْدِث هو الآخر وعلى الدوام ما نصطلح على تسميتها بـ"المُعجِزات"، أي الأمور الخارقة وغير المألوفة، وهناك الكثير ممن يؤمنون بذلك في مشارق الأرض ومغاربها. وهذا صحيح قياساً إلى زمن العلم الكلي، الزمن الطويل، لكنه من زاويته الراهنة فهو ابن واقعه تماماً، في سياق سيرورة من التطور المتواصل، ولا يحدث شيئاً من العدم (على سبيل المثال، حتى الابتكارات التي كانت سابقة لعصرها، أي غير متوائمة مع واقعها، فشلت، بمعنى أن الواقع شديد الواقعية يكبح حتى جماح تلك التي تبدو شطحات وفقاً لمعاييره. فمثلاً طورت شركة IBM تلفوناً محمولاً ذكياً Smartphone منذ وقت مبكر، ومع نجاحه كمنتج مُبتكر تماماً، إلا أنه فشل فشلاً ذريعاً عند تسويقه).

على النقيض من ذلك، وفي مجتمعات العَجْز والمُعجِزات، تجد هناك استعدادا تماما لإمكانية حدوث معجزات وأمور خارقة، حتى دون التمعن في أبسط أساسيات المنطق التي لا تحتاج إلى علم ولا إلى معرفة.

أذكر في هذا السياق حالة التصديق والإعجاب التي كانت أفكار واحد مثل عبدالمجيد الزنداني تحظى بها في فترة التسعينيات وإلى ما بعد الألفية الجديدة، وربما البعض ما زال إلى يومنا هذا لديه نفس الإيمان أو الرهانات، خصوصاً مع انضمام كوكبة عبقرية من أبناء الشيخ المُعْجَر والمُعجِر إلى مشروعه الإعجازي الخالد.

ما كان يفعله الزنداني، يُفيد ببساطة ووضوح هائلين بأن أي واحد بإمكانه شرح أو دحض أو سحب وطرق أي نظرية علمية اشتغل عليها مئات العلماء والباحثين لعقود من الزمن في جلسة قات واحدة! وما هو أشد إثارة وغرابة من طرق الشيخ الإعجازية، هي أن كل مراكز إنتاج المعرفة -على الأقل على سبيل المجاز- في البلد وخارجه كالجامعات كانت تفتح له أبوابها بكل رحابة صدر وحماس ونشوة. وطبعاً كان الزنداني مجرد مثال بسيط على ظاهرة واسعة، انضوى تحت لوائها الكثير، وما زال، بمستويات مختلفة، وتحت شعارات مختلفة، وبما فيها شعارات العلم والمعرفة ذاتها!

*من صفحة الكاتب على الفيس بوك