تقرير دولي يحذر من "العواقب غير المقصودة" لنهج بايدن تجاه اليمن

السياسية - Friday 23 February 2024 الساعة 11:37 am
المخا، نيوزيمن، خاص:

ما زالت هجمات الحوثيين على سفن النقل التجارية في البحر الأحمر وخليج عدن ومضيق باب المندب، تستحوذ على اهتمام الإعلام الغربي والعربي أكثر من جرائم الإبادة التي يرتكبها جيش الاحتلال الإسرائيلي بحق الفلسطينيين في قطاع غزة والضفة الغربية.

ومع استمرار هذه الهجمات وتواصل الضربات الأمريكية البريطانية على مواقع الحوثيين العسكرية في الحديدة ومناطق أخرى في نطاق سيطرتهم، تتصاعد التحذيرات والانتقادات على المستوى الإقليمي والدولي لسياسة إدارة بايدن تجاه اليمن، إضافة إلى انتقاد السياسة الأمريكية تجاه حرب إسرائيل ضد فصائل المقاومة الفلسطينية وكلفتها الباهظة على أرواح المدنيين الذين تجاوز عدد القتلى منهم 29 ألف شهيد وأكثر من 70 ألف جريح.

ضربات غير مجدية

كثير من التحليلات السياسية وملاحظات المراقبين للوضع في اليمن خلال الأسابيع الماضية، تفيد بأن الضربات الأمريكية البريطانية على مواقع الحوثيين لم تحد من هجماتهم على سفن النقل التجاري ولا يبدو أنها ستضع حدا لتهديدهم للملاحة الدولية في واحد من أهم الممرات المائية في العالم. والثلاثاء نشرت وكالة "أمواج ميديا" الناطقة بالإنجليزية، تقريرا أفاد بأن الضربات الأمريكية البريطانية لم تحقق أهداف لندن وواشنطن المعلنة. وعلى النقيض من ذلك، فقد شجعت الحوثيين، ودفعتهم إلى توسيع هجماتهم لتشمل السفن التابعة لبريطانيا والولايات المتحدة. 

وذكر التقرير أن الأهم من ذلك هو أن الأحداث الأخيرة مكنت الحوثيين من الاستفادة من المعارضة اليمنية عموما ضد التدخل الأجنبي. وعلاوة على ذلك، تمكن الحوثيون من تقديم أنفسهم كركيزة أساسية لما يسمى "محور المقاومة" الذي تقوده إيران، وكواحدة من المجموعات القليلة في المنطقة التي تدافع بنشاط عن القضية الفلسطينية.

وأشار إلى التحديات السياسية والاقتصادية التي كانت المليشيا الحوثية تواجهها في الفترة التي سبقت هجوم حماس على إسرائيل في 7 أكتوبر 2023، وكيف انتهز الحوثيون الفرصة لاستقطاب مؤيدين ومقاتلين في صفوفها بالرغم من المشهد السياسي المشحون ضد الجماعة. 

ونقل عن النائب السابق للسفير الأمريكي في اليمن، نبيل خوري، قوله إن الحوثيين عززوا الرأي العام في جميع أنحاء البلاد لصالحهم، وخاصة في المناطق الخاضعة لسيطرتهم. وقال خوري: "كان اليمنيون العاديون في جميع المجالات متعاطفين دائمًا مع الفلسطينيين، وكان لحماس مكاتب في صنعاء في عهد الرئيس اليمني الأسبق علي عبد الله صالح".

وقال التقرير إنه في حين يصعب تحديد التأثير الدقيق لأزمة البحر الأحمر على شعبية الحوثيين المحلية، إلا أنه لا يمكن إنكار أن الجماعة حققت فوائد سياسية.

وأشار الباحث في الشؤون اليمنية نيكولاس برومفيلد إلى أن الحوثيين، من خلال الاستفادة من قدرتهم على حشد الاحتجاجات الجماهيرية ضد التدخل الأجنبي -والتي تطورت خلال صراع مسلح دام سنوات مع المملكة العربية السعودية- نظموا ما لا يقل عن 2000 مسيرة لدعم فلسطين منذ بدء حرب غزة. بالإضافة إلى ذلك، أوضح برومفيلد أن الجماعة اليمنية تستخدم هذه الاحتجاجات بشكل استراتيجي لتصوير معارضتها القوية للضربات الأمريكية والبريطانية كجزء من مقاومة إقليمية أوسع ضد إسرائيل والولايات المتحدة. 

وأضاف برومفيلد: "يبدو أن هذه هي الورقة التي يستخدمها الحوثيون والتي تحظى بشعبية كبيرة، وبالنظر إلى أنهم كانوا يواجهون أكبر أزمة سياسية على الإطلاق في الأشهر التي سبقت 7 أكتوبر مباشرة، فهي ورقة وقعت في أيديهم بالصدفة".

تصورات إقليمية

يذكر تقرير "أمواج ميديا" أن هناك دلائل تشير إلى أن الموقف ضد إسرائيل ولّد الكثير من التعاطف مع الحوثيين في جميع أنحاء العالم العربي، وأن الجماعة نجحت في الترويج للرواية القائلة بأن هجماتها البحرية هي وسيلة مشروعة للدفاع عن الفلسطينيين في غزة. 

وأوضح أنه على الرغم من المعارضة الواسعة التي تواجهها المليشيا الحوثية في الداخل والخارج بسبب أساليبها القمعية في الحكم وأجندتها الأيديولوجية، إلا أن الكثير من معارضيها والذين يحتقرونها، أعلنوا معارضتهم للضربات الأمريكية البريطانية كونها تأتي في سياق دفاع الولايات المتحدة عن جرائم إسرائيل في غزة.

ونصح برومفيلد الولايات المتحدة والمملكة المتحدة "بوقف التصعيد في غزة إذا كانوا يريدون أن تتوقف هجمات البحر الأحمر"، فيما أشار التقرير إلى أن الحوثيين استفادوا من تصاعد المشاعر المعادية للولايات المتحدة في الشارع العربي بسبب تصرفات إسرائيل في غزة. 

وقال خوري إن "المشاعر في العالم العربي تنتقد بشدة الولايات المتحدة بسبب ما يُنظر إليه على أنه دعم أعمى لإسرائيل". وأشار الدبلوماسي الأمريكي السابق إلى أن الهجمات الأمريكية والبريطانية في اليمن أعادت ذكريات قيام القوات الغربية بضرب دول عربية أخرى، موضحا أن هذا الشعور، الذي تضاءل بعد سحب الولايات المتحدة لقواتها القتالية من أفغانستان والعراق، قد عاد إلى الظهور.

رد فعل سلبي 

ويلفت التقرير إلى أنه غالباً ما تؤدي سياسة الولايات المتحدة تجاه المنطقة العربية إلى "عواقب غير مقصودة". ومن المرجح أن يؤدي دعم واشنطن الثابت لتل أبيب بعد 7 أكتوبر 2023 -إلى جانب استراتيجية إدارة جو بايدن لمعالجة التهديد البحري الحوثي- إلى رد فعل عنيف طويل الأمد.

وأضاف التقرير: مع ذلك، يواصل الرئيس بايدن السعي لإضعاف الحوثيين بالوسائل العسكرية. أولاً، أنشأ "عملية حارس الازدهار" في ديسمبر 2023، وهو تحالف بحري بقيادة الولايات المتحدة تم تشكيله لحماية الشحن في البحر الأحمر. ثانياً، دخل بايدن في شراكة مع بريطانيا لضرب أهداف في اليمن. ومن المفارقة أن هذا النهج قد عزز مكانة الحوثيين السياسية على المدى الطويل بدلا من تقليصها، مما عزز مكانتهم كقوة لا يستهان بها في اليمن وخارجها. 

وفيما أشار إلى إخفاق التحالف العربي بقيادة السعودية والإمارات في القضاء على المليشيا الحوثية، قال إنه يبدو أن بايدن ومستشاريه اعتقدوا بسذاجة أن الضربات المحدودة التي يتم تنفيذها بالتعاون مع بريطانيا ستشكل الردع اللازم لوقف الهجمات البحرية الحوثية.

ومع ذلك، حتى بعد هذه الضربات، يظل البحر الأحمر نقطة ساخنة للصراع، مما يؤكد عدم فعالية استراتيجية إدارة بايدن. والأسوأ من ذلك هو أن هذا النهج قد أفاد الحوثيين عن غير قصد على خلفية معركة سردية أوسع حيث تؤدي حرب غزة إلى تفاقم الانقسام بين الشمال والجنوب العالمي. وعلى هذه الخلفية، يطرح كاتب التقرير السؤال حول ما إذا كان تدخل واشنطن يُنظر إليه على أنه فرصة بقدر ما هو تهديد. 

ويخلص برومفيلد إلى القول إن تصوير الحوثيين أنفسهم على أنهم في صراع مباشر مع الولايات المتحدة يلبي الكثير من الروايات الطويلة الأمد التي يقولونها لأنفسهم وللآخرين حول ما يمثلونه.

وتجدر الإشارة إلى أن مجلس القيادة الرئاسي والحكومة اليمنية حذرا مرارا وتكرارا من عدم فاعلية تعاطي المجتمع الدولي مع التهديد الحوثي للاستقرار في اليمن والمنطقة، بما في ذلك الضربات الأمريكية البريطانية على مواقع الجماعة الانقلابية. وكان آخر هذه التحذيرات على لسان الرئيس رشاد العليمي، رئيس مجلس القيادة الرئاسي، في ميونيخ مطلع الأسبوع الجاري، مشيرا إلى أن حجم خطورة التهديد الحوثي على اليمن والمنطقة يتطلب القضاء على قدرة الجماعة العسكرية وليس مجرد إضعافها.