محمد عبدالرحمن

محمد عبدالرحمن

إحاطة عن بُعد.. الآن أعرف المخا القديمة -الجديدة

Wednesday 08 February 2023 الساعة 03:07 pm

على ذُرى الحرب وصداها، أحاول أن أتلمس وجوه مدننا الشاحبة، وأتخبر عن حواري وأزقة كان التاريخ يعبر منها إلى دواخل الإنسان اليمني، تموت "معنوياً" كل مدينة لا تجد من يتفقد حجارتها ويسقي نبتها، ويطلي وجهها كلما كساه الغبار، مقابل تلك المدن التي داستها الحروب وأنهت حياتها، تنبثق مدينة معدومة مشطوبة من قاموس مدن اليمن العتيق، طمرتها الرمال وجرحتها رياح الزمان، وأنكسها حرمان دويلات الشمال من الأئمة إلى الجمهورية، إنها المخا الجديدة روح تبحث عن حياة جديدة ومكانة بين مدن الساحل الغربي التي تعج بالحياة واستقبال المسافر براً وبحراً وجواً.

وأنا أطوف بين زحمة الأخبار وتناثر التفاهات على وسائل التواصل الاجتماعي، وانسكاب دم الضحايا على موائد تجار الحروب، أصارع زفرات مدينة في الشمال أهلكها النسيان وزحمة المقابر، بين فوضى الانهيار وأصوات الجوع، بين الركض عن اللقمة والحفاظ على الكرامة، أقرأ عن مدينة جديدة يُمسح عنها الغبار، وتُشيّد فيها نقاط خدمات لأول مرة تعرفها، عن المخا تتسارع أخبار في مواقع الأخبار، خبر عن افتتاح مدرسة، وخبر عن حفر بئر ماء، وخبر عن مدينة للسُكنى، وخبر عن هندسة للميناء، وآخر تشييد المرحلة الثالثة من المطار، وصور لأعمال تشجير لتطويق المدينة بالأشجار.

أكاد لا أصدق أن مدينة تخرج من الموت إلى الحياة، مدينة تحتضن مقاومين لهم بنادق تقاتل أطغى الجماعات الدينية الإرهابية "الحوثية"، مقاومين أياديهم تبني المدينة التي احتضنتهم بعد أن أُجبروا على الرحيل من ديارهم في مدن الشمال، أكاد أغرق في التأمل وأنا أشاهد أعمالا دؤوبة لشق الطريق إلى تعز وفك الحصار عنها، وربطها بالبحر، بعد سنوات من إطباق الحصار عليها من كل الجهات، تأتي المخا بكل إمكانياتها لفتح الطريق وربط الجبل بالساحل.. نعم الآن إنها المخا.

ما قبل الحرب لم أكن أعرف عن المخا إلا ما قراته في بعض الكتب المدرسية، قراءة لا أعرف معناها، وإنما لدواعي الدراسة والنجاح، والآن ومن شغفي بقراءة تاريخ هذه المدينة ومعرفة تقاسيم وجهها عبر الزمن، انكببت بكل جهدي في ثنايا بعض الكتب التي تؤرخ لهذه المدينة، ومع كل مشروع تنموي وخدمي يظهر في المدينة أجد نفسي متلهفاً لزيارتها بصحبة بعض الكتب على أمل أن تكتمل رحلتي بجرعة من مكاتبها الثرية التي يمكن لها أن تسد جوعي المعرفي عنها.

الآن أصبحت أعرف المخا، تاريخا ومنارة، ميناء ومطارا.

رجال سُمر جباههم، لهم شهداء ودماء على تربتها.

بنادق تقاوم وأيادٍ تبني الحياة.