تتجلى ظواهرية الروح على كل شيء في الوجود، هناك تداخل كثيف بين الإنسان والطبيعة.
أرواح الكائنات تختلف وتتمايز وليس هذا مقصورا على عالم الإنسان فحسب بل يتعداه إلى عوالم الحيوانات والطيور في طليعتها وتغاريد بعضها الرائق الجميل يأتي ضمن هذا السياق من ظواهرية الأرواح.
لكن الإنسان بروحها المنسربة في فضاء الكون وقدرته على الوصول إلى السماء والمجرات تتسع أكثر وتسمو إن هو أراد ذلك، وتمرسَ عليه..
وكما أن الأرواح تختلف كذلك هي الكلمات تختلف باختلاف الأرواح وتتنوع بتنوع الاذواق وتتلون بتعدد القدرات،
ليس هناك كلمة تستطيع أن تحل محل أخرى وتعطي نفس الدلاله والرحابة..
أن أفضل شيء يمكن أن تقدمه الكلمة البديلة أو التي لم يتم اختيارها بذوقٍ ولون وروح هو أنها تسد فراغاََ وهي في غالب الأحوال تقرب المعنى فقط..
تأتي الأذواق والكلمات على قدر وهج الأرواح فالكلمات ظلال ليس أكثر من ذلك.
إنها امتداد ظلال الروح ورهافة الوهج القابع في ثناياها بدلالٍ وسمو وعلى قدر الاعتراف يكون بعض غيض فيض الاحسان في دلالات المعنى والمغنى واللحن..
ويمتد المسار إلى الاشخاص لا أحد يستطيع أن يملأ الفراغ الذي تركه فينا أحدهم، أو يحل محله باقتدار، فلكل إنسان رهفه الخاص وسمته وسجيته وروحه ونَفسه وعطره، وحضوره وابتسامته.
منها ما يكون وليد الوراثة، ومنها بالتمرن والتدرب، واكتساب الفريد من أذواق الحياة وزينة الدنيا الداخلية التي تفوق رقائع الملبوسات وكماليات الحياة، وهذه الزينات الخارجية مهما بالغ من يمتلكها لا تضفي شيئاََ يشكل قيمة مضافة للإنسان،
يسري هذا الأمر في ظواهرية الروح وتجلياتها على كل موجود والأطعمة منها، لذا نطلق على الطعام الشهي أن فيه شيئا من نَفس الطاهي أو الطاهية.. ومن الأزهار والورد ما يتطابق عليه ذات الأمر.
وتتابع مدولالات الروح في كل وجود وهي محط دراسة واهتمام علماء الفينو مينولوجيا أو ما يعرف بظواهرية الروح.
ويمكن سبر بعض اغوارها مع تتابع الزمن وتدفقات المعرفة في سنوات قادة كي يتنقل العلم من دراسة ماكينة الجسد إلى عمق كنه الروح الرابضة فيه والتي تنتج الخير والشر والقبح والجمال، والحب والحرب..
ويأتي دور الأدب لصياغة ما ينتجه العلم من هذه الاكتشافات ليعبر عنه، والتعبير الإنساني قديم بقدم وجوده لكنه سوف يتحسن بتقدم اكتشاف بعض أسرار ظواهرية الأرواح.
في العادة نحن نكتب ونقول النثر والشعر وكل ما يعتمل في ثنايا أنفسنا لأننا نتساءل، نتألم، نندهش، نغتبط، نموت، نذوب حُباََ نتكلم ونكتب لأن روحنا تصرخ وتشي بأشياء تلتقطها الحروف ويعبر عنها الصوت والصورة، فتحولها إلى معنى ملموس أو منظور مؤثر يحاكي ما بدواخل الاشباه والنظائر لنا..
إننا نطرب لتغريد طير وهو ليس من فصيلتنا في تبادل عاطفي كبير بين روحين غير متناظرين في الجسد ولكن عالم الروح يصل بهما ما انقطع واختلف.
ومخازين الثقافة والحضارة التي نغترف منها ونطيل التمعن والنظر يجب أن لا تتوقف علاقتنا به في استعادة هذا المخزون، كان أدبا او موسيقى وسائر ما يطلق عليه التراث الإنساني، بل يجب أن نحاول اكتشاف تلاوين الطبيعة الإنسانية الواحدة، فيما يتعدى الزمان والمكان، والإفصاح عنها، في تجليات جديدة إن هذه المخازين الحضارية لي شعب بالغة الأهمية وهي حوامل معرفة روحية قبل أي شيء آخر..
ويجب الإصغاء لصوت الإنسان وروحه وعمقه من خلالها، وإذا لم يتم ذلك تصبح مجرد معلومات كهفية ومعلومات فحسب وهذا ظلمُ لها وللانسان وروحه..
التأويل ليس في مقدوره أن يبلغ يقينيات مطلقة شبيهة بتلك التي يختص بها العلم الرياضي. زد على ذلك أنّ الفينومينولوجيا التأويلية أدارت ظهرها للحلم الهوسرلي الكبير لرفع الفلسفة إلى رتبة العلم المحكم إحكاماً قطعيّاً.
ولا يعني هذا بداهةً أن لنا الحق في التأويل لما لم يكن مقصودا من منتج هذه المخازين تأويلاً منفلتا من كل عقال للكلمات..
كما يجب أن لا تضفي على فهمنا لما تقوله الأرواح طابعاََ يقيناً، بل نجعل الباب موارباََ لكل ذائقة واجتهاد جديد..
وسوف نتناول بعض هذه التجليات في الذوق والفن والجمال في مقالات قادمة...