عبدالرحمن بجاش
"هائل" من رفع شعار: ”الجمهورية أو الموت” مات غريبًا..!
حقًا إنهم يموتون غرباء، لم يذهب محمد عبدالولي بعيدًا، بل لامس الجرح مبكرًا.
عندما تهبط إلى عمق الأرض لتصل إلى قطارك في محطة مترو الثورة “ريفولو تسايا” في المدينة التي قهرت نابليون “موسكو”، تنبهر عندما تلاحظ أعدادًا من الرؤوس صنعت من المعدن الصلب، موزعة في الاتجاهين، تسأل، يأتي الجواب على الفور:
من أبطالنا..
وعند جدار الكرملين حيث الشعلة تتوهج نيرانها صباح مساء، صيفًا وشتاءً، تجد أسماء على الأرض، كل اسم ضمن نجمة، أسماء أبطال الحرب ممن قدموا حياتهم من أجل الوطن.
وعندما ترى تمثال “الوطن الأم” تنبهر بحجم التمثال المهيب، ومعناه: “عندما تم تدشينه عام 1967، كان أعلى منحوتة في العالم بارتفاع 85 مترًا من أقصى السيف إلى أدنى القاعدة، وجسم المنحوتة ذاتها ارتفاعه 52 مترًا، والسيف 33 مترًا، و200 درجة من السلالم تمثل المائتي يوم للمعركة تم بناؤها من القاع إلى قمة التمثال”.
التمثال في هضبة “ماماييف كورغان” في فولجاجراد، وما كانت تعرف بـ”ستالينجراد”، التي وقعت فيها معركة المجد السوفيتي، وهناك تحطم غرور هتلر.
التمثال يخلد أولئك الذين قاتلوا دفاعًا عن الوطن الأم.
وجدير بنا التذكير بأن السوفييت قدموا من أجل العالم “32 مليون” من نسائهم ورجالهم، دفاعًا عن وطنهم وعن العالم من النازية.
صباح كل 9 مايو تنبهر مرة أخرى عندما ترى بوابي العمارات وسائقين وتانيا عاملة البوفيه، وفي كل مناحي الحياة، تعرفهم من الأوسمة التي تطرز صدورهم، ومن الكميات الهائلة من الورود تغمرهم، وكذلك أشكال التكريم، إنهم أبطال الحرب العالمية الثانية، وفوق قبر لينين، وفي آخر مشهد يوم 9 مايو الماضي، شاهدنا العشرات من كبار السن تجللهم النياشين، ويلبسون بدلات المجد، يجلسون على نفس المنصة التي عليها بوتين!
توفي صاحب شعار:
“الجمهورية أو الموت”..
توفي هناك بهدوء في قريته أديم… بعد سنين قضاها وسط الألم الشخصي مرضًا عضالًا وتجاهلًا لم يلن.. وحتى راتب لم يعد يصرف، بل ربما ينهب..
من هو؟
هو هائل محمد سعيد عبدالقادر الصوفي، أحد الرجال الكبار الذين دافعوا بالصاعقة عن صنعاء، وانتصروا لها مع زملائهم في مختلف وحدات القوات المسلحة، في أهم ملاحم الدفاع عن الثورة والجمهورية “السبعين يومًا” التي في نهايتها فكوا الحصار عن اليمن من صنعاء.
ليجري بعد الانتصار العظيم وأد الفعل وقتل أصحابه بكل أشكال الخيانات، وأهمهم عبدالرقيب عبدالوهاب أحمد الذي سحل في شوارع صنعاء تكريمًا وتقديرًا له على دوره العظيم!
وظل حتى قبره مجهولًا حتى أتت لحظة تأتي في عمر الشعوب “إماطة اللثام عن وجه النهار”، عاد عبدالرقيب إلى الواجهة، واختفت أسماء قاتليه خزيًا وعارًا إلى الأبد.
عاد الصوفي ككل الرجال من الحجرية وغيرها، إلى مناطقهم بعد أداء الواجب المقدس، لينساهم من عملوا على قتل الثورة والجمهورية التي سيظل علمها يرفرف في أفئدة الناس طال الزمان أو قصر، سيرتفع علمها يومًا من جديد.
عاد هائل إلى قريته الكهيف عزلة الأصابح مديرية الشمايتين، وظل فيها منسيًا يعاني سنوات طوالًا، حتى داهمه الموت -رحمه الله- في 16 سبتمبر 1996، حسبما قال جميل الأصبحي، الذي أضاف عنه إنه “من مواليد العام 1945م، قرية الكهيف عزلة الأصابح مديرية الشمايتين محافظة تعز، تلقى تعليمه الأول في كتاتيب القرية.
سافر إلى جيبوتي برفقة ابن خالته طه العجيل، حيث أكمل دراسته للمرحلة الإعدادية والثانوية هناك.
عاد إلى مدينة تعز عند اندلاع ثورة السادس والعشرين من سبتمبر 1962م المباركة، ملبيًا نداء الثورة والجمهورية.
تم ترشيحه للدراسة في القاهرة عاصمة جمهورية مصر العربية، في الكلية الحربية، وأكمل دراسته العسكرية، وتخرج في العام 1965م، درس في مدرسة الصاعقة لمدة عام، تخرج بتقدير جيد جدًا في 23 سبتمبر 1966م.
شارك في كافة معارك تثبيت الثورة والجمهورية، وآخرها فك حصار السبعين.
وتولى عدة مناصب، كان آخرها أثناء فترة حصار السبعين، أركان حرب قوات الصاعقة، وبعدها تولى قيادتها.
وقد تم اعتقاله لاحقًا في سجن قصر غمدان، حيث مورست عليه شتى أنواع أساليب التعذيب الجسدي والنفسي والتنكيل لمدة ست سنوات.
أفرج عنه الرئيس الشهيد المقدم إبراهيم الحمدي، رحمة الله عليه.
خرج من سجن قصر غمدان فاقدًا قواه العقلية، وعاد إلى مسقط رأسه، حيث توفي يوم الاثنين 16 سبتمبر 1996م، 4 جمادى الأولى 1417 هجرية.
لم يشفع له أبدًا شعاره، ولا المعارك البطولية التي خاضها دفاعًا عن مستقبل يوأد كل يوم جهارًا نهارًا.
لكن حقائق الأمور تقول إن الحقيقة والحق لا يغيبان كالشمس مهما عملوا على حجبهما.
فعلًا يموتون غرباء.
*نقلا عن موقع صحيفة "النداء"