د. صادق القاضي

د. صادق القاضي

تابعنى على

الحوثي وأسلحة الدمار الشامل.!

Monday 14 August 2023 الساعة 09:27 am

لطالما كانت، وما تزال. تصريحات "الحوثي" بامتلاك "أسلحة استراتيجية" سرية من شأنها أن تغير معادلة القوى الدولية، وتقلب الوضع العسكري.. مثارا للسخرية والتندر، في الداخل والخارج.. كون الجميع يعرف البير "الحوثي" وغطاه، وسذاجة وسماجة عنترياته.

لكن. ما لا تنتبه له الغالبية. أن الحرب لها أكثر من ميدان، وأن "الأسلحة الاستراتيجية" ليست عسكرية بالضرورة، وعلى هذا الصعيد. يمتلك "الحوثي" بالفعل أسلحة دمار شامل. قريبة ومتوسطة وبعيدة المدى، أكثر خطورة. وأكثر ضحايا، وأعمق تأثيرا على المستقبل.

كتاب مدرسي مثل "التربية الوطنية" الجديد. أخطر على اليمن من عدة قنابل ذرية بحجم قنبلة "هيروشيما". تلك القنبلة قتلت فقط "140.000" شخص في محيط انفجارها، بينما هذا الكتاب، يحول ملايين الطلاب على امتداد اليمن. إلى قنابل موقوتة.!

"التعليم" باعتباره الأداة الأكثر فاعلية للتأثير والتغيير، والخيار الاستراتيجي الأكثر ضمانة للسيطرة على المستقبل. ميدان حرب أكثر أهمية وخطورة.. من يراهن على الأسلحة قد يكسب "المعركة". لكن من يراهن على التعليم يكسب "الحرب".

الجماعات الدينية. رغم اعتمادها على العنف والسلاح، أكثر انتباها لكون "المدارس" أهم من "المتارس" على المستوى الاستراتيجي المستقبلي، وبالذات هذه الجماعة التي ظهرت عام 1992، من خلال المراكز التعليمية الدينية أهمها "مدارس الشباب المؤمن".

صحيح أن هذه الجماعة وصلت إلى السلطة عام 2015م. اعتمادا على السلاح. لكن المدارس الدينية هي التي جلبت لها "المجاهدين"، وصحيح أنها بالسلاح صمدت حتى اليوم أمام "المقاومة". لكن أيضا المجاهدين والعقيدة الجهادية.. صناعة ثقافية تعليمية.

لكن. في الأخير. الميليشيات مهما بلغت كثرتها وسطوتها.. قد تسيطر على الجبهات والفضاء العام، لكن من المستحيل، بالحديد والنار. أن تسيطر على روح الشعب وضميره. وهي نقطة يدركها "الحوثي" منذ البدء: الأغلبية الساحقة من الشعب اليمني ليست معه، بل ضده.

كما يدرك جيدا أن الترسانة العسكرية التي يتحصن خلفها. قد تنهار في أي لحظة، وبالتالي لا ضمانة لوجوده وبقائه في المستقبل غير صناعة مختلف.. يسبح بحمده ويقدس له، وهي مراهنة وجودية لا يمكن ربحها إلى من خلال التعليم. 

وهكذا بمجرد انقلاب الحوثي على السلطة، قام بقلب قيم وأهداف وأولويات التعليم في اليمن، رأسا على عقب، في إطار أدلجة عميقة شاملة للسياسة التعليمية العامة، ومن ثمّ أدلجة المضامين والأنشطة التعليمية بما ينتج أجيالا منقادة مستلبة.

وبشكل تفصيلي. تمت هذه "الأدلجة" بخطط مدروسة، ومرت بخطوات تدريجية، وإجراءات ومظاهر منها:

- السيطرة على المناصب والوظائف الأكثر أهمية في مختلف المؤسسات العلمية والتعليمية والمهنية والدينية، واستبدال معايير الكفاءة بمعايير الولاء في استحقاق هذه المناصب والوظائف الحساسة.

- أدلجة مناهج التربية الإسلامية. من خلال انتقاء النصوص وتوجيه فهمها، لصالح رؤية فئوية طائفية مغلقة متزمتة، دون مراعات كون الشعب اليمني كان دائما متعدد القوميات والأديان والطوائف والثقافات الاجتماعية والعقائدية.!

- أسلمة المقررات والمناهج اللغوية والأدبية، من خلال الانتقاء والتأويل أيضاً، وأسلمة وأدلجة الأنشطة والفنون والآداب.

- إفراغ المقررات الدراسية من كل ما يتعلق بتنمية ملكة التفكير والمقارنة والحس النقدي والبعد الوطني والقومي والإنساني.

- تهميش وتغييب المقررات التعليمية المتعلقة بتنمية وعي الشخص بنفسه وبالآخرين وبوطنه والعالم. (علم نفس. علم اجتماع. أديان مقارن. تاريخ أديان). وإغلاق الكليات الجامعية التي تدرسها.

- إلغاء المواد والمقررات والأنشطة المدرسية المعنية بتنمية الثقافة والموهبة الفنية والحس الجمالي والمواهب الإبداعية. 

- جعل مادة التربية الوطنية مادة خالصة لاستعراض الوطنية الزائفة للجماعة، و"بطولة" ميليشياتها.

- عسكرة المدارس وأدلجة الأنشطة المدرسية المتعلقة بتنمية القدرات الجسدية والعقلية والاجتماعية (رياضة. كشافة. صحة. بيئة. رحلات).

- إقامة مراكز صيفية ودورات ثقافية موازية تحشو عقول الطلاب وحتى الكبار. بمضامين معرفية مؤدلجة تخدم الجماعة.

- التشديد على فرض الحجاب على الطالبات. والفصل بين الجنسين، وصولا إلى فرض هذا الفصل في الجامعات. بداية بجامعة صنعاء. 

كل هذا وغيره.. بجانب مثابرة "الحوثي" ودأبه على استقطاب الطلاب من المدارس إلى الجبهات، ووضع عراقيل أمام التحاق الطلاب بالتعليم العام والجامعي، وهو ما جعل التعليم في اليمن. خلال السنوات الأخيرة. يمر بأدنى نسبة إقبال، وأعلى نسبة تسرب، منذ ثورة سبتمبر المجيدة 1962م.

وبشكل أكثر مباشرة ونكاية.. امتنع "الحوثي" عن دفع مرتبات المدرسين والتربويين في مناطق سيطرته منذ سنوات طويلة.. ما انعكس بشكل كارثي على الواقع التعليمي. الذي بات هدفه خلق شعب إما متدين متشيع متعصب للكهنوت، أو على الأقل شعب جاهل. لطالما كان الشعب الجاهل مطية للكهنة والأنظمة والمشاريع الكهنوتية.