د. صادق القاضي
المجلس الرئاسي.. حمائم سلام أم صقور حرب؟!
يحظى خيار الحوار والحل السلمي للمشكلة اليمنية، بأولوية صارمة في خطابات هيئات وقوى المجتمع الدولي، ودول مجلس التعاون الخليجي، وحكومة الشرعية اليمنية، وحتى بعض خطابات الجماعة الحوثية.
وكان كذلك منذ البدء، وإن كان الخيار العسكري، هو سيد الموقف العملي، طوال السنوات السبع الماضية، وما يزال كذلك رغم فشله وتبعاته الكارثية، وأهواله المهولة على مختلف جوانب الحياة في اليمن.
ورغم يأس الشعب اليمني، في ظل هذا الواقع، من كل الخطابات ذات العلاقة بالحوار والسلام، فقد بدأ مؤخرا يتعامل بجدية مع الأمل بالتغيير، مواكبة للتغيير في قيادة الشرعية، وإجراءات نقل السلطة إلى "مجلس القيادة الرئاسي".
هذا المجلس أنهى أولاً سنوات من التربص والتناحر بين شركاء القضية اليمنية نفسها، وبالتالي يمكن أن يحقق ثانيا السلام مع الجماعة الحوثية.
غير أن المهمة ليست سهلة كما قد تبدو، فالسلام لا يكون أبدا من طرف واحد، ولا بد له من شريكين حتى يتجسد في الواقع. ومن بين أسئلة مصيرية كثيرة ذات صلة، فإن السؤال التمهيدي في هذا المقام:
هل الجماعة الحوثية التي هي الطرف الآخر في الحرب، مؤهلة أو مستعدة لتكون الطرف الآخر في هذا السلام المنشود؟!
تتمثل المقدسات والثوابت الوطنية الشعبية والرسمية اليمنية، في: المواطنة والمساواة، والعدالة. وبالتأكيد في ظل نظام جمهوري، وديمقراطية، ودولة مؤسسية تحتكر السلاح واستخدام القوة.
هل الحوثي مستعد للتفاوض حول هذه القيم؟!
وبشكل عملي: هل الحوثي مستعد للانسحاب من مناطق سيطرته، وتسليم أسلحته لدولة مؤسسية مجردة؟!
أشك في هذا، نظرا لبنية الجماعة الحوثية وعقيدتها، وفي المقابل، من المؤكد أن مجلس الرئاسة غير مستعد مطلقا للتنازل عن الثوابت والمقدسات الوطنية، والاستسلام للحوثي، من أجل تحقيق السلام.
السلام. قبل وبعد كل شيء، هو حلم الشعب اليمني، الذي دفع كلفة باهظة من الدماء والأرواح والممتلكات والأمن والاستقرار والاقتصاد.. وذاق الأمرين طوال هذه السنوات العجاف، وما زال يتجرع غصص ومآسي الحرب حتى اليوم.
لكن. حتى اليوم على الأقل. لا توجد أرضية مشتركة للحوار إلا على أشياء جانبية مثل تبادل الأسرى وفتح المعابر.. كما لا توجد طريق معبدة للسلام الشامل الدائم، وحتى تتوفر هذه الأرضية والطريق، سيظل الخيار العسكري يفرض نفسه على الجميع في الفترة القادمة.
من ناحيتها تكمن قوة الجماعة الحوثية، في سلاحها وميليشياتها فقط، وهي مستعدة عادة لهذا الخيار الذي حكّمته منذ البداية، وستظل على الأرجح تحكّمه حتى النهاية.
ومن ناحيته، عبَّر "المجلس الرئاسي" عن استعداده أيضا لهذا الخيار، وبالفعل بتشكله تغيرت الشرعية نوعيا من حيث القوة، توحدت فصائل المقاومة في ظله، وفي حال فشلت دعوات الحوار، يمكن توقع تصعيد نوعي للخيار العسكري من أجل تغيير موازين القوى على الأرض، وهذا بدوره قد يؤدي إلى السلام.