تحليل: الاختبار الصعب الذي سيحدد كفاءة السياسة الخارجية لليمن

تقارير - Friday 01 March 2024 الساعة 11:25 am
المخا، نيوزيمن، خاص:

"بينما يحول العالم أنظاره نحو السرد المتكشف للدبلوماسية الدولية، يبدأ فصل مثير للاهتمام مع وصول رئيس الوزراء اليمني أحمد عوض بن مبارك إلى موسكو. إن هذه الزيارة، التي تميزت بتوقيتها وجدول أعمالها، ليست مجرد مشاركة دبلوماسية روتينية، ولكنها خطوة مهمة نحو تعزيز العلاقات بين اليمن وروسيا. وتستعد المناقشات، التي تجري على خلفية المصالح المشتركة والديناميكيات الإقليمية المعقدة، لاستكشاف أعماق التعاون الاقتصادي والمواءمة السياسية والتعاون الأمني".

بهذه العبارات وصفت بعض وسائل الإعلام الروسية الزيارة التي يقوم بها منذ الاثنين، رئيس الوزراء وزير الخارجية، أحمد عوض بن مبارك إلى روسيا الاتحادية. 

جدول أعمال هذه الزيارة بحسب ما أعلنته وكالة الأنباء الحكومية "سبأ" ووكالات الأنباء الروسية، يتركز على قضايا اقتصادية تتمثل في الاستثمار والتعاون الثنائي في مجالات الطاقة والكهرباء والنفط والزراعة والثروة السمكية والتعدين، إضافة إلى دور روسيا في ملف التسوية اليمنية وإحلال السلام والاستقرار في اليمن.

يتناول هذا التحليل زيارة رئيس الحكومة بن مبارك في ضوء عاملين حاسمين: الأول تاريخ العلاقات اليمنية الروسية التي جرى الاحتفال في نوفمبر 2023 بالذكرى الـ95 لتأسيسها في 1928، وهي العلاقات التي قال بن مبارك في لقائه برئيس مجلس الدوما فياتشيسلاف فولودين، إنه يتمنى أن يبدأ العمل "من الآن" للارتقاء بمستوى العلاقات اليمنية الروسية "استعداداً للاحتفال بالذكرى المئوية لتأسيس العلاقات الثنائية وبما يليق بتلك العلاقات". أما العامل الثاني فهو مستجدات الوضع الراهن في اليمن مع استمرار انقلاب مليشيا الحوثي وتصعيد هجماتها على السفن التجارية في خط الملاحة الدولية في البحرين الأحمر والعربي، وتطورات العلاقات الإقليمية بين موسكو ودول الخليج العربي وإيران، وموقع الولايات المتحدة وبريطانيا في هذه التطورات، بما في ذلك استمرار العدوان الإسرائيلي على قطاع غزة.

علاقة تراكمية عابرة للتحولات

بدأت العلاقات اليمنية الروسية عام 1928 بزيارة وفد روسي إلى صنعاء لا يتجاوز أعضاؤه خمسة أفراد بينهم دبلوماسي، وأسفرت تلك الزيارة عن توقيع معاهدة للصداقة والتجارة بين الاتحاد السوفيتي ونظام الإمام يحيى حميد الدين في شمال اليمن، وفي 1955 تبادل الجانبان التمثيل الدبلوماسي بينهما. وبعد ثورة 26 سبتمبر 1962 التي حررت الشمال من نظام الإمامة وأسست للنظام الجمهوري، لعب الرئيس المصري جمال عبدالناصر دورا فاعلا في دفع الاتحاد السوفيتي للاعتراف بالجمهورية العربية اليمنية وتأييدها. وفي جنوب اليمن توطدت العلاقات الروسية اليمنية بعد استقلال الجنوب عن المملكة المتحدة والتحرر من الاستعمار البريطاني عام 1967، عقب أربع سنوات من انطلاق ثورة 14 أكتوبر 1963.

تجددت العلاقات اليمنية الروسية بمعاهدتي صداقة وتعاون جديدتين، الأولى عام 1979 مع جمهورية اليمن الديمقراطية الشعبية والثانية عام 1984 مع الجمهورية العربية اليمنية. وبعد الوحدة بين الدولتين اليمنيتين في 22 مايو 1990، أكدت الجمهورية اليمنية الموحدة سريان جميع الاتفاقيات والمعاهدات المبرمة مع الاتحاد السوفيتي. ثم بعد تفكك الاتحاد السوفيتي بفعل الحرب الباردة بينه وبين دول الغرب، لم تتردد الجمهورية اليمنية بالاعتراف بروسيا الاتحادية، وأعلنت في 30 ديسمبر 1991، اعترافها بأن روسيا الاتحادية الوريثة الشرعية للاتحاد السوفيتي السابق، وزاد ذلك من توطيد العلاقات الثنائية بين الدولتين.

كان التعاون الثنائي بين اليمن وروسيا يتمثل في الجوانب العسكرية والطبية والتعدين والنفط والتعليم والسياحة. وقبل العام 1990، كان للاتحاد السوفيتي قاعدة عسكرية في جزيرة سقطرى، حيث كانت علاقاته مع جمهورية اليمن الديمقراطية الشعبية (الجنوب) أقوى من الشمال، لكن علاقاته مع الشمال كانت جيدة أيضا. فقد زار الرئيس الراحل علي عبدالله صالح موسكو مرتين في حقبة الاتحاد السوفيتي (1981 و1984) وخمس مرات في حقبة روسيا الاتحادية (1991 و2002 و2004 و2009 و2010). وفي الذكرى الـ76 لتأسيس العلاقات الروسية اليمنية، منحت اللجنة الدولية الخاصة بجائزة "أندريه بيرفوزفاني" الدولية جائزتها للرئيس صالح تقديرا لخدماته في تعزيز الصداقة بين شعبي روسيا واليمن، وجرت المراسم الاحتفالية لتسليمه الجائزة في صنعاء في 21 نوفمبر عام 2004. كما يذكر الإعلام الروسي أن صالح في العام 2007 طلب من الرئيس فلاديمير بوتين إرساليات عاجلة من المعدات الحربية أثناء الحرب الرابعة ضد مليشيا الحوثي في صعدة، وأن بوتين استجاب لذلك الطلب.

مع الأخذ بالاعتبار زيارتين منفصلتين لعضوي مجلس القيادة الرئاسي عيدروس الزبيدي وطارق صالح خلال السنوات الثلاث الماضية، ربما كانت آخر زيارة يمنية على مستوى رئاسي لموسكو، هي التي قام بها الرئيس السابق عبدربه منصور هادي في أبريل 2013. نشر الإعلام الروسي حينها أن تلك الزيارة تركزت على الجانب العسكري، مشيرا إلى ما جاء في مذكرة نشرت بالتزامن مع زيارة هادي، أن "اليمن مهتم بشراء المدرعات الروسية ووسائل الدفاع الجوي والأسلحة الخفيفة، والذخائر، بالإضافة إلى محركات ناقلات الأفراد المدرعة التي سبق أن استوردت من روسيا، وناقلات الأفراد المدرعة وتطوير المدرعات من طراز "بي أر تي – 60 بي بي" و"بي أر دي أم – 2" الموجودة في حوزة الجيش اليمني، وتحديث المروحيات القتالية ومروحيات النقل والصيانة الفنية للمقاتلات "ميغ – 29" وإصلاح طائرات الشحن "إيل – 76" و"آن – 26" على أيدي الخبراء الروس. وجاء في المذكرة أيضا أن اليمن تعتبر جهة مستوردة تقليدية للمنتجات العسكرية الروسية". 

زودت روسيا اليمن بمقاتلات ميغ "29 س م ت" ومروحيات "مي – 17" وعربات قتالية للمشاة "ب م ب – 2" وغير ذلك من المعدات، ولا يُعرف إذا ما كان الحوثيون حاولوا إقناع الجانب الروسي في الاستمرار بتنفيذ ما جاء في تلك المذكرة بعد انقلابهم على السلطة الشرعية في صنعاء في 21 سبتمبر 2014، خاصة مع استمرار السفارة الروسية بصنعاء في أعمالها واحتفاظ موسكو بعلاقات جيدة مع جماعة الحوثي والحكومة الشرعية معًا، حيث استقبلت موسكو قيادات حوثية خلال سنوات الحرب الماضية بطلب من إيران.

ما هي اللجنة الوزارية المشتركة؟

يمكن أن تكون زيارة رئيس الوزراء أحمد بن مبارك إلى موسكو حاليا إحدى الحلقات الجديدة التي تضاف إلى سلسلة العلاقات اليمنية الروسية، خصوصا أن أجندة الزيارة تتضمن قضايا تعاون متعددة الأبعاد: سياسية، اقتصادية، عسكرية وأمنية، إضافة إلى توقيت الزيارة بالتزامن مع تصاعد الهجمات الحوثية في البحر الأحمر ومضيق باب المندب وخليج عدن، وتوافد السفن الحربية متعددة الجنسيات إلى المياه اليمنية لحماية السفن التجارية.

تضمنت تصريحات الجانبين اليمني والروسي عقب الاجتماعات التي تمت خلال الثلاثة الأيام الأولى من الزيارة، خطوطا عريضة لأولويات البلدين في مجالات التعاون المتوقع أن تسفر عنها اجتماعاتهما. وعقب اجتماع بن مبارك مع نائب رئيس الوزراء الروسي أليكسي أوفيرتشوك، قالت وكالة الأنباء الحكومية "سبأ" إن "جلسة المباحثات كرست لمناقشة العلاقات الثنائية بين البلدين الصديقين، وفرص تعزيزها في مختلف الجوانب، والفرص الاستثمارية في مجال الطاقة والكهرباء والزراعة والثروة السمكية، إضافة إلى مكافحة الإرهاب والجريمة المنظمة وآليات تنفيذ بنود إعلان مبادئ علاقات الصداقة والتعاون الثنائي الموقع عام 2003، وتفعيل عمل اللجنة الوزارية المشتركة".

وذكر الموقع الرسمي للحكومة الروسية أن أوفيرتشوك بحث مع بن مبارك "المجالات ذات الأولوية لتطوير التعاون الثنائي في المجالات التجارية والاقتصادية والثقافية والإنسانية". ونقل الموقع عن نائب رئيس الوزراء الروسي قوله: "اليوم لدينا إمكانات كبيرة لمزيد من تطوير التعاون والشراكة ذات المنفعة المتبادلة".

وتداول الإعلام اليمني على نطاق واسع النقطة المتعلقة بتفعيل بنود إعلان مبادئ علاقات الصادقة اليمنية والروسية وعمل اللجنة الوزارية المشتركة، لكن وبخلاف المعلومات المتداولة، فقد تم التوقيع على هذا الإعلان أثناء زيارة رسمية للرئيس علي عبدالله صالح إلى موسكو في ديسمبر 1991، بالإضافة إلى توقيع اتفاقية تجارية تنص على تشكيل لجنة حكومية/ وزارية مشتركة حول التعاون الاقتصادي والتجاري والعلمي– التقني، وكذلك البروتوكول حول الممثلية التجارية في صنعاء الذي حل محل الاتفاقيتين بهذا الشأن المعقودتين مع الجمهورية العربية اليمنية وجمهورية اليمن الديمقراطية الشعبية.

تفاصيل بنود هذا الإعلان وهذه اللجنة الوزارية المشتركة غير متاحة في الأرشيف الإلكتروني للحكومة اليمنية على الإنترنت، لكن المعلومات المتاحة بشكل متفرق تشير إلى أن بنود اتفاق إعلان الصداقة اليمنية الروسية تشمل "التعاون بين الحكومتين في مجال العلوم والثقافة والتعليم والرياضة والسياحة، والاتفاق بين الحكومتين حول تشجيع الاستثمارات وحمايتها بصورة متبادلة". 

وفي زيارة الرئيس صالح إلى موسكو في ديسمبر 2002، ناقش مع رئيس الوزراء الروسي آنذاك ميخائيل كازيانوف، بنود الإعلان، ونقلت وكالة "سبأ" الرسمية للأنباء في خبر تلك الزيارة أن كازيانوف "أعرب عن رغبة الشركات الروسية بالعمل في اليمن، خاصة في مجالات الطاقة الكهربائية والنفط والغاز والمعادن، وفي مجال بناء السدود والحواجز المائية"، وأن ذلك الاجتماع "بحث تطوير محطة الحسوة الكهربائية ورفع قدرتها وتشغيلها بالغاز، وكذا تطوير مصنع أسمنت باجل ورفع إنتاجيته إلى مليون طن، وتحويله للعمل بالطريقة الجافة، كما بحث مشروع استكمال بناء سد وادي حجر بمحافظة حضرموت".

ووقع الجانبان اليمني والروسي عام 1996 بروتوكول تعاون بين اتحاد الغرف التجارية والصناعية في اليمن والغرفة التجارية والصناعية في روسيا، ثم في عام 2005 وقع يفغيني بريماكوف رئيس الغرفة التجارية والصناعية الروسية أثناء زيارته إلى صنعاء، اتفاقيتين حول التعاون بين الغرف التجارية والصناعية في البلدين، وحول تأسيس مجلس الأعمال الروسي– اليمني.

وفي يونيو 2013، زار نائب وزير التنمية الاقتصادية الروسي أليكسي ليخاتشيوف صنعاء على رأس وفد ضم ممثلين عن القطاع الخاص في روسيا الاتحادية. وفي لقائه بالجانب اليمني قال ليخاتشيوف إن مؤسسات القطاع الخاص في روسيا الاتحادية مهتمة كثيرا في إقامة علاقات تعاون وشراكة تجارية مع مؤسسات القطاع الخاص في اليمن واستطلاع فرص الاستثمار الواعدة في البلاد. وخلال تلك الزيارة ناقش نائب وزير التنمية الاقتصادية الروسي مع نائب وزير التخطيط والتعاون الدولي مطهر العباسي، "ترتيبات" لاستئناف عقد اجتماعات اللجنة الوزارية المشتركة، وكان العباسي وليخاتشيوف في تلك الفترة يرأسان هذه اللجنة كل من طرف حكومته. ونقل الإعلام الحكومي اليمني حينها أنه تم خلال زيارة الوفد الروسي إلى صنعاء الاتفاق على "مراجعة مذكرة التفاهم الموقعة بين البلدين منذ العام 1991 خلال شهر تمهيدا للاتفاق على عقد اللجنة الوزارية المشتركة".

أولويات اقتصادية لزيارة بن مبارك

من السمات المميزة للعلاقات اليمنية الروسية أن كلا الجانبين يحترمان تاريخ هذه العلاقات وما نتج عنها من اتفاقيات ومعاهدات بغض النظر عن نظام الحكم الذي وُقّعت في عهده. وتأتي زيارة رئيس الوزراء وزير الخارجية أحمد بن مبارك إلى موسكو ومجريات الاجتماعات التي يعقدها مع المسؤولين الروس، لتؤكد احترام الحكومة اليمنية لتاريخ علاقة الصداقة والتزام الجانب اليمني بالاتفاقات والمعاهدات السابقة. لكن من ناحية أخرى، تلقي أولويات بن مبارك في هذه الزيارة، الضوء على الواقع المأساوي لليمن، حيث لا تزال أولويات الحكومة بالنسبة للخدمات الأساسية هي نفسها التي كانت عليه قبل ثلاثة عقود من الزمن.

وفي لقائه الأربعاء، برئيس مجلس الدوما فياتشيسلاف فولودين، قال بن مبارك بحسب ما ذكرته وكالة سبأ- النسخة الحكومية الشرعية، إن "التعاون في قطاع الطاقة والكهرباء يمثل أولوية بالنسبة للحكومة اليمنية، إلى جانب المجالات الأخرى المتمثلة بالنفط والزراعة والثروة السمكية... وتعزيز العلاقات البرلمانية بين الدولتين"، وهي مجالات سبق أن ناقشها الجانبان اليمني والروسي في أكثر من زيارة. كما سبق لشركة "تيكنو بروم إكسبورت" التي كانت تعتبر من أنشط الشركات الروسية في التعاون الاقتصادي المدني في اليمن، أن عملت في صيانة وإصلاح محطة "الحسوة" الكهرحرارية في عدن. ورغم أن الخدمات الأساسية مثل: الكهرباء والمياه، والمشاريع الأساسية كالزراعة واستثمار الثروة السمكية، لا تزال ضمن أولويات الحكومة اليمنية، إلا أنه لا يجب إغفال تأثيرات الحرب التي تسببت بها مليشيا الحوثي ونتائجها الكارثية على الوضع في جميع المحافظات اليمنية، ولا سيما عدن والمدن الرئيسية ضمن سيطرة الحكومة الشرعية، وكذا المحافظات التي وقعت في قبضة المليشيا الانقلابية.

أولويات الأمن والاستقرار

تحدث بن مبارك في لقاءاته مع المسؤولين الروس عن "مكافحة الإرهاب والجريمة المنظمة" كأحد المجالات التي تتطلع الحكومة اليمنية لتكون ضمن التعاون اليمني الروسي، بما في ذلك الهجمات التي تشنها مليشيا الحوثي على السفن التجارية في البحر الأحمر ومضيق باب المندب وخليج عدن. وفي المؤتمر الصحفي الذي عقده مع وزير الخارجية سيرجي لافروف، أشار إلى أن الحفاظ على أمن الملاحة البحرية في اليمن لن يكون بالمهمة السهلة في ظل وجود مليشيا منفلتة تمتلك أسلحة متطورة وتسيطر على مساحة كبيرة في البلاد. لكن لافروف من جانبه لم يبد متفقا مع بن مبارك في موقف الحكومة الشرعية من مليشيا الحوثي، وفي حين عبر عن اهتمام موسكو بضرورة وقف الهجمات في البحر الأحمر، جدد في نفس الوقت إدانة حكومته للضربات الأمريكية البريطانية على مواقع الحوثيين العسكرية.

لا تخفي روسيا التحالف الوثيق بينها وبين إيران التي تدعم الحوثيين بالسلاح المتطور وخبراء التصنيع الحربي، لكنها في نفس الوقت تحتفظ بعلاقة جيدة مع الحكومة الشرعية ومع الإمارات والسعودية. ونظرا للتحالف المعروف بين روسيا وإيران وما يترتب على هذا التحالف من علاقة روسية بأذرع طهران في المنطقة العربية، لم يتمكن بن مبارك من الحديث باستفاضة عن التحديات التي تواجهها الحكومة اليمنية في هذه الظروف الحرجة، وبدلا من ذلك قدم "إيجازا حول التطورات التي تشهدها اليمن" بحسب وكالة "سبأ".

وفق هذه المعطيات وتعقيدات العلاقات السياسية بين روسيا وحلفائها من جهة، وأمريكا وبريطانيا وحلفائهما من جهة أخرى، تبدو المهمة صعبة أمام بن مبارك في الحصول على استجابة روسية جيدة في سياق سعي الحكومة الشرعية للقضاء على قدرات الحوثيين العسكرية. وإضافة لذلك، من المستبعد أن تساعد روسيا الحكومة اليمنية في معركة استعادة الدولة من قبضة مليشيا الحوثي والحد من نفوذ المشروع الإيراني في اليمن. وفي هذه الحالة، قد يقتصر تفعيل التعاون الروسي اليمني ضمن اللجنة الوزارية المشتركة على الجوانب الاقتصادية والمشاريع المدنية، لكن هل ستكتفي روسيا بذلك؟

تعقيدات وتوازنات صعبة

تشير دراسة بحثية نشرها مركز "أبعاد" للدراسات والبحوث عام 2020 إلى أن روسيا تتطلع إلى إنشاء قاعدة عسكرية لها على مقربة من مضيق باب المندب، خاصة بعد أن رفضت جيبوتي طلب روسيا بإنشاء قاعدة لها على أراضيها على غرار القواعد الأمريكية والفرنسية والبريطانية والتركية والصينية. على أن مراكز البحث الروسية أصبحت تكرر توصياتها منذ العام 2015 بضرورة أن تكون لروسيا قاعدة عسكرية في هذا الممر البحري الاستراتيجي، جاءت تطورات الحرب في غزة والهجمات الحوثية -ذراع إيران في اليمن- على السفن المرتبطة بإسرائيل أو المتجهة إليها، لتضاعف من الرغبة الروسية في الحصول ليس على موضع قدم فقط، بل على مساحة لقاعدة عسكرية تعزز نفوذها البحري أمام نفوذ خصومها الغربيين.

تدرك روسيا أهمية اليمن بالنسبة لحماية مصالحها الاستراتيجية، وقبل تفكك الاتحاد السوفيتي عام 1991، كان ينفذ عملياته العسكرية ضمن الحرب الباردة مع الغرب في المحيط الهندي حتى العام 1985، انطلاقا من قاعدته العسكرية في سقطرى. لكن منذ قيام جمهورية روسيا الاتحادية على أنقاض الاتحاد السوفييتي، اتسم الموقف الروسي تجاه توسيع التعاون العسكري مع الجمهورية اليمنية بالتردد. وفي عام 2016، امتنعت روسيا عن التصويت على قرار مجلس الأمن رقم 2216، الذي تتمسك به الحكومة اليمنية إلى اليوم كأحد المرجعيات الثلاث في أي تسوية سياسية مع جماعة الحوثي. أثر ذلك على العلاقات الروسية اليمنية، لكن الحكومة اليمنية أعادت تعيين سفير لها في موسكو عام 2018 بعد انقطاع دام قرابة السبع سنوات، وفي العام التالي زار وزير الخارجية اليمني آنذاك عبدالملك المخلافي روسيا ليطلب منها الضغط على إيران لكي توقف دعمها للحوثيين، لكن الدعم الإيراني لم يتوقف. ويبدو أن التعقيدات تضاعفت اليوم بفعل حرب روسيا في أوكرانيا والحرب الإسرائيلية على قطاع غزة، وارتباك الموقف العربي الإسلامي أمام التوحش الصهيوني المتصاعد ضد الفلسطينيين. 

هذه التطورات وتعقيدات العلاقات الإقليمية والدولية تضع الحكومة اليمنية ودبلوماسيتها الدولية أمام اختبار صعب، حيث تعتبر قدرتها على الاستفادة في ظل هذه الظروف الحساسة من العلاقات التاريخية مع روسيا اقتصاديا وسياسيا وعسكريا، أقصى درجات النجاح في السياسة الخارجية. وبما أن اليمن مليئة بالثروات الطبيعية البكر وواعدة بفرص الاستثمار، يمكن أن يعتبر هذا النجاح مؤشرا لقدرتها على استعادة التوازن في كل علاقاتها الإقليمية والدولية التي اهتزت بسبب الحرب وتشعّب مساراتها.