من الدفاع إلى الهجوم، هكذا بدأت المقاومة الجنوبية تحصن نفسها، في العام 2015م كانت المقاومة الجنوبية عبارة عن تشكيلات عسكرية متفرقة مهمتها الدفاع وحماية حارات وشوارع مدينة عدن عقب الزحف الحوثي عليها والسيطرة على عدن قبل دحره منها بهزيمة وخسارة كبيرة.
تمكنت المقاومة الجنوبية من هزيمة الحوثي بترسانته العسكرية الكبيرة التي حاولت إخضاع الجنوب مرة أخرى لقوى شمالية إقطاعية لتستمر في نهب الثروة والتسيد في القرار، لكن الجنوبيين كانوا قد تعلموا جيداً من درس حرب 94 فشحذوا أسلحتهم وقاتلوا بشراسة المقاوم الذي لابد أن ينتصر لأرضه.
لولا هزيمة الحوثي لما تشكلت المقاومة الجنوبية، ولولا الوعي الكبير في أوساط الجنوبيين لما صمدت المقاومة الجنوبية وتمكنت من تحرير الجنوب بكل مدنه وقراه وسواحله، وعلى الرغم من دعم التحالف العربي لها عقب تدخله بعاصفة الحزم وخاصة الدعم الإماراتي إلا أنها واصلت تقدمها في كل المحاور التي تقاتل فيها، وزاد من صلابتها وقوتها وأصبحت كياناً يملأ الجنوب بثقله وسيطرته وكذلك طرفاً له حساباته في اعتبارات السياسة الإقليمية والدولية لا يمكن تجاهله.
الجنوب يحصن نفسه جيداً من خلال المقاومة الجنوبية، فنجد في الجانب السياسي أصبح الجنوب قضية مركزية في أي حل لإنهاء الحرب في اليمن ويحمل مشروع الجنوب جنوبيون لهم أقدام ثابتة على الأرض وليس أولئك الذين يتاجرون بها من فنادق وسُرر وثيرة، وهذا ما يجعل الكيان الجنوبي الحامل للقضية يناور بشكل واسع وكبير وفي المحافل السياسية بما يحقق المصلحة التي ينشدها وبما يحقق السلم والأمن الدوليين.
أما الجانب العسكري فلم تعد المقاومة الجنوبية حبيسة متارسها في شوارع عدن أو الحوطة أو لودر تدافع وتنتظر القذائف والصواريخ الحوثية لتهطل عليها، إنها الآن تتخذ استراتيجية التحول من الدفاع إلى الهجوم لتحصين مدن الجنوب من الخطر الحوثي الدائم لغزوها واحتلالها مجدداً.
تدخل المقاومة الجنوبية في الزحف على الحديدة ومساندة ألوية العمالقة وحراس الجمهورية زادها مِنعة وأكسب مقاتليها مهارات عسكرية أكثر، وأبعد الخطر الحوثي على عدن من جهة الساحل وحصّنها بما يمنع صواريخه وقذائفه أن تصل إلى عدن بشكل مستمر.
ولم تكتف وحسب بالمشاركة في معركة الحديدة، بل استمرت في التوسع والتوغل في كل مناطق الجنوب التي لم تكن قد خضعت وخاصة الأدغال وبعض المناطق التي كانت تحت سيطرة تنظيم القاعدة الإرهابي في أبين ولحج.
أما شمالاً فكان الخطر دائماً يتربص بالجنوب بالعودة كرة أخرى حاملاً التغطرس والمناطقية والعنصرية في أبهى صورها على شكل جماعة الحوثي الإرهابية، والتي حاولت مؤخراً التقدم نحو الجنوب واحتلال بعض مناطق الضالع بتواطؤ مع حزب الإصلاح "فرع الإخوان المسلمين في اليمن" حتى وصل إلى قعطبة.
كانت المقاومة الجنوبية الحصن المنيع الذي انكسرت أمامه غطرسة الحوثي في قعطبة، ودحر منها بهزيمة أذلت كل مقاتليه وتنازعت بنادقهم وتهاوات مدافعهم، وكأنها العوبة تحاول أن تثير الضجة في السماء بدويها، تقدمت المقاومة الجنوبية وتقهقر الحوثي ولم يدفن قتلاه أما الجرحى فكان رجال المقاومة كرماء في إنقاذهم ومعالجتهم.
لقد مثلت معركة الضالع، وخاصة في قعطبة، مرحلة ومنعطفاً كبيراً في تحصين المقاومة الجنوبية نفسها، وأنها الآن مصدر تعويل في تحرير مناطق شمالية ما بعد الضالع، وكما ينادي أبناء الشمال استمرار تقدمها وتخليصهم من الإرهاب الحوثي.
اليوم لم تعد المقاومة الجنوبية تشكيلات عسكرية متفرقة، بل جيش كبير يستطيع خوض المعارك التي تغير وجه الخارطه الجغرافية والسياسية.