لتشخيص حالة الإخوان المسلمين "حزب التجمع اليمني للإصلاح"، وهنا استشهد بالاسم الحزبي لهم كخصوصية كانوا يعرفون أنفسهم بها بين المجتمع في القرى والبوادي والمدن، سوف نعيد ترتيب أولوياتهم التي ينطلقون في تحقيقها متجاوزين القيم السياسية وقبلها القيم الأخلاقية المستمدة من الدين الإسلامي الرداء التي تلتحفه كل الجماعات الدينية المتطرفة، وحزب الإصلاح الإخواني إحدى هذه الجماعات.
الإقصاء أولوية من أجل القضم
غريزة الإقصاء في الجماعات الدينية هي بديهية لأنها لا تعترف بوجود الآخر، وعلى هذا دأب الإخوان فور وصولهم إلى السلطة كحاكمين فعليين وليس كشراكة صورية في العام 2012م، وفردوا أجنحتهم وأظهروا مقصات الإقصاءات والإبعاد والترحيل لكل كوادر الدولة والمناصب العليا التي لا تخضع للحسابات السياسية.
التفرد يسهل لهم عملية الابتلاع السريع دون مشاكل، ولذلك أجهضوا كل معاني الشراكة الحقيقية في الحكم والسلطة، وكانت حجتهم أن علي عبدالله صالح لا يزال موجوداً في كل مؤسسات الدولة، ولا يزال يتحرك في كل جهة.
كانوا يعتقدون أن كل قائد عسكري هو علي عبدالله صالح، وكل جندي يؤدي واجبه الوطني في حماية الناس ينظرون في عيونه علي عبدالله صالح، المدير في إدارته، الوكيل في وزارته، الوزير في مكتبه، كل موظف لا يخضع للقواعد الإخوانية هو بمثابة علي عبدالله صالح، لقد شكّل لهم فوبيا سياسية صنعوها بأنفسهم على الرغم أن الرجل كان مستلقياً على الأريكة في منزله.
وشكلت تلك الإقصاءات موجة من التذمُّر تجاه الإخوان وحالة من الاستقواء السلطوي الإخوانية تجاه المجتمع، إقصاءات زادت من حالة الترهل في الدولة واتساع الشرخ فيها بعد الهزات التي زعزعت تماسكها منذ 2011م، واتجهت في اتجاه آيل للسقوط عندما تكتمل الزوبعة.
وعلى الرغم من تلك الإقصاءات، إلا أنهم ابتلعوا ما تيسر لهم بالكثير حتى حان موعد سقوط الدولة والمجتمع على أيديهم والبنادق التي فتحوا لها أبواب صنعاء قادمة من كهوف صعدة.
الإقصاءات متوالية حتى وهم اليوم في الرياض، لا يريدون أحداً، ولا يعترفون بأحد.. إنها مرحلة الفيد.
الاستضعاف من أجل المزيد من الاستقواء
في نهاية العام 2014م، عندما كانت قلاع وحصون الجمهورية تتهاوى وتسقط في يد الكهنوت الإمامي، كان الإخوان يشيعون بين الناس أنهم المقصودون من قدوم الحوثي، وأنه لم يترك صعدة إلا ليتخلص منهم بدعوى أنهم الحصريون في حمل مذهب أهل السنة والمدافعون عن الصحابة، وكانت الناس على سجيتها وذهولها الأولي من كثافة الانحسار الجمهوري أمام برابرة اليمن، على الرغم أن البوابة الشمالية لصنعاء الجمهورية تحميها كتائب الإخوان، وعناصرهم المؤدلجون من عمران حتى حي الدائري وسط العاصمة.
لم يكن الاستعطاف المغلف بالصحابة إلا حبوباً للتيه، لكنهم أوعزوا فشلهم في التصدي وحماية بوابة صنعاء الشمالية إلى الرئيس السابق، الشماعة التي تنجيهم من النظر العقلاني المجتمعي إليهم، والاستغراب الشعبي الأكثر عمقاً حتى هذه اللحظة هي رحلة الرئيس هادي إلى عمران وإعلانه عودتها إلى حضن الدولة في الوقت الذي كان الحوثي يداعبها في حضنه.
عاصفة الحزم وجدلية فتح "المسبات"
جاءت عاصفة الحزم تتويجاً لمرحلة جديدة من الحرب، وبدأ التحالف العربي بتحييد قدرات الحوثي العسكرية الاستراتيجية التي ورثها من الدولة التي تركها الإخوان والرئيس وذهبا إلى الرياض لقيادة المعركة من هناك لكن في اتجاه آخر.
لم تكن معالم التحالفات السياسية في أتون العاصفة واضحة، وكانت متباينة ومتغايرة بين المكونات السياسية والأفراد، فقد اتخذ حزب المؤتمر قراره البقاء وسط صنعاء للمحاولة في تحجيم الحوثيين والحفاظ على المكاسب التي حققتها الجمهورية طيلة العقود السابقة، بينما اتجهت قيادات الإخوان إلى الرياض مع بعض من الأحزاب الثانوية والأفراد الذين لهم صفات سياسية وحزبية مؤتمرية ومستقلة..
ولأن الغدر والخيانة هي طباع الجماعات الدينية، فقد استحسن رئيس المؤتمر الراحل علي عبدالله صالح البقاء بصنعاء على الرغم من معرفته مسبقاً بأنه مستهدف فيها من جماعة الحوثي الإرهابية، ولم يكن له خيار آخر.. ولم يكن استهدافه وقتله نتيجة تخطيط حوثي فقط، لقد كان أيضاً تخطيط إخواني في وسط الرياض وتنفيذ حوثي وسط صنعاء، وبهذا استطاعوا التخلص من أبرز وأعتى أعمدة الجمهورية الذي كان يقف في وجه المشاريع الإمامية الكهنوتية والمشاريع الإخوانية والخلافة، لأن في قتله مصلحة مشتركة لكلتا الجماعتين الإرهابيتين.
وبينما يتجرع المواطنون ويلات الحرب في البلاد، فإن الإخوان في الرياض بمسباتهم المفتوحة للأموال التي تُدر بإسم الحرب ومواجهة الحوثي، والجري وراء تعزيز وجودهم في كل السفارات، وتشطيط الوظائف فيها، وتفصيلها لتستوعب أبناءهم وزوجاتهم وأقاربهم، في الوقت الذي تتسع فوهة الجحيم لتستوعب أكبر قدر من اليمنيين.
الحديث عن شيطنات الإخوان الخبيثة كثير، والكثرة لمعرفة هل باتت الناس مستوعبة الصورة الوحشية للإخوان والتي تقابلها وحشية الحوثي كترادف للصورة المخبأة تحت ستار الدين؟
ومن أجل تحييد هذه الوحشية وعزلها عن الحياة المجتمعية في اليمن والسير نحو السلام والمستقبل لا بد من كسرها وصهرها وتلاشيها، وهذا ما يجب أن نتحرك جميعاً من أجله.