أحمد عقيل باراس

أحمد عقيل باراس

تابعنى على

الجنوب وغياب الشعور بالمسؤولية

Saturday 03 February 2024 الساعة 06:06 pm

التدمير الممنهج الذي يتعرض له الجنوب بحجج وأشكال متعددة إن لم يتم إيقافه والعمل على وضع معالجات حقيقية له فإن النتائج ستكون كارثية علينا جميعاً سواءً في الانتقالي أو في الحكومة، إذ وصل مستوى الإذلال الذي نتعرض له كشعب درجات قياسية وحداً لا يطاق.. فساد مستشرٍ في معظم مرافق ووزارة الدولة، مواطنون بلا خدمات، كهرباء منعدمة ومدن تعيش في ظلام دامس، مرتبات مقطوعة وعملة في تدهور مستمر، تطبيب لا يستطيع أن يحصل عليه حتى جزء بسيط من الناس.. فيما يقف من يتولون أمرنا اليوم متفرجين على انهياراتنا التي تزداد يوماً بعد يوم بدون أن يحركوا ساكناً، وكأن الأمر لا يعنيهم ليجسدوا في أبهى صورة عدم الشعور بالمسؤولية تجاة من يحكمونهم أو يتولون أمرهم، فجميعهم لا يشعرون بالمسؤولية: مجلس قيادة وحكومة وانتقالي وسلطات محلية.

ولأول مرة يحدث في تاريخ اليمن شمالاً وجنوباً طوال تاريخهما الحديث والمعاصر أن تخلت أي من القيادات التي تولت السلطة آنذاك عن مسؤولياتها تجاه من يحكمونهم، فهذه الجبهة القومية بالأمس وبرغم صغر سن قادتها وعدم خبرتهم عندما تولت السلطة في الجنوب فإن شعورهم وإحساسهم بالمسؤولية التي أحسوا بها تجاه شعبهم جعلهم يديرون دولة في ظل غياب الموارد حينها، وهذا الرئيس الراحل صالح عندما دخل عدن على ظهر دباباته وكان في نظر الكثيرين عندها محتلاً في العام 1994م لم يتخل عن مسؤولياته تجاه الناس ولم يتركهم فريسة للفوضى وللعصابات إذ سرعان ما تم تطبيع الأوضاع فيها وفي كثير من مدن الجنوب حتى استعادت عدن عافيتها وإن لم يكن بصورة نموذجية لكنها في المجمل استعادت عافيتها ولم تشعر عدن والجنوب بالفراغ أبداً بعد هزيمة واضحة تلقوها حيث لم تتوقف حينها مرتبات أي من الموظفين بمن فيهم أولئك الذين واجهوا قواته وشاركوا في الحرب ضده.. كما لم يحدث أن انقطعت الكهرباء أو انقطعت المياه عن عدن أو أغلقت المستشفيات أبوابها. كما لم نره يبتدع -وهو المحتل في نظرنا- نقاطاً للجبايات على مداخل المدن وعلى الطرقات، ولم يحدث أن فرض في المدن التي فتحها أي ضرائب أو جبايات جديدة على الناس وعلى الأنشطة التجارية، ولم يعمل مطلقاً على تأجير الأرصفة والشوارع، ولم يبالغ في تحصيل أي رسوم سابقة كانت موجودة، وقبله لم يتخل حتى قادة الانقلابات التي حدثت هنا وهناك عن مسؤولياتهم، فقد كان الشعور بالمسؤولية هو السائد لديهم جميعاً، فقاموا بأمور شعوبهم التي اعتبروا أن وجودهم لم يأت إلا من أجلهم.

وبالنظر لكل ما حصل في السابق نجد أن ما دفع قادة الجبهة القومية في الماضي وفيما بعد صالح وقادة الانقلابات التي حصلت في الشمال والجنوب لأن يأخذوا زمام الأمور ويمضوا للأمام ويهتموا بالناس هو شعورهم بالمسؤولية وإن بدرجات متفاوتة تجاه شعبهم أو تجاه من يحكمونهم ويعتبرون أنفسهم مسؤولين عنهم، فقد كانوا -ولو نظرياً أو حتى شعورياً- يستمدون شرعيتهم من هؤلاء الناس الذين حكموهم، بينما اليوم يغيب هذا الشعور تماماً عند كثير ممن يحكموننا.. 

وحتى نكون منصفين فإن هذا الشعور بالمسؤولية لم يكن مقطوعاً البتة لدينا في وقتنا الراهن، فهناك من قادتنا من كان يشعر بمسؤوليته تجاه شعبه ولم يتردد مطلقاً في أخذ موقف متقدم عندما دعت الضرورة لذلك.. وبصورة أوضح كلنا أو معظمنا عاصر أوضاع وظروف العام 2019م بعدن أكانت اقتصادية أم صحية أم عسكرية، حيث نتذكر عندما عصفت الأحداث بعدن حينها وكانت على حافة الانهيار ما بين عدو متربص في شقرة يتحين الفرصة للانقضاض عليك وكوارث طبيعية من أمطار وسيول شلت الحركة في المدينة وما بين وباء كورونا الذي فتك بالجميع وأصبح خطره يتهدد حياة الناس فيها في ظل انهيار وغياب تام للخدمات الصحية وللسلطات المحلية والحكومية اللتين تخلتا عن مسؤولياتهما ولم يكن يتبقى لنا حينها في عدن غير تشييع المدينة وسقوطها رسمياً وعند الوصول لهذه النقطة ظهر من وسط تلك الأحداث والوقائع رجل أبى أن يقف متفرجاً على انهيار مدينته التي أحبها ويعمل من أجلها، فتصدر المشهد وأعلن الإدارة الذاتية للجنوب، إنه اللواء أحمد سعيد بن بريك القائم بأعمال رئيس المجلس الانتقالي الجنوبي رئيس الجمعية الوطنية حينها، في الاجتماع التاريخي الذي عقدته آنذاك هيئة رئاسة المجلس الانتقالي الجنوبي ليترأس بعدها شخصياً الإدارة الذاتية للجنوب وليقوم بأمر الناس ويتغلب على كثير من المشكلات في زمن قياسي بمساعدة من قيادات الانتقالي المدنية والعسكرية وبالتفاف الناس حول هذه الإدارة الوليدة التي شعروا أنها تمثلهم وتحرص عليهم.

لقد مثل قرار الإدارة الذاتية لحظة فارقة في تاريخ الجنوب بل وعدت خطوة متقدمة لم تضاهها أو تصل في مستواها أي خطوة غيرها منذ تأسيس الانتقالي وحتى يومنا الحاضر، حيث كان أساسها ومحركها هو الشعور بالمسؤولية التي تحلى بها اللواء بن بريك الذي ترأس الإدارة الذاتية حينها وكان موفقاً فيها وما ساعد على النجاح أن أتى القرار أولاً وأخيراً نابعاً من رغبة جنوبية خالصة ولم يأخذ في الحسبان أي مصلحة غير مصلحة الجنوب، لذا لا عجب إن رأينا التفاف الجميع حول هذا القرار ومواجهة كافة التحديات والتغلب عليها أكان في المجال العسكري أم المدني أم الخدمي أم الاقتصادي، ولتشهد عدن بعدها تحولاً كبيراً وانفراجاً واسعاً للازمة والمعاناة التي عاشتها وكادت ان تعصف بها ليتم تغيير المعادلة تماماً واحتواء الأمور والسيطرة على الأوضاع، وليعيش الجميع فترة من الزمن ولأول مرة بنعمة القرار الجنوبي الخالص، فقد أصبحنا على أرضنا أسياداً بالفعل لا بالشعارات.. ولو قدر لهذا القرار ان يستمر لفترة أطول لتغيرت كثير من الأمور لصالح شعب الجنوب.

إننا اليوم ونحن نسترجع شريط الذكريات لتلك المرحلة نشعر بألم حين نرى الأوضاع الحالية في عدن والجنوب لا تقل سوءاً عن أوضاع العام 2019م إن لم تفقها والتي في مجملها دفعت باللواء بن بريك حينها للاستشعار بالمسؤولية والقيام بتلك الخطوة المتقدمة بينما لا نرى اليوم أياً من قياداتنا من يأخذ بزمام الأمور ويتخذ خطوة أخرى متقدمة ويعمل على إيقاف هذا النزيف وهذا السقوط الذي يراد لشعب الجنوب أن ينزلق إليه، فاستمرار المعاناة في ظل انسداد أي أفق للحلول التي من شأنها ان ترتقي بالمستوى المعيشي للناس سيؤدي بهم لأن ينفضوا من حولنا أو يفقدوا ثقتهم بقيادتهم، وهو ما يشكل الخطر الحقيقي الأكبر على قضيتنا وعلى تطلعاتنا وسيحقق به أعداء الجنوب ما لم يستطيعوا تحقيقه بالقوة.. لذلك كم نتطلع لنرى اليوم في قياداتنا بعضاً من الشعور بالمسؤولية التي رأيناها في البداية عند قادة الجبهة القومية وفيما بعد عند صالح وقادة الانقلابات وأخيراً عند اللواء بن بريك.

*من صفحة الكاتب على الفيسبوك