د. ياسين سعيد نعمان

د. ياسين سعيد نعمان

تابعنى على

إصلاح العملة.. بين الإدارة والاقتصاد

منذ ساعة و 55 دقيقة

لو أن الإجراءات التي اتخذتها الحكومة والبنك المركزي مؤخرًا لضبط وإعادة تصحيح قيمة العملة الوطنية، مقيمة بالدولار الأمريكي والريال السعودي، لم تكن قد أفضت سوى إلى وقف تدهور الريال اليمني بصورة حاسمة لكفاها نجاحًا أن تكون قد حققت تلك النتيجة في الظروف الاقتصادية والمالية الصعبة والمعقدة.

وكان بإمكان هذه النتيجة أن تشكل محطة مهمة لمراجعة اقتصادية ومالية ونقدية لإعادة تقييم العملة بخطوات تجمع فيها بين استمرار استخدام الأدوات المالية والاقتصادية، والأدوات الإدارية بجرعات لا يسمح فيها بتغلب الأدوات الإدارية على الأدوات الاقتصادية والمالية.

أما وقد تسارعت النتيجة لتصل إلى هذا المستوى الاستثنائي، فلا بد من أن تتوقف جهات الاختصاص لتتدارس تأثير كل من العوامل الاقتصادية، ومنظومة الفساد على قيمة العملة. 

هل كان الفساد هو السبب الأساسي في تدهور قيمة العملة حتى تتم مواجهته بأدوات الضبط الإداري فقط، أم أن هناك أسباباً أخرى تتعلق بالوضع الاقتصادي والمالي والنقدي العام للبلاد ستظل قيمة العملة معها دالة فيما تحققه من نمو أو خسارة، مما يعني أن تفاعل هذه العوامل مجتمعة كان السبب في ذلك التدهور الذي أصاب العملة الوطنية. 

تحديد هذه المسألة بوضوح يعطي لخطوات التصحيح معناها الحقيقي حتى لا يترتب على أي صعوبات لاحقة صدمة لدى المجتمع حينما يتجلى على نحو مباشر تأثير العامل الاقتصادي على العملة، والذي لا يمكن معالجته بالضبط الإداري وإنما بالنمو الاقتصادي. 

الأدوات الإدارية تحارب الفساد والتلاعب، أما الأدوات الاقتصادية والمالية فتضبط العلاقة بين الأداء والنمو الاقتصادي والمالي من ناحية والسياسة النقدية من ناحية أخرى. 

إن التوسع في استخدام الأدوات الإدارية مغرٍ على المدى القريب بسبب النتائج السريعة التي تتحقق بتلك الصورة المدهشة التي شاهدناها في تجربة الأيام الماضية، لكن الاستمرار سيؤدي لا محالة إلى أسلوب ومنهج موازٍ في إدارة الاقتصاد، وعلى وجه الخصوص في القطاع النقدي، حيث يتقلص نشاط القطاع الخاص في هذا القطاع إلى أدنى حد ممكن، عدا، ربما، البنوك التي يمكن ضبطها بواسطة البنك المركزي وبأدوات مالية وإدارية على السواء.

إذا قررت الحكومة أن تستخدم الأدوات الإدارية (وليس المالية أو النقدية أو الاقتصادية) لضبط سعر العملة الوطنية فلا بد أن تكون مسيطرة، بصورة مباشرة وغير مباشرة، على 70% من مصادر النقد الأجنبي. 

وهي مسألة ستعيدنا إلى ما يُعرف بالاقتصاد الموجه، وهو الوضع الذي ظل الحوثي يزايد به على الدولة وعرّفه البنك المركزي على لسانه محافظه الأستاذ المعبقي بأنه سعر تمويهي لا يستند على أسس ومعايير اقتصادية أو مالية بقدر ما يعتمد على إجراءات تحكمية وأدوات إدارية تقمع المبادرة التي يقوم عليها اقتصاد السوق. 

وحتى لا يواجه هذا التصحيح المهم الذي شهده القطاع النقدي تحديات المخاطرة بالتخلي عن المعاني الحقيقية للاقتصاد الذي يدار بأدوات تجمع بين الاقتصادية والمالية من ناحية والإدارية من ناحية أخرى، فلا بد من تخليص هذا التصحيح من أي زوائد سياسية، سواءً بالتقليل من أهميته أو تضخيم قيمته، ولا يجب أن يتحول إلى منصة لاتهام كل من يسجل ملاحظة نقدية، بل لا بد من الاستماع إلى كل رأي يناقش المسألة بروح ترشيد الفعل، على أن تتولى الجهات المختصة (الحكومة والبنك المركزي) مواصلة التشاور مع البنوك التجارية وذوي الاختصاص من علماء الاقتصاد ومع الغرفة التجارية وغيرهم والاستماع إلى الآراء المختلفة وملاحقة التطورات دون التورط في إطلاق التصريحات الإعلامية وكأننا في معركة بلا ضوابط أو أهداف تتطلب حسن الاستماع إلى كل الآراء.

لا بد من أن تصل هذه الخطوة التصحيحية إلى نهايات تبشر بأن الدولة أخذت مسارها الصحيح في المعركة الاقتصادية، وهذا لن يتأتى إلا من خلال تحويلها إلى محطة انطلاق واعٍ ومدركٍ لقيمة الآراء التي يطلقها الناس وتفاعلهم مع الخطوة بقدر تضحياتهم السابقة والمستمرة. 

*من صفحة الكاتب على الفيسبوك