صالح أبو عوذل
"وثائقي العربية".. هل يعمّق أزمة الانقسام داخل مجلس القيادة الرئاسي اليمني؟
بثّت قناة "العربية" السعودية فيلمًا وثائقيًا، زعمت أنه يوثق اللحظات الأخيرة من حياة الرئيس اليمني الأسبق علي عبدالله صالح، الذي قُتل على يد جماعة الحوثيين في ديسمبر 2017، بعد معركة استمرت لأيام. أثار الفيلم جدلًا واسعًا في الأوساط السياسية اليمنية، خصوصًا في ما يتعلق بتوقيته والرسائل السياسية التي حملها، والتي بدت وكأنها موجهة للحلفاء المحليين، وتحديدًا مجلس القيادة الرئاسي اليمني، الذي يعيش انقسامًا داخليًا متصاعدًا منذ تأسيسه في أبريل 2022.
بالتزامن مع عرض وثائقي العربية، غادر رئيس مجلس القيادة الرئاسي، اللواء رشاد العليمي، العاصمة عدن متجهًا إلى الرياض، بعد فشله في عقد اجتماع مع أعضاء المجلس، في ظل مقاطعة عدد منهم الاجتماعات منذ أشهر، وعلى رأسهم نائب رئيس المجلس عيدروس الزبيدي، رئيس المجلس الانتقالي الجنوبي، الذي يبدو أن آخر اجتماع حضره كان في ديسمبر 2024، ثم توالى "غيابه بعذر" عن الاجتماعات اللاحقة، وفقًا للبيانات الرسمية.
وبات من الواضح أن عقد اجتماع مكتمل النصاب بات أمرًا بالغ الصعوبة، في ظل تفاقم الخلافات، واعتراض ما لا يقل عن نصف الأعضاء على طريقة إدارة العليمي للمجلس، واتّهامه بتجاوز صلاحياته كرئيس مجلس وليس كرئيس جمهورية.
المجلس الرئاسي، الذي تشكّل عقب مشاورات يمنية في الرياض برعاية سعودية، كان يُفترض أن يمثل مظلة جامعة للقوى المناهضة للحوثيين، لكنّه تحول تدريجيًا إلى ساحة صراع سياسي، بسبب غياب آليات التوافق، وتعدد مراكز القرار، ومحاولات بعض الأطراف فرض أمر واقع من خلال قرارات أحادية، أبرزها تشكيل قوات "درع الوطن" دون توافق.
العليمي، وفقًا لمصادر سياسية، أصدر عشرات التعيينات والقرارات بطريقة منفردة، غلب عليها الطابع المناطقي، ما أثار حفيظة شركائه في المجلس، خاصة بعد أن تسببت بعض تلك القرارات في توترات داخلية، كما حدث في حضرموت. يُضاف إلى ذلك تحركاته الهادفة للسيطرة على منابع النفط في شبوة عبر مقربين منه.
في يونيو الماضي، صعّد المكتب السياسي للمقاومة الوطنية، بقيادة العميد طارق صالح، موقفه ضد العليمي، متهمًا إياه بتجاوز الإطار الدستوري وعقد اجتماعات تُعنى بالشأن العام دون مشاركة المؤسسات المعنية، ما اعتبره المكتب "إقصاءً مقصودًا" يتعارض مع مبدأ الشراكة الوطنية.
محاولة العليمي ترتيب تفاهمات ثنائية مع طارق صالح بعيدًا عن الانتقالي الجنوبي لم تنجح، ويبدو أن مدينة المخا رفضت ما عُرض عليها من صيغ للمصالحة، في وقت عاد فيه الزبيدي إلى عدن، وهو ما دفع العليمي إلى المغادرة مجددًا صوب الرياض، تحت ذريعة إجراء مشاورات مع شركاء دوليين وإقليميين.
تشير معلومات إلى أن العليمي أنفق مبالغ ضخمة من أموال البنك المركزي لتمويل وسائل إعلام ولجان إلكترونية تعمل على تلميع صورته، وتحمّل المجلس الانتقالي مسؤولية التدهور المعيشي في المدن المحررة، رغم أن موقعه في رأس السلطة التنفيذية يضعه أمام مسؤولية مباشرة عن إدارة تلك المناطق.
كما يُقال إن العليمي حاول انتزاع حقيبة وزارة المالية من رئيس الحكومة الحالي، سالم بن بريك، لصالح أحمد محمد المعبقي، محافظ البنك المركزي، لكن بن بريك رفض ذلك بشدة، باعتبارها من الشروط الأساسية لتوليه المنصب.
بالنسبة للمجلس الانتقالي الجنوبي، فقد تجاوز خلافه مع العليمي حدود تقاسم الحقائب الحكومية، ليشمل رفضًا شاملًا لطريقة إدارة المجلس، ورفضًا لما يصفه بسياسات "حروب الأزمات" التي تغذيها حملات إعلامية تهاجم الانتقالي وتستهدف عدن سياسيًا وأمنيًا.
أما الفيلم الذي عرضته "العربية"، فرغم تقديمه كوثيقة تاريخية، إلا أنه بدا في مضمونه موجهًا ضد العميد طارق صالح، في محاولة لتقييد دوره السياسي داخل المجلس. فالفيلم أغفل العديد من الحقائق الجوهرية، من بينها أن تحالف صالح مع الحوثيين جاء نتيجة واقع فرضه بقاءه في صنعاء، لا بسبب تقارب سياسي معهم، كما تجاهل الفيلم دور جماعة الإخوان في تقويض سلطة الدولة خلال الفترة الانتقالية، وإعادة تدوير النفوذ داخل مؤسسات الدولة.
المتحدثون في الفيلم فشلوا في تقديم رواية متماسكة بشأن هيكلة الجيش وتجريد صالح من قوات الحرس الجمهوري، التي كانت هدفًا معلنًا لجماعة الإخوان منذ 2012. كما لم يتطرق الفيلم لتواطؤ بعض الألوية المحسوبة على الإخوان خلال معركة صنعاء ديسمبر 2017، حين فشلت في دعم قوات المؤتمر رغم توجيهات من الرئيس عبدربه منصور هادي، لتلك القوات بالتحرك لمساندة قوات حزب المؤتمر الشعبي العام.
تجاهل الفيلم أيضًا مسؤولية الأطراف التي كانت فاعلة خلال مرحلة الانهيار، وسكت عن حقيقة أن صالح كان قد عُرض عليه الخروج الآمن من صنعاء بوساطة من دولة إقليمية، لكن الموكب تعرّض لهجوم في منطقة سنحان، أسفر عن مقتله مع عارف الزوكا، وهي المعلومة التي نشرت قبيل الإعلان عن مقتل الرئيس اليمني السابق.
وبينما يلقي أعضاء جماعة الإخوان باللائمة على الرئيس هادي، يبرر آخرون، كما فعلت فائقة السيد في الفيلم، تحالفهم الهش مع الحوثيين بذريعة غياب القوى السياسية الأخرى عن الساحة، متغافلين أن بعض تلك القوى كانت شريكة في تسليم مؤسسات الدولة.
يبقى السؤال: هل كان الفيلم الوثائقي أداة ضغط على العميد طارق صالح؟ وهل يمكن قراءته كجزء من ترتيبات تتجاوز رشاد العليمي نفسه؟
في ظل انعدام التوافق داخل المجلس الرئاسي، وتزايد الخلافات البنيوية بين مكوناته، يبدو أن المجلس يواجه مفترق طرق حقيقي. فإما العودة إلى بنود وثيقة نقل السلطة وتفعيل آليات الشراكة، أو الدخول في مرحلة جديدة، قد تستدعي إعادة النظر في رأس السلطة التنفيذية ذاته.