د. صادق القاضي

د. صادق القاضي

تابعنى على

عن ذاكرة طرية للقلاع المتساقطة!

Friday 07 August 2020 الساعة 11:08 am

كما لو كنتَ أنت السبب في سقوط صنعاء. يلمّحون إلى أن عدم انحيازك لهم في معارك دماج وكتاف وعمران.. خطيئة عليك التكفير عنها بالانحياز لهم اليوم في معارك الحجرية والمخا وأبين وعدن.!!

ما لم.. فأنت مذنب سابقاً ولاحقاً ودائماً.. مهما كانت مواقفك الماضية والراهنة منسجمة مع ضميرك الوطني ومنطق الرؤية الموضوعية، ومهما كانوا هم سبب النكبة في الحالتين.!

تنطوي العملية على نوع رديء من المزايدة والمساومة، والابتزاز.. وتزييف حقائق كبيرة متعلقة بوقائع شهيرة ما زالت غضة في الذاكرة وطرية الجرح والنزيف.!

لستَ ملزماً -بطبيعة الحال- بتوضيح الواضح.. إلا ربما من أجل حماية الوعي العام من كل هذا التحريف والتجريف الذي يجري وفق بروباجندا شمولية شاملة.

بالأمس القريب فقط. عندما كانت قلاع "آل الأحمر" تتهاوى في يد "الجماعة الحوثية" كتبت:
لو أن "الدولة" هي التي دخلت حاشد، فسيكون هذا أفضل ما حدث لهذه المنطقة منذ ألف عام.

كانت هذه أمنية ومطلب القوى المدنية عموماً. من قبل سقوط حاشد. بل من قبل أن تكشر الحرب الأخيرة عن أنيابها في مناطق شمال الشمال.

في المقابل لم تكن قضيتهم، أقصد جماعة "الإخوان"، تعدو الدفاع عن سلطاتهم ومصالحهم التقليدية في تلك المناطق، وإبقائها في قبضة أذرعهم القبلية والدينية والعسكرية.. أطول فترة ممكنة.

كنا نطالب بدخول الجمهورية والدولة والتنمية إلى تلك المناطق التي لا تعرف المدنية والحرية والمواطنة.. بينما كانوا يزايدون بهذه الأشياء التي كانوا هم أبرز العاملين على غيابها طوال العقود الماضية.!

كان لا بد أن ينفجر الوضع يوماً ما، وانفجر. الجماعة الحوثية لم تخرج من عدن أو العدين. بل من عمق الحدائق الخلفية للقلاع التاريخية للإخوان في شمال الشمال.!

منذ البدء حاولت الدولة إصلاح ما أفسده الدهر هناك، عبر حروب ستة وصفها الإخوان بالظالمة التي تستحق الاعتذار، وعندما اندلعت الحرب السابعة كانت الدولة قد أصبحت جائزة للصراع لا طرفاً فيه.

كانت هذه الحرب الأخيرة قائمة بالتحديد بين:
آل الأحمر والإخوان ومجاميع سلفية من جهة، والحوثي من جهة أخرى.

لم تكن الدولة حاضرة. أتكلم هنا عن الدولة. ككيان رسمي مجرد ومؤسسات وخدمات وسلطة مادية وذهنية.. لا عن مراكز قوى في السلطة حضرت خلف أطراف الصراع، في نوعٍ رديء من الرقص على رؤوس الثعابين.

"الرئيس هادي" نفسه كان حاضراً بقوة خلف الحوثيين باعتباره لهم جزءاً من الدولة وذراعاً لها. حتى الحوثيين انذهلوا من تهنئته للشعب اليمني بعودة عمران إلى حضن الدولة.!

في المقابل كان "الإخوان" يتحدثون عن القلاع والأوكار القبلية والسلفية والإرهابية.. في دماج وكتاف والعصيمات.. والتي لم تتبع الدولة يوماً ما. باعتبارها تمثل الدولة.!

كل من الطرفين كان يطالبك بالتحيز لموقفه، باعتباره تحيزاً للدولة، ولو كان لا بد حينها من التحيز فلموقف الرئيس هادي. موقعه في رئاسة الدولة يجعله الممثل الرسمي لها، والأمين على المصالح الوطنية العليا.

على الأقل مقارنة بالإخوان الذين حضروا طرفاً في الحرب بأكثر من شكل كارثي:

كان حضورهم كقبيلة سياسية. آل الأحمر بالذات. بتاريخهم الطويل من العنجهية والتجهيل والظلم. العامل الأهم في سقوط تلك المناطق بسهولة متناهية. أحياناً بدون معارك.!

كذلك حضورهم كجيش قبلي منخور بالفساد ومشبوه بالإرهاب. كان السبب الأهم في سقوط صنعاء بجانب تواطؤ الرئيس هادي الذي ظل يصر طويلاً أن صنعاء لم تسقط ولن تسقط.!

هذا فضلاً عن كون سمعة وتاريخ الإخوان في الوعي الوطني، سيئة للغاية، وتجعل انحيازهم لأي قضية محل شك مريب، مهما كانت عادلة، فكيف بقضية صراع انتهازي على مصالح فئوية من الأساس.!

أياً كان الأمر. لم يكن خطأنا سقوط مناطق شمال الشمال وصولاً إلى صنعاء. في يد الحوثيين. بل خطيئة الذين انخرطوا في دائرة تلك التحيزات القبلية والطائفية المنتمية إلى ما قبل الدولة.

كما لم يكن ذنبنا لاحقاً عجز الشرعية عن استعادة صنعاء وخسارتها لعدن. بل خطيئة نفس القوى اللا وطنية التي تصر على خوض معاركها الخاصة بنفس الأدوات لخدمة نفس القضايا الفئوية.

في كل حال. الحرب دائماً أكبر من أطرافها، والمسئولية أشمل من أن تُختزل في طرف معين. حتى الإخوان. رغم كونهم نخروا الجمهورية والدولة وعبثوا بالثورة ثم المقاومة.. وسيفسدون محطات كثيرة لاحقة إن لم يتم وضع حد لتحكمهم بمقدرات الخارطة الوطنية.