في حال رضوخ الإدارة الأميركية للشروط الإيرانية المرتبطة بالعودة إلى الاتفاق النووي، سيعني ذلك بكلّ بساطة استسلاماً لإدارة جو بايدن أمام «الجمهوريّة الإسلاميّة» لا أكثر.
مثل هذا الرضوخ وارد بعد سلسلة التنازلات التي قدّمتها واشنطن أخيراً وبعدما تبيّن أن الرئيس الأميركي الحالي يسير على خطى باراك أوباما الذي كان يختزل كلّ أزمات الشرق الأوسط والخليج بالملفّ النووي الإيراني.
أكثر من ذلك، لم يكن أوباما يرى إرهاباً سوى الإرهاب السنّي، فيما كانت الممارسات الإيرانية وسلوك الميليشيات التابعة لـ«الحرس الثوري» مجرّد تصرّف حضاري على دول المنطقة الاقتداء به... أكان ذلك في العراق أو سورية أو لبنان أو اليمن!
تكمن المشكلة مع الإدارة الأميركية في أنّها ترفض الاعتراف بأنّ الملفّ النووي ليس سوى وسيلة لابتزازها من جهة والتغطية على سلوك إيران خارج حدودها وعلى صواريخها وطائراتها المسيّرة من جهة أخرى.
هذه مشكلة كلّ حليف لأميركا في المنطقة، خصوصاً بعد كلّ هذا الضعف الذي أظهرته إدارة بايدن منذ انسحابها، بالطريق التي انسحبت بها من أفغانستان الصيف الماضي.
مثل هذا الانسحاب جعل «الجمهوريّة الإسلاميّة» أكثر عدوانيّة تجاه دول المنطقة.
على سبيل المثال وليس الحصر، تابع الحوثيون، وهم ليسوا سوى أداة إيرانيّة في اليمن، اعتداءاتهم على المملكة العربيّة السعوديّة.
ذهب الحوثيون، الذين لا يفرّقون بين أهداف مدنيّة وعسكريّة، إلى أبعد من ذلك بمجرّد تعرّضهم لسلسلة من الهزائم في محافظتي شبوة ومأرب اليمنيتين حديثاً.
راح الحوثيون يقصفون الإمارات العربيّة المتحدة مستخدمين صواريخ بالستيّة وطائرات مسيّرة.
صحيح أنّ ردّ فعل الإدارة الأميركيّة كان معقولاً، بعد كل ما تعرّضت له الإمارات، لكنّ الصحيح أيضا أنّه ليس كافياً.
لم يصدر في واشنطن أيّ كلام صريح يؤكد أن «الحرس الثوري» وراء كلّ ما يفعله الحوثيون وأن صواريخ الحوثيين وطائراتهم المسيّرة ذات مصدر واحد هو إيران.
الأكيد أنّ الإدارة الأميركيّة لا تفكّر سوى بكيفية الوصول إلى اتفاق جديد مع إيران.
من أجل الوصول إلى مثل هذا الاتفاق، نراها تغضّ الطرف عن كلّ ما يحدث في أماكن أخرى من العالم.
من يتهاون في الموضوع الإيراني وبالتهديدات التي يتعرّض لها الاستقرار في المنطقة لن يستطيع مواجهة روسيا في أوكرانيا ولا الصين في أيّ مكان آخر في العالم.
في الواقع أنّ كلّ من يتصرف بالطريقة التي تتصرّف بها إدارة بايدن سيدرك لماذا انتصر فلاديمير بوتين في أوكرانيا بالنقاط، ولماذا ليس بين حلفاء واشنطن في المنطقة، من هو على استعداد لاتخاذ موقف مساير للموقف الأميركي من دورة الألعاب الأولمبية الشتوية التي تستضيفها بكين.
تذكّر تصرفات إدارة بايدن، في حال تابعت السير في خط مسايرة «الجمهوريّة الإسلاميّة» وتقديم التنازلات إليها بإدارة باراك أوباما.
في صيف العام 2013، في أغسطس تحديداً، استخدم بشّار الأسد السلاح الكيميائي في حربه على الشعب السوري.
لم يكن لأوباما أيّ ردّ فعل على تلك الجريمة التي استهدفت أهل الغوطة في محيط دمشق، علماً أن الرئيس الأميركي كان اعتبر وقتذاك استخدام النظام السوري للسلاح الكيميائي بمثابة «خط أحمر».. فجأة، صار أوباما يرى كلّ الألوان، باستثناء الأحمر.
كانت ثمة حاجة إلى بعض الوقت لاكتشاف أن الرجل لم يردّ على جريمة ارتكبها بشّار الأسد خشية إزعاج إيران التي كانت إدارته في مفاوضات سرّية وأخرى علنيّة معها في سلطنة عُمان وغير سلطنة عمان.
أثمرت تلك المفاوضات عن التوصل إلى اتفاق صيف العام 2015 في شأن الملفّ النووي الإيراني بين إيران ومجموعة الخمسة زائداً واحداً (الأعضاء الخمسة الدائمون في مجلس الأمن وألمانيا).
يبدو أنّ بايدن يميل بدوره، مع عدد من المحيطين به، إلى عدم إزعاج إيران.
هذا ما يجعله يرفض التساؤل ما الذي ستفعله «الجمهوريّة الإسلاميّة» و «الحرس الثوري» فيها بالأموال التي ستدخل على إيران عليها في حال رفع بعض العقوبات الأميركيّة عنها.
سيصعب على الرئيس الأميركي الحالي استيعاب أن المشكلة ليست في البرنامج النووي الإيراني بمقدار ما انّها في سلوك إيران خارج حدودها، كذلك في سلوك إيران داخل إيران نفسها حيث شعب يعيش معظمه تحت خطّ الفقر!
ليس كافياً اعتماد سياسة ذات طابع انتقامي من إدارة دونالد ترامب لتبرير العودة إلى اتفاق نووي مع إيران من دون ربط بين ذلك وبين ما تقوم به «الجمهوريّة الإسلاميّة» خارج حدودها.
هل إدارة بايدن في حاجة إلى مزيد من الدمار الذي ألحقته إيران بالعراق وسورية ولبنان واليمن كي تدرك أن لا أحد في العالم سيأخذها على محمل الجدّ بعد الآن؟
على الرغم من أنّ إدارة بايدن لم تحسم أمرها بعد، هناك مخاوف كبيرة من خوضها مغامرة أخرى مع إيران من منطلق جهلها بالمنطقة من جهة ومدى تأثير مثل هذا الجهل على كلّ من حلفائها من جهة أخرى.
سيبحث كلّ من هؤلاء الحلفاء على طريقة للدفاع عن نفسه وعن مصالحه بعيداً عن الولايات المتحدة التي يتبيّن يومياً أنّ ليس في الإمكان الاعتماد عليها.
الأكيد أن اتفاقاً أعرج مع إيران لن يحدّ من الاهتراء الداخلي الأميركي الذي لا يستبعد أن تترجمه الانتخابات المقررة في نوفمبر المقبل.
في هذه الانتخابات، يحتمل أن يخسر الديموقراطيون الاكثريةّ في مجلسي الكونغرس.
هذا يعني نهاية إدارة بايدن وذلك قبل انتهاء ولايته الرئاسيّة مطلع السنة 2025.
في انتظار ما ستقرّره إدارة بايدن بالنسبة إلى كيفية التعاطي مع إيران، تحبس المنطقة أنفاسها.
الثابت أن أسئلة عدّة ستفرض نفسها إذا عادت الأموال الأميركيّة تتدفق على «الجمهوريّة الإسلاميّة» كما حصل في النصف الثاني من العام 2015.
من بين هذه الأسئلة ماذا سيكون ردّ إسرائيل، وهل هي معنيّة فعلاً بعدم حصول إيران على السلاح النووي... أم انّها معنيّة أكثر بصواريخها وطائراتها المسيّرة التي تطوّقها من كلّ مكان مثلما تهدّد كلّ دولة من دول الخليج العربي؟
ما الذي سيترتب على تمويل إيران أميركياً كي تتابع تنفيذ مشروعها التوسّعي في المنطقة؟
*نقلا عن: صحيفة "الرأي" الكويتية