أحمد طه المعبقي
المواطن اليمني بين مطرقة العسكر وسندان القضاة
أكبر فاجعة في هذا البلد بأن انتهاكات حقوق الإنسان لم تعد مقتصرة على العسكر ومشايخ القبائل فحسب، بل صارت الانتهاكات تمارس من قبل بعض قضاة المحاكم ورؤساء ووكلاء النيابات، فأصبح المواطن اليمني في حيرة من أمره، واقع بين مطرقة العسكر، وسندان القضاة.
ففي ظل الاختلالات الشائبة داخل مؤسسة الدولة، اتسعت رقعة الانتهاكات، وألغي الهامش الديمقراطي، وقيدت الحريات، وارتفعت حالات الاحتجازات التعسفية، وجرائم الاختفاء القسري، ولم تتوقف هذه الانتهاكات عند العسكر والجماعات المسلحة فحسب، بل يرجع في الأساس إلى عدم قيام النيابات والمحاكم بدورها القانوني والأخلاقي والرقابي، اتجاه الاعتقالات ومراكز الاحتجازات غير القانونية.
كذلك ليس بوسع أحد أن ينكر بأن الأحكام الجائرة والظالمة التي يصدرها بعض ضعفاء النفوس المحسوبون على السلطة القضائية، تركت آثاراً سلبية على المؤسسة القضائية، لكنها لم تفقد المواطن ثقته الكاملة بالمؤسسة القضائية، باعتبار المؤسسة القضائية بالنسبة له طوق نجاة، في بلد يشوبه الظلم والقهر اليومي.
لذا تأتي قدسية القضاء هنا من قدسية القانون، بنفس الوقت، لا حصانة لقاض أو حاكم أخل بالتشريعات الوطنية واتفاقيات حقوق الإنسان.
على أية حال، يأتي إصلاح المؤسسة القضائية ضمن أولويات أي حركة إصلاحية تسعى إلى انتشال البلد الغارق في الفساد والحروب والصراعات الداخلية؛ كون استعادة مؤسسة الدولة مرهونة بإعادة الاعتبار للقانون، وإعادة الاعتبار للقانون مرهونة بإصلاح المؤسسة القضائية.
في الأخير توالي الفشل المتكرر للأنظمة العسكرية في اليمن وفي الوطن العربي، أفقد المواطن اليمني ثقته بالأنظمة العسكرية بشكل كلي، وصار الرهان اليوم على القضاة بأن يكونوا هم بناة الدولة المدنية وقادة حركة التغيير والإصلاح الإداري والاقتصادي الشامل، ويقع على عاتقهم انتشال اليمن من هذا المستنقع المزري.