أُخضع كل شيء في الشمال، سقطت الدولة بأحداث درامية لم يكن أحد يتوقعها، المجتمع تشظى وعاد إلى مكوناته الأولى، القبيلة إحدى مكونات المجتمع أصبحت خرابة بعد تساقط أحجارها وحصونها الشامخة، المشيخة التي كانت أغلب الأحيان تتفوق على الدولة بسطوتها وحضورها أصبح فيها المشايخ بلا عمامة القبيلة وقد أصبحت مداساً لأقدام الحوثي وميليشياته.
الشمال اليوم كيان مفكك وهزيل، مفكك اجتماعياً واقتصادياً وسياسياً، لا صوت فيه إلا صوت الإرهاب الحوثي، ولا قبيلة فيه إلا قبائل صعدة، ولا دولة فيه إلا خطابات عبدالملك وملازم حسين الحوثي، ولا اقتصاد فيه إلا ما يجنيه الحوثي من إتاوات وضرائب وزكاة وعوائد الاتصالات والنفط وكل ما يستطيع الحوثي أن ينهبه من مساعدات الجياع وأموالهم التي تتبرع بها المنظمات الدولية.
قبل سقوط الدولة راهن الناس على الجيش لحمايتها وحمايتهم لكنهم أصيبوا بخيبة أمل، لم يكن هناك جيش بل كتائب حماية في منازل علي محسن وصادق الأحمر وغيرهم من القيادات، فراهن الناس على القبيلة في حماية ما تبقى من وجه الحياء والحياة، لكن ما لم يعرفه الناس أن المشايخ لا يسندون الرعية بل من يدفع الأموال لشراء الرعية نعاج تُقاد إلى المذابح.
سقطت سلطة المشايخ بيد الحوثي، واختفت تلك العنجهيات وتفاحيط الشاصات وتغطرس المرافقين، وظهرت بيد الحوثي سلطة أذلت كل من فتح له قبيلته وباع رعيته ولم يستلم حِنطة مقابل خيانته للدولة قبل سقوطها أو لمبادئ القبيلة، الحوثي لا يعطي شيئاً بعد الانتهاء من خدمته وتحقيق مصلحة جماعاته الطائفية.
الشمال جغرافيا يقسمها الحوثي بين المشرفين مكافآت، ويقسمه اجتماعياً إلى طبقات يعتلي هو الطبقة العليا كحق إلهي متوارث ويزدري ما تحته من طبقات، ويقسمه مناطقياً إلى أصحاب مطلع وأصحاب منزل ويقسمه دينياً إلى طائفة واحدة بحيث ينفي ويخنق تواجد بقية طوائف المجتمع باعتبار طائفته هي الدين وجوهره النقي الذي لابد للجميع أن يدين به.
الشمال أصبح في حالة عجز عن المقاومة أو يُراد له أن يكون عاجزاً وخاصة بعد أن ظهرت مقاومة في مناطق معينة مثل عُتمة وحجور وانتفاضة الثاني من ديسمبر في صنعاء، لكن تلك المقاومة خُذلت من طرف يتشدق بمقاومة الحوثي، هذا الطرف أوقف كل معاركه في الجبهات ضد الحوثي ويعرقل كل جبهة أو مقاومة، وذلك لأسباب حزبية ومصالح شخصية لا تخدم إلا الحزب والأشخاص، حزب الإصلاح فرع الإخوان المسلمين في اليمن هو الطرف الذي يدير الحرب حسب مصالحه ومنافعه فقط.
حزب الإصلاح التنظيم الذي لا يقل إرهاباً عن جماعة الحوثي أصبح طرفاً يساند الحوثي ويتشارك معه وجبة الغداء في الجبهات ويقارع كل مقاومة بحكم سيطرته على الشرعية النائمة في فنادق الرياض بقيادة الرئيس هادي.
شمالاً كان آخر صوت يقاوم هو صوت الزعيم الراحل علي عبدالله صالح، والذي قدم حياته مع رفيقه الزوكا وكل من شارك في ذلك الصوت المقاوم في سبيل التحرر من ربقة الحوثي التي كانت قد طوقت أعناق الجميع.
ساد الخنوغ والخضوع والصمت المختلط بالترقب لصوت قادم مقاوم يبدد كل حيرة تلبست وجوه الناس، كانت الأنظار تراقب السماء لعلها تُسقِط عليهم الخلاص لكن صوتاً مقاوماً سمعه الجميع وبقوة كان قادماً من الجنوب.
الجنوب المقاوم أصبح يطرق أبواب الشمال لا ليسيطر عليه انتقاماً لما فعله الشمال عام 94 بل ليقوم بواجبه الأخلاقي تجاه المجتمع في الشمال والمساهمة في دحر الحوثي بعد أن دحره من مناطقه التي كان قد احتلها في العام 2015م.
المقاومة في الجنوب أصبحت اليوم هي الأمل الذي أيقظ في الناس شمالاً شعوراً بهزيمة الحوثي ودحره، وها هي الآن تطرق أبواب محافظة إب.
يقدم الجنوب خيرة شبابه في المعارك ضد الحوثي ليحصن أرضه ويدافع عن الشمال نيابة عن كل من خذلوه ويتقدم في تحرير كل منطقة يصل إليها.
ليس هناك من مغريات أو دافع للمقاومة الجنوبية في السيطرة على مناطق شمالية، لكنه الدافع الأخلاقي والقيمي الذي يتوجب عليها نصرة كل مظلوم وطأته سياط الحوثي الإرهابي.
المقاومة الجنوبية التي احتضنت أول بذرة من مقاومة الشمال في عدن وتجهيزها وتدريبها تمثلت في حراس الجمهورية، هذه القوة التي حررت الساحل الغربي بمساندة الجنوب ودعمه حتى وصلت إلى شوارع الحديدة، هي الصوت الذي يتردد في الشمال ويرسم الأمل بهزيمة الحوثي.