الحوثي لا يثق بأحد، حتى ثقته بالله مهزوزة بعد أن خذلهم ونكل بهم في الجبهات.. لا يثق بعائلته التي تؤويه إلا وقد جردها من كل عوامل التهديد والخوف.. ولا يثق بأتباعه والمخلصين له وهم له رُكعاً ينفذون ما يؤمرون به دون تردد معتقدين أن الله هو من أمر بذلك.
وعندما سقطت المدن والقرى وانتشرت ميليشيات الحوثي رافعة راية الظلم والقهر والإذلال جلبت معها ثقافة المجتمع الصعدي التي يتخذها بعض المتحوثين من المناطق غير الصعداوية تقليدها وارتدائها لتضفي عليهم طابع القوة والغلبة والهيبة بين البسطاء.
"سابر يا خبير" باللهجة الصعدية جملة انتشرت وطغت على ألسنة المتحوثين وباتت هي المفتاح الدلالي أن الشخص أو المتحوث قد اختلط بالحوثيين الصعداويين واكتسب منهم الخبرة والقوة، وأصبح في منزلة المقربين من دوائر المشرفين الكبار الذين لا تراهم أعين الناس إلا هنيهة من الوقت، معللين اختفاءهم بدواعٍ أمنية واستخباراتية وخوفاً أن تلتقطهم عدسة الطائرات التي تبحث لها عن فريسة تلتهمها وتريح الناس من شرها.
وبالعودة إلى الثقة التي تشغل عقل عبدالملك الحوثي ولا تريح له بالاً، والخوف الذي يسيطر عليه من كل الجوانب وهو ينتظر لحظة السقوط المفاجئة، يحاول هذا الرجل أن يجعل كل قياداته العسكرية أو الإدارية من فئة معينة ومنطقة محددة يسهل عليه التحكم بهم ويوثق عرى الولاء له والاعتصام به رغبة منهم لإيمانهم المطلق بولايته عليهم، ورهبة منه لإيمانهم بالموت والانتقام منهم إذا فكروا بالخيانة.
العوامل المحددة لعملية الاختيار للمشرفين الحوثيين هي السلالة والمنطقة، والأولوية في سلم الاختيار عند عبدالملك هي لأبناء منطقة صعدة، وكلما اقتربنا من صعدة ضاقت دائرة الاختيار أكثر، حيث تتمركز حول المديريات والقرى التي ينتمي إليها الحوثي وأقرباؤه، وهكذا تضيق الدائرة حتى تصل إلى إخوته، ولا تزال الثقة تقلقه وتزعجه حتى منهم.
أغلب المشرفين في كل الدوائر الحكومية التي يسيطر عليها الحوثي هم من أبناء صعدة والهاشميين الصنعانيين، حيث تغلغلوا في كل مفاصل الدولة ونخروها من الداخل وأحكموا القبضة عليها بشكل مرعب ومخيف.
إذا لم يكن المشرف في دائرة ما من صعدة، فبالضرورة يكون هاشميا صنعانيا، ولا توجد معايير لاختيارهم حسب خبراتهم، والمعيار الوحيد للاختيار هي المصلحة التي سيحققها لجماعته وكمية الأموال التي سيوردها إلى خزينة عبدالملك، لكن هذا الاختيار لا يخرج عن نطاق السلالة والمنطقة.
وفي كل مرة يعتقد المتحوثون من خارج دائرة السلالة والمنطقة أنهم أصبحوا في مرتبة الثقة سرعان ما يسقطون سقوطاً مدوياً ومؤلماً، لأنه تم استخدامهم فقط كواجهة وديكور ولتحقيق مصالح معينة أو لإسقاط قرية معينة وعندما ينتهون من إكمال ما عليهم يتم رميهم وتجاهلهم ولا يجرؤون على النقد أو الدفاع، لأن صفة النفاق سوف تُطلق عليه كالرصاصة على قلبه، بمعنى آخر يتم استخدام المتحوثين كورقة منديل ما إن يتم بها مسح الأذى حتى يتم رميها.
هذه الحالة لا تنطبق على المتحوثين فقط بل أيضاً المشايخ والوجهاء، يستخدمهم الحوثي ورقة في حروبه، وعندما تنتهي يتم إحراقها، ويتسيد الموقف مراهق من صعدة أو هاشمي صنعاني.
عبدالملك لا يثق باليمنيين، وكذلك يؤمن أن السلطة والحكم له ولآل بيت النبوة، لذلك يطلق أيادي أتباعه الهاشميين والصعداويين لبطش أبناء الشعب والتحكم بحياتهم ومصالحهم، والتحكم بكل شاردة وواردة في الواقع وصولاً إلى أحلام الناس وأمانيهم.
انظروا في كل مفاصل الدولة ستجدون الصعداويين والهاشميين هم من يسيطرون على كل شيء، ويظهرون في وسائل الإعلام مدعين التعايش السلمي واحترام الحقوق، وقبل ذلك وعندما كانوا لا يزالون في كهوفهم كانت يافطاتهم المعلقة تقول إنهم لا يريدون ولا يرغبون بالسلطة ولا الحكم.. فقبح الله وجه من يكذب.
اليوم إما أن نقاتل من أجل عودة الدولة والقانون والحقوق وترسو سفينة الحياة بين اليمنيين لينطلقوا إلى المستقبل، أو سنبقى تحت هيمنة وعبث وحقد مراهق من صعدة وهاشمي صنعاني.