د. صادق القاضي
"سياسي" "طارق".. الرقم الجديد في المعادلة القديمة!
كما في المنطق الرياضي.. دخول رقم جديد في معادلة سياسية أو عسكرية أو اجتماعية أو عقائدية.. قديمة، يؤثر بالضرورة على طبيعة هذه المعادلة، ويفرض مغايراته سلباً أو إيجاباً، على مختلف أطرافها وجوانبها وتوازناتها التقليدية، وكلما كان الرقم الجديد أكبر كان التأثير أكبر وأعمق وأشد.
هكذا اقتحمت "الجماعة الحوثية" المشهد السياسي اليمني عام 2014، كرقم عنيف جديد في معادلة هشة مختلة أصلاً منذ عام 2011، وكما يتلاءم مع شخصية جماعة دينية مسلحة، فقد قذفت هذه الجماعة بكل الأرقام القديمة من السلطة إلى المعارضة، ومن النظام إلى المقاومة، ومن السلام إلى الحرب، ومن الوطن إلى المنافي.
بل إنها حاولت وتحاول أن تكون هي وحدها كل أطراف المعادلة: المتن والهامش، السلطة والمعارضة، الدولة والرعية، وإخراج الأرقام القديمة تماماً من اللعبة، والمؤسف أن هذه الأرقام القديمة أثبتت طوال السنوات الماضية، أنها رغم إمكاناتها السياسية والعسكرية المهولة، عجزت بشكل فاضح ومرعب عن تغيير أي شيء مهم في هذه المعادلة المرفوضة المفروضة على الجميع.!
في ظل هذا العجز والفشل واليأس الشامل. تشكلت أولاً. "القوات المشتركة"، كرقم نوعي جديد صعب، أثبت عملياً أنه مؤهل لإصلاح الاختلال الحاصل في الحالة السياسية اليمنية القائمة، وبالتأكيد إذا تم حل مشكلته الكمية، أو تعميم تجربته على بقية الفصائل المسلحة المناهضة للجماعة الحوثية.
وبشكل خاص. إذا تمت تغطيته رسمياً وشعبياً، أو على الأقل، التوقف عن مكايدته ومحاربته على هذه الجوانب، فمنذ البدء كان تشكيل هذه القوات المحترفة والملتزمة، ودخولها معترك الحرب ضد الجماعة الحوثية، والتمدد المتسارع لها في الساحل الغربي من باب المندب إلى مدينة الحديدة.. مقلقاً لكثيرٍ من الأطراف ذات العلاقة، ومربكاً لكثيرٍ من الحسابات المحلية والإقليمية والدولية.
على الصعيد المحلي، ومع أن ذلك التمدد العسكري تم على حساب "الجماعة الحوثية"، ويُفترض أنه لصالح "الشرعية".. إلا أن جزءاً كبيراً من المخاوف والرفض، وللمفارقة، تبدّت من قبل أطراف محسوبة على "الشرعية:
هذه الأرقام العاجزة والفاشلة عن التغيير، مستميتة بجشع على احتكار تمثيل المقاومة والشرعية، ورافضة بشكل عدائي لأي رقم جديد واعد قادر مبدئياً على تغيير هذه المعادلة الخاسرة. لصالح الجميع في اليمن.!
بعض هذه المكونات كانت أيضاً هي الأكثر استياءً من تأسيس "المجلس السياسي للمقاومة الوطنية"، هذا المجلس، هو الآخر، وبدرجة أولى، رقم سياسي جديد مختلف، بداية من أسسه النظرية والعقائدية التي تخلو من أي مرجعية إيديولوجية أو نزعة شمولية، لصالح العقيدة الوطنية الخالصة.
وبشكل عملي، فقد جسد هذا المجلس قيمه وتوجهاته الوطنية، في بنيته التنظيمية، وممارساته الميدانية المتجاوزة للنزعات والنزاعات الجهوية والمناطقية والطائفية، والهويات الفئوية من أي نوع.
لكن. وكما في موقف هذه القوى من "القوات المشتركة"، حتى بعد أن قامت هذه القوات باستعادة المناطق الواسعة التي خسرتها أو سلمتها هذه القوى الرخوة لصالح الجماعة الحوثية، فقد ظل "المجلس السياسي" محل رفض ومكايدات وحملات تشويه وتحريض.. من قبل معظم هذه المكونات المحسوبة على الشرعية، رغم تأكيد العميد "طارق صالح" في بيان التأسيس على:
- التمسك بـ"الشرعية اليمنية".
- التمسك بـ"الدستور اليمني".
وفي مقابل معظم الأطراف المحرضة، يبدو "طارق صالح" -حتى اليوم على الأقل- ملتزماً بشدة، لفظياً وعملياً، بحدود قضيته ومعركته المتمثلة بالحرب ضد الانقلاب الحوثي، وتجنب المهاترات والمعارك الجانبية، وفي موقفه من الأطراف التابعة للشرعية، أكد الرجل مراراً، على:
- الانفتاح على مختلف القوى والأحزاب السياسية في الساحة اليمنية.
- والدعوة لـ"مصالحة وطنية شاملة لكل القوى والمكونات الوطنية المناهضة للمشروع الإيراني في اليمن".
وبطبيعة الحال فإن هذه القوى مختلفة الدوافع والأهداف، وأحجام مشاركاتها في صناعة معضلات العملية السياسية اليمنية الغارقة برمتها في الخصومات والأحقاد التاريخية، والمشاريع الآنية الخاصة والفئوية:
بعضهم. وبنزعة ثورية عجيبة تعمل بأثر رجعي.. ما زال يتخوّف من عودة الرئيس المرحوم "صالح" إلى السلطة من خلال "طارق صالح" والمجلس السياسي، والقوات المشتركة، أو من خلال أي شخص أو كيان أو حدث له علاقة به وبأسرته.!
حكومة الشرعية من جهتها، وفي ظل الفشل الذريع في إدارة السياسة والحرب، ووصولها إلى جدار مسدود بهذا الشأن. منذ سنوات.. تتخوف من طرف جديد ناجح.. يخطف منها الراية والقضية والمصالح ذات الصلة.!
هذا كومٌ، و"جماعة الإخوان المسلمين" في اليمن ثلاثة أكوام، من نافلة القول إن هذه الجماعة التي هي المعادل الطائفي السني للجماعة الحوثية الشيعية، والوجه الآخر لعملة الإسلام السياسي الذي عصف بكل التطلعات اليمنية، تمتلك بالإضافة إلى خبراتها وقدراتها العالية في المخاتلات والمناورات الانتهازية. ماكينة إعلامية هائلة بـ"بروبجندا" موجهة لخدمة إيديولوجية طائفية، ومشروع شمولي، يتعارضان جوهريا مع القضية اليمنية ووحدة الصف الوطني.
حسب مفردات تلك "البروبجندا"، فإن القوات المشتركة أجانب غزاة، و"الساحل الغربي" "محتل"، حتى إن بعضهم رفض سكن أسر مقاومين من صنعاء وعمران في مناطق التربة والحجرية، خوفا –حسب قوله- على "الطبيعة الديمغرافية" لتعز، وكأن المناطق الشمالية ليست من اليمن.!
الإعلان عن تشكيل "المجلس السياسي" أضاف سبباً جديداً لتوتر مواقف هذه الأطراف من "طارق". خاصةً وقد أعلن الرجل عن:
-- رغبة جادة للتقارب مع حكومة الشرعية.
- وأن من حق الكيان الجديد الذي يتزعمه "أن يكون جزءاً سياسياً في هذا الوطن، ضمن الشرعية، وجزءًا فاعلاً في مواجهة العدوان الحوثي".
بمعنى أنه يريد ويحاول أن يصبح جزءاً من كيان "حكومة الشرعية"، وهذا -وفق تفكيرٍ بعض الأطراف- يهدد مصالحها وحصصها الراهنة: دخول عضو جديد قوي في الشرعية يعني أن يكون له نصيب من "الكعكة" على حساب الأنصبة المحددة مسبقاً لهذه الأطراف.
هذا الهاجس الانتهازي هو الأكثر حضوراً في ذهنية الأطراف المستاءة، ورغم تأكيد الرجل على: أن هذا الكيان "ليس بديلا عن أحد، وليس ضد حكومة الشرعية". إلا أن هذا التأكيد وحده لا يكفي لطمأنة هذه المكونات التي ترى أن احتواء "المجلس السياسي" ضمن كيان الشرعية -على غرار ما حدث لـ"المجلس الانتقالي"- يهدد مصالحها، وسيتم على حساب حصصها التمثيلية والمصلحية الراهنة.
ورغم أن الموقف من طارق والقوات المشتركة والمجلس السياسي، تغير من حيث النوع، لدى الكثيرين، وتحسن من حيث الكم لدى غيرهم، ويتحسن كل يوم على الصعيد الشعبي والجماهيري ولدى الرأي العام، إلا أن بعضهم ما زال في ضلاله القديم: هذه الكائنات والكيانات والمكونات الشرعجية النافذة، تفضّل أن يظل هذا الرجل، وكيانه السياسي والعسكري خصماً لها خارج الشرعية على أن يصبح شريكاً لها ضمنها.!