مع بزوغ فجر الثورة اليمنية والتي امتد تدفقها في ربوع التراب اليمني شمالاً وجنوباً ضد الحكم الكهنوتي الإمامي المستبد وضد استعمار امبريالي متسلط!! مرت الثورة اليمنية بالكثير من المنعطفات الصعبة والأليمة ذلك لأنها وإن حملت في بضع حين طابعا سياسيا أيديولوجيا إلا أنها وفي عمقها الحقيقي كانت مجرد أداة لتلبية رغبة النظام العسقبلي على مدى تاريخها الطويل والذي مثل تيار الإسلام السياسي الدافع والمالك الحصري لهذا النظام...
كان التقاسم الإمامي الجمهوري برعاية سعودية للحكم في اليمن والذي كان من مخرجات مؤتمر خمر الأسود أساسا لتجذر هذا النظام العسقبلي منذ بدايات هذا المخاض المستمر لولادة متعسرة حتى اليوم والذي اثبتت الاحداث المتتالية تحكمه بالمشهد السياسي اليمني خاصة بعد تفريغ الثورة من مقاصدها وجعلها عبارة عن كلمة يلوكها الحاكم تهديدا لمعارضيه وتجميلا لواقع مرير يعتصر المواطن علقمه..
لنمر على بضع من وقفات في هذه الثورة ومساراتها المتلاحقة لنكتشف أن السياسة في اليمن هي نتاج لثقافة شبع بها اليمنيون كرها بنزع فتيل المدنية وايقاد شرارة ان المجتمع اليمني مجتمع قبلي مسلح ليكون مفهوم من مارسوا السياسة فيه انه ان لم تكن القبيلة في عضد السياسي فإن وجوده وعدمه سيان وهذا الفهم المغلوط هو من امسك دفة الحكم والاشتغال بالسياسة خلال كامل ما تلى الثورة اليمنية وحتى الآن...
مثل التداول المسلح للسلطة خلال فترة ما بعد الثورة السمة الأساسية والحقيقية للعمل السياسي إلى 1978م فترة انتهاء الانقلابات المتتالية والتي كانت أولاها الانقلاب الحقيقي على مفاهيم الجمهورية بتهجير مهندسها ورائدها الأستاذ الثائر/ محمد أحمد نعمان ومقتل الرائد/عبدالرقيب نعمان أول رئيس فعلي لهيئة رئاسة الأركان العامة ليتم بعدها تقاسم الثور المذبوح بين الجمهوريين والملكيين وفق أجندة واضحة تحكمت القبيلة بمفاصلها.
تلت هذا العديد من الانقلابات التي كان ظاهرها السياسة وعمقها نظام العسقبيلة الخفي ابتداء بالانقلاب على السلال والذي كان صوريا صراع تيارين قوميين يساريين وفعليا صراع القبيلة وآخر ممثل للانقلاب عليها..
حتى الثورة التصحيحية والتي تزعمها المرحوم المقدم الشهيد/ابراهيم محمد الحمدي لا يمكن أن نسقطها من هذه الحقيقة، ولعل ما تم من تصفية للتيار القبلي في تعز آنذاك دليل واضح أنها ما كانت لتخرج عن هذا الطابع الذي تلاعب باليمن في قطره الشمالي حتى الوحدة وما نحن فيه اليوم.
كذلك كان الوضع في جنوب اليمن فالثورة أخذت طابعين متوازيين: التخلص من الاستعمار بالتوازي مع التخلص من السلطنات التي كانت تمثل القبيلة في الجنوب ومع تحقيق الانتصار وضم كامل السلطنات إلى الدولة الفتية برزت إلى السطح تلك الخلافات الحميمية المكحلة بدماء المتصارعين بين مكونات الثورة (الجبهة القومية _ وجبهة التحرير) لتنتهي بفعل مسلح ادى في آخر المطاف إلى استبعاد جبهة التحرير التي كان أكثر منتسبيها من قبائل الصبيحة لتسود بعدها المحاولة تلو الأخرى لتمدين العمل السياسي في دولة اليمن الديمقراطية الشعبية في ذلك العهد إلى أن أتت أحداث 13 يناير 1986م لتعيد إلى السطح صراع الأجنحة الذي استعان كلاهما بالبعد المناطقي لتحقيق مبتغاه..
مع هذه الصراعات البينية في كل شطر على حدة كانت هناك صراعات أخرى أيديولوجيه وعميقة جدا عابرة للحدود الشطرية وصلت إلى الاحتراب بين الشطرين في كثير مواقع ووصلت إلى التصفيات الجسدية في عديد مناطق منها على سبيل المثال لا الحصر قيام تيار الإخوان المسلمين ومنذ العام 82م بتصفيات جسدية واغتيالات طالت أسراً وقرى بأكملها لأعضاء الجبهة الوطنية في المناطق الوسطى وشرعب ومناطق ماوية وخدير، بل إن هناك إعدامات ميدانية كانت تتم من قبل جماعة الإخوان المسلمين وفي أسواق شعبية لكوادر الجبهة الوطنية وحزب الوحدة الشعبية ودون محاكمات تذكر.. ولعل أبناء دمنة خدير يتذكرون بعضا ممن تم إعدامهم في سوق الماشية من قبل سلطة الإخوان حينها دون محاكمات ولو صورية، كما كان يعذب الكثير من أبناء المناطق الحدودية قبل الوحدة فقط لاتهامهم أنهم أعضاء بالجبهة أو حزب الوحدة الشعبية، تزعم قادة هذه الجماعة شعب التعذيب وسجاني الزنازين لكل اشتراكي واليدومي وسميع مثالان لهذا الفعل القبيح المجرم.
اتت الوحدة لتكون الحلم والملاذ حسب اعتقاد البعض وهي المنجية من هذا العبث بالأرواح للمعارضين خلال ما قبل الوحدة، إلا أنها كانت اكثر عتوا ونفورا فقد تم اصدار الفتاوى بان هؤلاء شيوعيون كفرة ملحدون قتلهم فرض عين، وبهذا بدأت الاغتيالات التي طالت كوادر الحزب الاشتراكي في كل مناطق الجمهورية اليمنية شرقا وغربا شمالا وجنوبا لتكون خاتمة هذا الجنون بفتاوى ابادة شعب الجنوب من قبل عبدالوهاب الديلمي وعبدالمجيد الزنداني عرابا الإخوان (الإصلاح) في اليمن وهو ما جعل من الجنوب فضاء مباح للقوات الآتية من شمال الشمال في حرب صيف 94م المقيتة..
لم تنه الحرب أحمالها حتى كانت أملاك الحزب وقيادات الحزب الشريك الأصيل في الوحدة اليمنية مرتعا لقيادات الإخوان، بل لم يترك للحزب مقر الا نهب واستولي عليه من قبل الإصلاح وأخذت قيادات الإصلاح منازل كل من اشتبه انتماؤه للحزب، بل إنه بمجرد البسط عليها تم تزوير اوراق ملكية لكثير منها وبيت الأستاذ الرئيس/ علي سالم البيض خير دليل على ذلك.
توالت الأحداث لينقلب شركاء الحرب على بعضهم وليتم إقصاء الإصلاح من منظومة الحكم بعد صدور اشارات دولية بانه حزب داعم للارهاب ليهرول إلى حضن المعارضة الكفرة بمنظوره العقائدي وشريك لهم في اللقاء المشترك، ولأن السياسة ليست عملا انتقاميا فقد تقبلت تلك الاحزاب اليسارية المدنية هذا النتوء اليميني المتطرف وتجاوزت عن كل جرائمه وخاصة في حق الجنوب والحزب الاشتراكي وذلك لسببين:
1_ حماية لهذا الحزب اليمني من الاستهداف الدولي كونه قد صنفت بعض قياداته كشخصيات إرهابية وداعمة للإرهاب..
2_ إرساء قاعدة أن العمل السياسي لا يجب أن يكون فعلا انتقاميا وليثبت للعالم جدوى العمل السياسي المدني..
رغم ما قدمه شركاؤه من حماية للإصلاح وتقبل لمكون غير متجانس معهم تم تقديم تنازلات ايضا بإعادة قبوله خاصة بعد أن صرح اليدومي بان مرشحهم للرئاسة هو علي عبدالله صالح وعلى قناة الجزيرة حينها الا ان هذا الحزب لم يع ان السياسه لا تعني الحقد وافشاء الكره واتخاذ الدين وسيلة للقتل والاقصاء...
في 2014/9/21م أعلنت مليشيا الكهوف انقلابها على الشرعية اليمنية ومخرجات الحوار الوطني، وكان أن انقسم الشارع اليمني بين مؤيد ومعارض لهذا الانقلاب حتى إن قيادات من مختلف الأحزاب ومنها في الإصلاح ارتأت الرضوخ لحكم الانقلاب والبعض أيده وكما هو الحال في هذه الأحزاب كان ايضا الانقسام في حزب المؤتمر الشعبي العام والذي اعلنت قياداته الجنوبية وخاصة الكتلة البرلمانية له تأييدها للشرعية ووقوفها مع الصف الجمهوري كذلك قيادات كثيرة من الشمال اعلنت ذلك منها الشيخ البركاني واللواء رشاد العليمي، كما ان هناك فصيلا منه أعلن تأييده للمليشيا الحوثية وعلى رأسهم رئيسه والأمين العام وبقية كتله من الشمال وكانت الحرب التي دمرت اليمن خلال هذه الفترة والتي لم تحترم فيها معايير الأخلاق والشرف في الحروب ليأتي إلى منتصف هذه الطريق الاكثر صعوبة لليمن لينفك عقد رباط شريكي الانقلاب في صنعاء ويتم قتل زعيم المؤتمر علي عبدالله صالح ليعود الكثير من قادة هذا التيار الوطني إلى صفوف الوطنيين وإلى صفوف المقارعين للمليشيا الكهنوتية في مواقع العزة والكرامة، ومنهم العميد/طارق عفاش الذي استطاع وخلال فترة وجيزة لملمة الكثير من القوات المسلحة السابقة للجمهورية اليمنية وإعادة تشكيلهم في وحدات عسكرية نظامية انضمت مع وحدات ألوية العمالقة لتكون المقاومة المشتركة في الساحل الغربي وهي وحدات عسكرية فعالة استطاعت خلال اشهر تحرير الساحل الغربي إلى اكناف مدينة الحديدة، ولولا الاتفاقات الدولية المبرمة بين الشرعية والمجتمع الدولي لكانت الآن الحديدة في حضن الحكومة اليمنية محررة وكاملة...
كان يجدر بنا كقوى وطنية وكجيش وطني أن نرحب بهذه الخطوات التي استجرها أبناء المؤتمر الشعبي العام وكذلك العميد/طارق عفاش لنعيد تشكيل الخارطة السياسية والعسكرية وفقا للمستجدات اللاحقة ولتجسيد مبدأ ان لا عداء مستمر في السياسة، كما كان تسامح الحزب الاشتراكي اليمني مع مفتي القتل والإرهاب حزب الإخوان (الإصلاح)، إلا أن المعادلة ووفقا للفكر البرجماتي للإصلاح والذي يصور كل مختلف عدوا فقد باشرت قنوات الإصلاح السياسية والإعلامية والشعبية إلى شيطنة قوات حراس الجمهورية والمقاومة المشتركة دون مسوغ من أخلاق، بل تمادى هذا الحزب إلى قلب المعركة وإعادة تشكيل خارطة الاعداء لديه وذلك بجعل قوات الساحل الغربي واللواء 35 مدرع والمجلس الانتقالي بعدن وقوات التحالف العربي هم العدو الأساسي لهم، بينما أصبحت وبقدرة قادر فعليا قوات المليشيا الانقلابية الحوثية قوات صديقة مرابطة تم تسليمهم أسلحة ومعدات الجيش الوطني في نهم بمسرحية سمجة ومفضوحة...
لنتمكن من معرفة هذا الموقف من قبل جماعة الإخوان المسلمين باليمن (الإصلاح) والمعادي لكل المكونات الأخرى للجيش في الساحل الغربي والجنوب ومناطق الحجرية سنجد أن هناك أسبابا كثيرة من أهمها:
1_ أن الإصلاح في تعز خصوصا استخدم كامل نفوذه على رئيس الجمهورية إلى عدم بناء جيش حقيقي في تعز تمهيدا لتنفيذ اجندات ومشاريع أخرى تتجاوز البلد والإقليم حتى..
2_ الخوف من تكوين جسم صلب في المؤسسة العسكرية قد يكون عائقا في المستقبل لتنفيذ الاجندات الخاصة بالإخوان وقد كان لهم درس من مؤسسة الجيش المصري البطل.
3_ هناك مشروع للتنظيم الدولي للإخوان الإرهابي وهو مشروع توسعي استيطاني إرهابي يتنافى تماما مع مشروع الدولة المدنية، وعليه فلا يجب ان يكون هناك حام لمشروع الدولة في مقابل مشاريع الإخوان العابرة للقارات..
4_ وجود جيش مدرب ومبني على اسس عسكرية صحيحة وعلى يد خبرات وطنية يحتم النصر الحقيقي والسريع على المليشيا الحوثية، وهو ما لا يروق للإصلاح لسببين:
أ/ الانتصار على مليشيا الحوثي يعني بالمطلق انتهاء التجارة الرابحة لقيادات الإصلاح سواءً بالدماء أو من خلال بناء مستعمراتهم التجارية التي راجت خلال فترة الحرب والحصار.
ب/ إنهاء الحرب يعني إنهاء حالة اللا دولة، وهو ما يعني انتهاء الوسط الذي تعيش عليه جماعة الإخوان والإصلاح خصوصا مما يعني انتهاء المشروع الإخواني وافول الموسم لديهم.
5_ إلى الآن لم تتم مرحلة التمكين في مفاصل الدولة المدنية والعسكرية والأمنية للإصلاح وفق مفهوم الإخوان للدولة بسبب بقاء بعض الوظائف المدنية في أيدي اليساريين مما يعني أن بناء مؤسسة جيش وطني هو خروج مناصب أخرى من بين أيديهم يجعل من المستحيل السيطرة على الدولة في هذا الوضع.
مما سبق يتضح أن الشيطنة القذرة لكل من ليس مع الإصلاح من قبل قنواتهم الإعلامية والسياسية والشعبية والتخلص من المعارضين عبر القنوات الإرهابية لهم هي سياسة مستمرة متجددة لهذا التنظيم الذي يعتبر الإرهاب هو الوسيلة الوحيدة للتمكين والحكم ما يعني أنه يجب أن تتم صحوة حقيقية وسريعة على مخططهم وإعادة تراتبية الأحداث وإيقاعات المشهد إلى الوضع الصحيح المفضي إلى انتصار الجمهورية وتجسيد حكم الشعب بعيدا عن مشاريع الإرهاب العالمي وأدواته بالداخل اليمني..