محمد عبده الشجاع

محمد عبده الشجاع

تابعنى على

من محاكم التفتيش إلى ساحات التحويث.. وطن يموت كل يوم!!

Monday 10 September 2018 الساعة 05:13 pm

ستنحسر جماعة الحوثي (أنصار الله) بلا أدنى شك، ولكن بعد أن يصبح اليمن قاعاً صفصفاً لا ترى فيه لحماً ولا عظماً، هذا ما تثبته الوقائع اليومية، والحكايات التي تتصدر المشهد وسط دهشة الجميع حتى إبليس.

ثم يأتي من يقول لك بأن "عبد الملك الحوثي" في خطابه الأخير وضع خطة اقتصادية محكمة، ستحل أمر الرواتب، وتضخم العملة، وانهيار الاقتصاد اليمني عموماً.

معالجة الاقتصاد لا يحتاج لخطاب يا "انشراح"، ولا لصف كلمات على الشاشة الفضية، لذ نقول كما قال سعد زغلول "ما فيش فائدة يا صفية".

كل هذا "الدحيس" الحاصل ليس سوى خازوق سحيق، للقضاء على شواهد وأنسجة وجغرافيا، كانت قد بدأت الخروج من بوتقة التاريخ المتمثل؛ بمعركة "صفين" ومن قبلها موقعة "الجمل" ومن قبلهما الاجتماع الذي تم في "سقيفة بني ساعدة"، وأمور الولاية، والإمامة، والبطنين، والتشيع المتخلف، والتنزيه العرقي الساذج، والتقديم والتأخير، والسرداب، والكهف، وشعرة معاوية، وسيف ذو الفقار، والعصمة، والباقر، والجواد، وظهور المهدي.

سأتحدث هنا عن هذه الجماعة كفكرة، وهدف، وتسلسل، ورؤية بعيدة كل البعد عن الوطن، ومواضيع الدفاع عن السيادة الكاذبة، وتسطير البطولات، وإرهاق العدو، ومواجهة الصلف "السعوصهيوامريكيو".

انفردت مليشيات جماعة الحوثي عن غيرها من الجماعات والمكونات اليمنية بكل شيء، فالمتتبع لهذه الجماعة ابتداءً من "التسمية"، وانتهاءً بالفعل القائم على العنف والوحشية، وجرف كل ما هو قائم، وله علاقة وارتباط وثيق بأخلاق اليمنيين، وأعرافهم، وتأريخهم الزاخر بالريادة والمحبة والتسامح، والأنفة والكرامة والاعتزاز، والتنوع، ومحبة الآخر.

لا أتذكر بالتحديد بداية البذرة الخبيثة ماذا كان اسم هذه الجماعة، لكن لنبدأ من هنا "الشباب المؤمن" ثم "جماعة الحوثي" نسبة إلى أسرة بدر الدين الحوثي، التي تُشكل امتداداً خبيثاً لسلسلة من الأحداث الأليمة، التي ظلت فخاً كهنوتياً يتحرك؛ كلما تحركت الأطماع وأريد لهذا المجتمع أن يعود للوراء بعد أن يكون قد تقدم بضع خطوات للأمام، ثم بقدرة قادر تحولت إلى "أنصار الله"، لتكون بذلك قد أكملت مشروع اللعبة القذرة، لترتبط بالله مباشرة، والعجيب الغريب أن الطموحات لم تتوقف هنا، إذ لابد أن تُكمل خداعها وتدليسها المبطن بكل تلك التسميات، فذهبت إلى ارتباطها بالنبي وآل بيته، وبدأت تقيم الأعياد التي ما أنزل الله بها من سلطان، حتى وصلت إلى "المسيرة القرآنية".

كل ذلك كان يجري بالتوازي مع تهجير السكان، وهدم الجوامع وبيوت الخصوم، واعتقال النشطاء والسياسيين، والعسكريين، والزج بهم في السجون، وحولت المدن إلى ثكنات عسكرية، واستحدثت سجوناً جديدة جميعها يفتقد لأبسط المعايير الإنسانية، مما أدى إلى وفاة العديد من السجناء، والأمر مستمر دون توقف.

يحتار المرء من أين يبدأ الحديث عن هذه الجماعة الكارثة، وكيف يقرأ أبجدياتها، ومراحل تطورها حتى أصبحت بهذا البؤس والهوس والانفصام النفسي العجيب.

عموماً ومع كل تحول وتسمية جديدة، كانت تثبت حضورها وترسخ منهجها أكثر بصورة أبشع من اليوم الذي يسبقه.

أضف إلى ذلك مسارها في المشهد اليمني، فلا هي التي اتخذت مساراً "أيديولوجياً" واضحاً وسارت عليه، ولا هي التي نهجت نهجاً سياسياً ومضت في تحقيقه، أو تحولت إلى حزب سياسي، ولا هي التي أظهرت رجعيتها منذ أن برزت في الساحات، وظلت مثل الطحلب زلقة، بحيث لم يستطع أحد الإمساك بخيوطها، راوغت الجميع وعمدت إلى تخديرهم كما يفعل الأفيون تماماً، وإن كنت لم أجربه إلا في المشهد السياسي والاجتماعي مع هؤلاء فقط.

تعلقت بإيران من جهة، وتعلقت بالقومية من جهة أخرى، ظلت تدافع عن القومية العربية من بوابة النظام السوري، ليس حباً في دمشق وإنما كرها لمعاوية، ارتبطت "بحزب الله" والقضية الفلسطينية لتمنح كيانها الكهنوتي صبغة قومية وأممية، قائمة على الممانعة والمقاومة، فكان كل ذلك "خازوقاً" كبيراً عبَرت من خلاله المضيق.

أربكت المشهد تماماً، وتماهت حتى مع الهواء الذي يتنفسه اليمنيون، أيقظت روح "الصرخة" تحت مسمى ثورة، وطبعت شعارها على كل جدار، وفوق كل بقعة جميلة، وظلت في ساحات "الربيع العربي" معزولة في الخيام حتى آخر لحظة.

غادر الجميع تلك الشوارع إلا "أنصار الله" ظلوا يقظين، بينما اعتبرهم الكثير أداة سياسية بيد "النظام السابق"، وهي نفس التهم القديمة/ الجديدة التي صبت ولا تزال تصب بصالح هذه المليشيا، علماً أن الكثير من النظام السابق كان قد التحق بالساحات.

استطاعت هذه الجماعة كالحرباء أن تخادع الجميع، حتى الذين كانوا على علم ودراية بخبث توجهها، إلا أن العملية السياسية والديمقراطية كانت تحتم على المؤتمر وقيادته التعامل مع هذا الكيان كأي مكون آخر يمني، له الحق في التعبير تحت مظلة الجمهورية اليمنية، ومبادئ سبتمبر العظيمة، في إطار دستور واحد وقوانين معروفة، وحتى القوى التقليدية كانت على تعاطف كبير معها لنفس السبب، وأسباب أخرى.

لتستيقظ متأخرة، وتحمل النظام السابق كل التبعات، من إسقاط المحافظات، والعاصمة، وتسليم المعسكرات، بعد ربيع أنهك الزهر والحجر، فما بالك بنظام سياسي هش في معظمه، كانت القوى التقليدية أو أحزاب اللقاء المشترك (المعارضة) جزءاً من هذه التوليفة التي قادت البلاد.

ما لم يكن في حسبان الكثير هو أن "الطبع غلب التطبع"، والخيانة كانت تجري في الدم، واتضح أنها امتداد لربيع جديد غير الذي بدأه الإخوان ومن دار في دائرتهم، وتَكشَّف أن اللعبة الدولية والإقليمية قد اتسعت، واتسعت معها دائرة المخابرات، لتصبح هذه الجماعة عصا طيعة بيد الآخر، استطاعت بذلك أن تكمل نخرها للمؤسسات وبالذات المؤسسة العسكرية، بل واصلت ما كانت تقوم به وبسرية تامة، من تدمير ممنهج للنسيج الاجتماعي، حيث اشتغلت على عقول أبناء القبائل، فعمدت إلى تجهيل جيل بأكمله، قبل أن تدفع بهم إلى جبهات الضياع، التي بدأتها بحروب صعدة، والتي من خلالها نسجت حولها وبدعم كامل من القوى السياسية، والإعلام، والصحف الصفراء "مظلوميتها" حتى انتصرت على الجميع بما في ذلك المجتمع والقانون والدولة.

وتحت راية "الموت لأمريكا"، استمرت في ابتزازها لشريحة واسعة من اليمنيين، فأوهمتهم أنها تواجه الصلف الأمريكي الإسرائيلي، ولأنهم بعيدون عن أحوال الطقس والمناخ أي المغرر بهم، وليس لديهم معرفة بالجغرافيا، بحكم أن كل الذي بين يديهم ملازم؛ مشبعة بالجهل والتضليل، فقد افتقدوا لمعرفة الخارطة الجغرافية والسياسية والاجتماعية لكل بلد.

أضف إلى ذلك تعمد وضعهم في أماكن مغلقة، وتموينهم بشجرة "القات"، وأنواع أخرى من "المكيفات" التي تسلب العقول، وتجعلهم بلا بصيرة، وبلا رؤية.

كل ذلك جاء نتيجة المناكفات المفتعلة والتي استغلتها الجماعة لصالحها مثل أي حدث، بل وصل الأمر إلى المطالبة بالاعتذار لهذه الجماعة التي أعلنت تمردها، بعد أن ضحى الكثير من الجنود بأرواحهم لردعها، في معارك خاضتها الدولة ممثلة بوزارة الدفاع، والذهاب إلى أبعد من ذلك ولقاء زعيم الحركة في معقله بصعدة، والمشاركة الكبيرة في تشييع جثمان زعيم الحركة وعرابها "حسين بدر الدين الحوثي"، الذي لقي حتفه في الحروب الستة، كل تلك الخطوات، لم تكن سوى مقدمات للانفجار العظيم الذي أتى على الأخضر واليابس.

تمكنت الجماعة من كل شيء بخطوات محسوبة، ولأن الظروف السياسية السيئة قبل وبعد "مؤتمر الحوار الوطني" قد خدمتها وشكلت لها غطاءً غير واضح، ما جعل المشهد يمر بفراغ كبير كان بحاجة للامتلاء، وقد فعلت جماعة الحوثي ذلك، وسط تخاذل وزارة الدفاع ورئيس الدولة في معركة كانت خاطفة، وصمت من قبل حزب المؤتمر بل اتهامه بالمشاركة ودعم جماعة الحوثي لاحتلال العاصمة وصولاً إلى عدن، فأسست لفوضى وانفلات دفع ثمنهما المواطن اليمني وما زال يدفع حتى اللحظة.

عمدت الجماعة خلال فترة وجيزة إلى أن تضرب ضربتها، فتحت المجال أمام الجيران للاعتداء على اليمن، مع سبق الإصرار والترصد، وتعاملت مع خصوم الداخل وكل من يقف في وجهها ويقول لا؛ بأن فجرت بيوتهم، ونكلت بهم أشد تنكيل، لتفسح المجال لنفسها فبدأت تشتغل على المؤسسات، حرفت مسار المؤسسة العسكرية، ووزارة التربية والتعليم، والصحة، انقضت على البنك المركزي، وعطلت عمل مجلس النواب السلطة التشريعية الأولى والأهم في البلد،
ونقضت العهود والمواثيق، والاتفاقات، تجاوزت ذلك إلى تصفية الشخصيات المؤتمرية، كان آخرها العدوان الأبشع على منزل الرئيس السابق "علي عبدالله صالح" 76 عاماً، وقتله بضوء أخضر وتعاون من جهات مخابراتية داخل منزله.

وصلت الجماعة بعد كل هذا، إلى استمالة القوى الكبرى، وجر الأمم المتحدة إلى صفها دون عمل أي اعتبار لكل الجرائم البشعة التي ارتكبتها، والتي لا تزال ترتكبها حتى اللحظة، في الحديدة وتعز وإب وصنعاء وذمار، جرائم لا تعد ولا تحصى بحق الأفراد والأحزاب والجماعات، تنوعت وتفننت فيها، حتى زراعة الألغام التي تعكس الصورة الأبشع لهذه المليشيا.

من يتابع التقارير والإحصاءات التي تم تدوينها منذ اجتياح هذه المليشيا للعاصمة صنعاء وصولاً إلى جنوب اليمن، سيدرك تماماً كيف أن هذه الجماعة تجاوزت بأعمالها ما فعلته محاكم التفتيش في أوروبا واسبانيا وإن بشكل وصورة مختلفة.

يقف اليمنيون اليوم على حافة الوجع بانتظار المخلص، يدعون الله ويتضرعون إليه، فاقدين الأمل في القوى السياسية إلا ما رحم ربي، أملهم كبير بالله سبحانه، وبرجال الرجال في كل الجبهات.

وأخيراً.. لابد أن نكون على يقين من أن هذه الجماعة هي اختبار لإرادة اليمنيين، وتمحيص لجوارحهم، وأننا سننتصر للسلام، والأمن والمظلومين، وستعود اليمن شامخة، يرفرف علم جمهوريتها في كل الأراضي التي عبثت بها هذه المليشيا، وسترجع صنعاء شامخة فاتحة أبوابها للجميع دون تمييز أو استثناء.

وسيولد اليمني من جديد مثل طائر الفينيق، وسيعود الهدهد لمزاولة عمله، كساعي بريد طليق يبحث عن الأقوام التي تغرق في الظلال، ليمنحها النور والسلام.

وأن حال هذه الجماعة اليوم تنطبق عليها الآية الكريمة التي تقول: (نُمَتِّعُهُمْ قَلِيلًا ثُمَّ نَضْطَرُّهُمْ إِلَىٰ عَذَابٍ غَلِيظٍ) صدق الله العظيم.