منذ اتفاق الرياض راهن الكثيرون (بينهم كاتب هذه السطور) على إمكانية نشوء علاقة أكثر جدية ومسؤولية بين المجلس الانتقالي الجنوبي وبين السلطة (الشرعية).
علاقة تقوم على الشراكة في تحمل المسؤولية وفي مواجهة التحديات التي تهيمن على حياة المواطنين في محافظات الجنوب (المحررة) كما في مواجهة الذراع الإيراني الذي طرد الشرعية من صنعاء وسيطر على أكثر من 90% من مساحة الجمهورية العربية اليمنية (السابقة) ولم يغادر الجنوب إلا مرغماً تحت ضربات المقاومة الجنوبية المدعومة من دول التحالف العربي.
كنا جميعا نقول: إن اتفاق الرياض لو أوقف الحرب على الجنوب ووفر الخدمات ومرتبات الناس فهذا يكفي، أما أن يستهدف إزالة العدوان الانقلابي واستعادة الدولة المخطوفة وبناء منظومة الأمن والاستقرار والذهاب باتجاه الحل التوافقي الودي والسلمي للقضية الجنوبية بالحوار الثنائي بين الشعبين في الشمال والجنوب، فهذا سيكون أكبر إنجاز للحق والعدل وإعادة صلة القربى بين الشعبين الشقيقين.
فماذا فعلت الشرعية من أجل تنفيذ اتفاق الرياض؟؟
كلما حاولنا أن نبحث عن برهان واحد يدلنا على أن الشرعية معنية بالشأن الجنوبي وبالمواطنين الجنوبيين تعيينا الحيلة، بل إننا نعجز في العثور على دليل واحد على أن من نتعامل معهم في إطار الشرعية يمثلون رجال دولة ولو بجزء من الحق والحقيقة.
فكلما يربطهم بالجنوب هو الاستئثار بالموارد الجنوبية وإيداعها في البنك الأهلي بالرياض لتحويلها إلى دولار وصرفها على جيش الموظفين والدبلوماسيين "الشرعيين" الذي يبلغ تعداده مئات الآلاف ممن لا يعملون شيئا.
فلا عنوان لديهم ولا وظائف يؤدونها ولا مكاتب يشتغلون فيها وأفضلهم من يكتب تغريدة على تويتر أو يجري مقابلة تلفزيونية أو صحفية كل عدة أشهر، ومقابل هذا (اللا شيء) يتقاضون عشرات الآلاف وأقلهم يتقاضى الآلاف من الدولارات.
لنعد إلى اتفاق الرياض، الذي حُددت فترة تنفيذه بتسعين يوما تبدأ من يوم توقيع الاتفاق في 5 نوفمبر 2019م أي قبل 25 شهرا (أي 112 أسبوعا أي 784 يوما بدلا من 90) وما تزال "الحسابة بتحسب" ليصبح كل يوم منها عدة أسابيع وربما أشهرا وسنوات، لنسأل:
ماذا نفذت الشرعية من بنود هذا الاتفاق؟
هل وفرت خدمات الماء والكهرباء والتطبيب والتعليم؟
هل دفعت مرتبات الموظفين والمتقاعدين العسكريين والمدنيين؟
هل وفرت الوقود الضروري لتسيير عمليات الحياة اليومية الضرورية للناس؟
هل تم تغيير المحافظين ومديري الأمن في المحافظات؟
هل تم تفعيل المنظومة الإدارية للدولة في العاصمة عدن؟
هل تم تشكيل الجهاز المركزي للرقابة والمحاسبة والمجلس الاقتصادي الأعلى والهيئة الوطنية لمكافحة الفساد؟
لم تفعل الشرعية شيئا من كل هذا، فلا هي وفرت الخدمات الطبية والتعليمية ولا وفرت الوقود الذي بدونه تتوقف عجلة الحياة، ولا هي وضعت حلا لأزمة الكهرباء التي تلهب حياة الناس بانقطاعاتها واختفائها طوال فصول السنة، ولا دفعت للموظفين والمتقاعدين العسكريين والمدنيين المستحقات القانونية من مرتبات وحقوق تقاعدية.
وفوق هذا نهبت الموارد واستمر أساطينها في تقاسم نفط الجنوب وثرواته مع أخوتهم في الرضاعة المسيطرين على صنعاء.
وإضافةً إلى كل هذا سلمت للشقيق الحوثي محافظتي الجوف والبيضاء كاملتين و80% من محافظة مأرب، ومعها كل المعسكرات والمواقع والمخازن والمستودعات بما فيها من أسلحة وعتاد وتموين وذخيرة تكفي الحوثيين لمواصلة الحرب لسنوات قادمة، ومنحت الحوثي مكافأة تشجيعية ثلاث مديريات من محافظة شبوة استبقاءً للود وحفاظاً على الروابط الأخوية والمصالح المشتركة.
وينبري أحد المتحاذقين ليقول لك: الانتقالي الانقلابي المدعوم إماراتيا يتمرد على اتفاق الرياض ولم ينفذ الملحق العسكري..!
حسنا.. وهل نفذتم أنتم الملحق العسكري عندما سلمتم الحوثي المحافظات الثلاث والمديريات الثلاث؟
وهل نفذتم هذا الملحق عندما رفضتم تحريك الألوية الرابضة في وادي وصحراء حضرموت والمهرة لفك الحصار عن مأرب واستعادة صنعاء من الهيمنة الحوثية؟
بل وهل بقاء القوات القادمة من صرواح وعمران والحدا إلى ساحل أبين هو تنفيذ للملحق العسكري؟؟
لقد نفذ الانتقالي الملحق العسكري حينما حشد كل طاقاته وقواه للدفاع عن الضالع وأفسد خطة تسليم جبال العود للحوثي بهدف إسقاط الضالع ومواصلة الطريق إلى عدن.
كما أفشل الزحف على عدن عن طريق الوازعية والقبيطة والمقاطرة.
وحينما حان وقت المواجهة الحقيقية تحركت القوات الجنوبية وحررت بيحان الجنوبية بمديرياتها الثلاث ومعها حريب الشمالية، بينما كانت فيالق الشرعية تتأهب لتسليم الحوثي مناطق جديدة في غير شبوة.
فماذا فعلت قوات "الشرعية" غير الاستسلام للحوثي والتفريط بأهم نقطة تَفَوُّق كانت بيدها كفيلةً بإسقاط صنعاء لو هي أرادت؛ أعني فرضة نهم ومحيطها الاستراتيجي؟
قال لي أحدهم متسائلا التساؤل الاستنكاري كما يسميه البلاغيون:
ولماذا لم تنخرط قوات العمالقة تحت وزارة الدفاع وتكون جزءًا من "الجيش الوطني"؟
أضحكني السؤال فقلت لصاحبي:
لو أن العمالقة كانت تخضع للمقدشي وعلي محسن لما حررت شبراً من شبوة ولا من حريب، بل لكان الحوثي قد عاد إلى عدن وبلا مقاومة، وربما كان كل أفراد وقادة العمالقة أسرى وقتلى كما جرى للواء الحرس الرئاسي في إحدى مصليات مأرب يوم أن ذهب أفراده لاستلام مرتباتهم فاستلموهم أهلهم جثثا هامدةً داخل الأكفان.
وأخيراً:
هناك استخلاصان يمكن أن يتوصل إليهما كل مبتدئ في قراءة الأحداث والتصرفات والمواقف السياسية:
• إن المهيمنين على القرار السياسي "الــشرعي" ليسوا جادين ولم يكونوا قط جادين لا في مواجهة الانقلاب والانقلابيين ولا في مزاعم العمل من أجل استعادة صنعاء وإعادة الرئيس الشرعي إليها.
وفي هذا الإطار ليسوا جادين ولا معنيين باتفاق الرياض الذي قال أحدهم إنهم وقعوا عليه مجبرين مجاملةً للسعودية.
• إن المهيمنين على القرار السياسي والاقتصادي (الشرعي) لا يتعاملون مع الجنوب والجنوبيين إلا كأعداء يجب حصارهم وتجويعهم وقتلهم إن أمكن، وفتوى الديلمي ما تزال مخبوأةً في الأدراج وأصحابها مصممون على استبقائها لتفعيلها وقت الحاجة.
وتبعا لذلك يغدو الحديث عن تنفيذ اتفاق الرياض من قبل خاطفي الشرعية، حديثا ممجوجا لا معنى له ولا طائل من ورائه بعد أن برهن هؤلاء أنهم مستعدون لتسليم كل الشمال للحوثيين ولا يقبلون بتنفيذ بنداً واحداً مما تبقى من بنود هذا الاتفاق، وهو ما يدفع الكثير من الجنوبيين وبعض أصدقائهم إلى التساؤل: بعد كل هذه الحرب على الجنوب والخذلان المخطط من قبل الطرف (الشرعي) على ماذا يراهن الجنوبيون؟ ولماذا يتمسكون باتفاق لم يجنوا منه إلا التنازلات والخسائر والحصار والتجويع؟، في حين يسترخي أساطين الطرف الآخر في أفضل ظروف الاستجمام والراحة بلا منغصٍ ولا وخزةٍ من ضمير ولا شعورٍ بأية مسؤولية؟؟؟
"وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيَظْلِمَهُمْ وَلَكِنْ كَانُوا أَنْفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ".
*من صفحة الكاتب على الفيسبوك