محمد عبدالرحمن

محمد عبدالرحمن

صنعاء بين حوثية الإرهاب والموت

Wednesday 29 May 2019 الساعة 08:01 pm

ألف عام وأجساد اليمنيين تربطها علاقة الدم مع سياط الأئمة الذين توارثوا الحكم والسلطة والثروة والناس في اليمن.. يسقط إمام ويولد أئمة، تغيب الشمس وتطل الولاية من سفح نقم وتعمل عملتها في بيوت صنعاء وأزقتها الضيقة وحوانيتها العتيقة.

في كل مرحلة من مراحل حكم الأئمة الزيدية يكون اليمنيون على موعد مع الحروب التي توطد علاقة الإمام الجديد بالقبائل في المدن والقرى، يظهر الإمام بطشه المنسدل من تحت عكاوته المنسوجة من خيوط التسلط وجلود اليمنيين، وتحيكها طلاسم الدين وخرافة الولاية وتعقُب الثأرات المتوارثة من قتلة الحسين، وكأن رأسه عُلّق عند باب اليمن واليمنيين أخفوا "مغرف" الماء الذي منعه الشرب من النهر 
في كل مرحلة تُحرق مزارع اليمنيين وتُهد منازلهم وتُبل ثيابهم المهترئة بدمائهم ويُنشر الإرهاب الذي يُبدد حلم الناس في أخذ حقهم وتنصلهم وانعتاقهم من ربقة الدين المعقود بالولاية لنسل محدد جاء إلى اليمن غريباً ومتنكراً 
اليوم لا يختلف عما كان في الأمس، إنها سلسلة مترابطة من الظلم والجور والدم، إنها فكرة خرافة الولاية التي طحنت اليمن من شرقها إلى غربها ومن شمالها إلى جنوبها منتعلة الخوف والإرهاب ومُغلقةً صنعاء في وجه القرن الواحد والعشرين.

من ينظر في صنعاء اليوم يغرق في التألم وسقوط الحيلة الذاتية المتجردة بعد تحلل منظومة الدولة الصوت الذي كان لابد أن نحافظ عليه.

اليوم صنعاء تغرق في الجريمة والضحايا، ولأن لا صوت إعلامي أو حقوقي يُظهر ما يحدث فيها بشكل بارز، فكل شيء يحدث وكأن لا شيء حدث، وهذه إحدى وسائل الحوثي لكبح جماح الناس من الانفجار بوجهه، إن سطوة الحوثي أمنياً واستخباراتياً على حياة الناس في مناطق سيطرته جعلتهم يعيشون حالة من الفوبيا والرعب.

الجريمة في صنعاء في أعلى مستوياتها عن بقية المدن اليمنية المحررة، كل يوم تحدث جرائم قتل واختطاف واغتصاب ونهب وسرقة، لكنها لا تصل إلى وسائل الإعلام بسبب التعتيم الحوثي على هذه الأمور، أقسام الشرطة والبحث الجنائي مزدحمة بالبلاغات، المستشفيات مليئة بالضحايا قتلى وجرحى في قضايا جنائية، المعتقلات مزدحمة بالرجال والنساء المختطفات، وهنا يأتي دور المشرفين في ابتزاز أُسر الضحايا إلى درجة تلفيق التُهم لعوائل مرموقة في قضايا الشرف والعرض مما يجعل تلك الأسر والعوائل تدفع الأموال للحفاظ على سمعتها وكرامتها التي يحاول الحوثي أن يشوهها بغية التكسب من ورائها.

الجوع والتسريح القسري من الوظائف دفع الناس إلى مواجهة متطلبات الحياة بالسرقة والقتل والتسول، ومن ينظر في شوارع صنعاء سيجدها تطفح بالموتى المتسولون بحثاً عن شيء يعيدهم إلى الحياة، الحوثي سلب كل ما كان الناس يدخرونه في مواجهة مثل هذه الكوارث واللعنات.

صنعاء الموت فيها يربض في كل شارع وفي كل بيت، الأمراض تفتك بالمدنيين، الأوبئة تختطف أرواحهم، الجوع يبقر بطونهم، والخوف يكبل عقولهم، الموت ينسح في شوارع صنعاء، لكن بصورية مدنية، حيث يعتقد الناس أن ذلك قضاء وقدر ولا علاقة للحرب بذلك مما يخفف من وطأة التذمر في وجه الحوثي.

في صنعاء تتعادل كفة الميزان بين قتلى الحوثي في المعارك وبين ضحاياه المدنيين في الشوارع والمنازل، لذلك يحاول أن يُظهر للعالم أن وجه المدنية مبتسم ودمعها ما هو إلا زخة مطر ونفحة إلهية.

طيلة مراحل حكم الأئمة الزيديين على اليمن لم تكن هناك مرحلة ترتقي إلى ما وصل إليه الحوثي في إرهابه وبطشه وأساليبه ومكره، حتى إنه تجاوز في القتل الإمام عبدالله بن حمزة الذي قتل أكثر من مائة ألف يمني مطرفي بينما الحوثي لا تزال منظمات دولية تحصي قتلاه من اليمنيين حتى هذه اللحظة من كتابة آخر كلمة في هذا المقال.