ترسم خارطة طريق هذه المسافة والمساحة الفاصلة بين مدينتين.
(البيرين -الكدحة -المخا).
من هنا وعبر أقل من ساعتين من الزمن بالإمكان الوصول للساحل الغربي وعاصمته مدينة المخا التجارية والتاريخية والسياحية.
سنوات والقرى المتاخمة للبحر تنتظر هذا الخط الحيوي الذي سيغير طريقة وطبيعة الحياة في جغرافيا عاشت تعتمد على "الوزف" القادم من المخا لأكثر من قرن ويزيد. في حين البحر على مرمى البصر، لكنها قساوة الطبيعة ووعورة التضاريس، حالت دون الوصول كما لو سافرت من هنا القوافل التجارية حين شقت السهول وتسامقت تعانق الجبال عبر الزمن.
فاحت هنا روائح التوابل والقرنفل واللبان والبن والبخور، من الجبال إلى السواحل على خط الشوق يتسابق الناس للوصول إلى البحر بما يمثله ذلك الأزرق الساحر المثير، عالم مترامٍ وطبيعة تسلب العقول.
إنها المخا مدينة اكتنزت التاريخ بما اعتمل على ساحلها البهجة، مدينة تفرد عند الفنار شرفاتها العتيقة ومشربياتها الفخمة.
على خط الشوق تتراقص النخيل وتعبق الأزاهير، تتنوع البيئة، تحضر الأشجار الكثيفة والتي يعتمد على احتطابها سكان تلك القرى والبراري الممتدة، تتنوع المحاصيل.
ومن خلال هذا الخط الذي يهد جدار العزل تشرق المخا ومعها تشرق المديريات المتاخمة لجغرافيتها الشاسعة، سبع مديريات ساحلية وسبع مديريات جبلية محيط مدينة المخا الأقرب والواقع على التماس.
تعز - المخا
خط لا يتوقف ليل نهار برغم استمرار الأعمال الإنشائية إلا أن الخط لا يتوقف من حركة المسافرين والعابرين بمختلف أنواع المركبات.. ازدحام كثيف كما لو مدينة تولد من جديد تفتح ذراعيها للناس الباحثين عن فرص للعيش والنجاة من بطش المليشيا الحوثية التي أزهقت أرواح الناس وأسرفت في القتل والنهب.
الحُجرية الخزان البشري والرافد الاجتماعي لمعظم المدن اليمنية منذ القدم، في المخا شكلوا جملة تجارية متقدمة ولا زالوا هنا رغم الخراب الذي تعرضت له المدينة في العهد الماضي.
إذ طمرتها الحوادث والنوائب تعاقبت على أرصفتها لتعوم خلف الشفق كما لو توارت لتعود تشرق من جديد وقد تزاحمت مبانيها ومعانيها والمغاني دواخلها لها حضور، كما لو تشعشع بهجة وألفة ومحبة، تمنح العابرين تذكارا لا يغيب.
بعد عمر امتد تكسر هذه الطريق الحصار عن قرانا الواقعة على سفوح البحر.
بين زمنين تعود المخا محطة للعبور الآمن نحوها مدن البحر التي وصلها اليمني منذ الأزل، يوم ركب البحر هرباً من بطش "عكفة الأئمة".
"وعشت في أرضي أزرع البن والمحصول للطاغية
وأبحرت في مركب إجريك أعور حازق الكبتنة
وعشت في البحر عامل خمستعشر سنة وسود الفحم جلدي مثلما المدخنة".
هاجر اليمني لينجو بنفسه من دولة الجباية التي استبدت بالأرض والإنسان، عاش ذلك الكادح على الساحل الشرقي لإفريقيا، لم يغب يوماً عن بلاده ولم يهن، قاتلوا في بر الدناكل وفي عصب وإلا وأقاصي القارة.
وصل اليمني باحثاً عن ملاذ وحياة ليعود ويشرق على سواحل بلاده، صدروا كل شقى أعمارهم لذويهم حين بللوا التراب بعرق الكدح، صدروا إلى بلادهم كل ما استطاعوا ادخاره.
هبت رياح التغيير مطلع أربعينيات القرن الفارط، كانت اليمن الواقعة تحت حكم الأئمة شمال الوطن تذهب إلى واقع مختلف، مصرع الإمام يحيى بن حميد الدين بعزيمة الثائر الشيخ علي ناصر القردعي لينهي بتلك الرصاصة حقبة امتدت لقرون عانت البلاد خلالها من عزلة وحصار وجهل وأمراض ومجتمع كاد أن يعيش ويَنفق في غياهب سرداب الكهنوت.
"هبت من الشرق نسمة فيها شذى البن والكاذية"
كانت الطلقة المدوية التي زلزلت عرش الكهنوت، لم يستطع بعدها الإمام الذي تولى الإمارة مواصلة العهد البغيض بقدر ما سفك دماء أبناء البلد ليكتب 26 سبتمبر بحرف المصير مسارا مختلفا طوى ألف عام من الكهنوت إلى غير رجعة.
تعود المليشيا الحوثية بعد كل هذا في محاولة يائسة وبائسة لتتحكم برقاب الناس أيضاً شمال البلاد وقد ذهب الجنوب ليتخلص من براثن المليشيا بعد أشهر فقط على اجتياح عدن التي أعلنت كعاصمة للبلاد.
على خط الشوق إلى المخا دونت هذه الخاطرة علنا نتصل بالبحر ومن وسط الموج تشرق لتعود على خارطة البلد تعزز موقعها على الوجود.