ذو يزن الشرجبي.. روائي بوليسي خيالي بارع يكتب لمحاربة قبح هذا العالم

متفرقات - Friday 29 July 2022 الساعة 08:03 am
عدن، نيوزيمن، محمد جسار:

تتمتع مدينة عدن بالكثير من المخزون الثقافي والفني والأدبي، فمدينة البحر كانت وما زالت ملهمة للكثير من الأدباء والشعراء، الذين كان بحر عدن وقلاعها وجبالها سمة أساسية لكتاباهم في سنين عدة، وفي غمرة هذا الخزين الهائل يطل من مدينة عدن قلم احترف كتابة الخيال العلمي ورواية الجريمة والتي مثلت انعطافاً مهماً في شكل الرواية العدنية. 

ذو يزن الشرجبي الروائي البارع، ابن الشيخ عثمان، والذي أخذ الريادة في كتابة الخيال العلمي والأدب البوليسي وأدب الجريمة، وبالرغم من أنه خريج إدارة أعمال، إلا أن الروح الكتابية طغت على باقي جوارح الروائي الشرجبي. 

(نيوزيمن) كان له لقاء شيق مع الشرجبي الذي حكى عن عالم رواية الخيال العلمي والأدب البوليسي وأدب الجريمة، حيث ألف سلسلة H2O للخيال العلمي المستقبلي الفضائي، وسلسلة مغامرات المحقق أحمد مهران البوليسية، بالإضافة إلى رواية (السرداب 37) في أدب الرعب، وله مؤلفات أخرى قيد الكتابة، وكان لنا هذا الحوار:

- منذ متى تنامى شعور ذو يزن الشرجبي بأنه أديب؟ 

بالعكس، لا أشعر بأنني أديب روائي بالمعنى الكافي، فالمكانة والصفة بحد ذاتها، فالصفة التي تقول بأنني مجرد شخص استطاع تأليف روايته الأولى، مقبول لحد ما، أما كشعور داخلي نابع من إيقاني بجودة عملي، فللأسف أنا اخالف الرأي، كوني وبكل بساطة غير موقن من قدرتي بعد على تقديم عمل متكامل مرهف وعميق يرتقي لمستوى الطموحات والتطلعات المعقودة. وأصدقك القول عندما أقول بأن جميع مؤلفاتي التي أبصرت النور كنسخ ورقية مطبوعة ومنشورة، أو تلك الأخرى التي انتهيت منها كمسودة أولية، تلك التي ما زالت قيد الإعداد والتجهيز الفني، كلها قد حققت عامل الرضى الأولي بقدر ما، مباشرة بعد إعلاني الانتهاء من كتابتها، لكن من جهة أخرى لا أهتدي لمنطقيتها، لا تلبث أن تشكل تلك الأعمال مصدراً للنقص وعدم الاكتمال، فالكمال في الحالة الأولى لحظي، بينما تالياً هو قصير إذا صح التعبير، وتمسي الهشاشة ركيكة رديئة وسطحية غير مقبولة بالنسبة لي.

ومع ذلك أنا لا أستطيع إخبارك بأنني روائي حقيقي مكتمل، على خلاف أعمالي التي صدرت حتى الآن، وذلك يرجع وفق تفسير بسيط، ربما إلى أن الكتابة عملية مستمرة بحد ذاتها، فالكتابة هي عملية إعادة الكتابة كما هو المصطلح المعروف، وربما من وجهة نظر خاصة بي، أتبين بأن السبب الحقيقي من وراء هذا التبدل في الآراء والقناعات، متعلق بشخصيات الرواية أنفسهم، الذين ما زالوا في حالة تطور وتقدم مستمر في فضاء مخيلتي ووجداني، وكذلك الأحداث والحبكات، ما زالت تتعقد وتتوافد على عقلي هي الأخرى، وربما يرجع كل ذلك إلى أنني ما أزال أواظب على القراءة والتحليل المستمر لكل نواحي الحياة الخاصة بي، وعلى هذا الأساس بإمكاننا القول بأن الشخوص والأحداث، يخضعون لعملية تطور مستمر حتى بعد انتهاء عملية الكتابة، وذلك ما يجعلني ربما أعود لتجديد نفس العمل في وقت لاحق، أو أعمد لإحالة هذا التطوير للأجزاء التالية، في حالة كان العمل جزءاً من سلسلة طويلة لدي، أخبرك وبكل بساطة، أن الروائي مجرد لقب بلا اقتناع. 

- هل تجد نفسك بالروايات والقصص التي تكتبها؟ 

ربما يكون هذا التساؤل صحيحاً إلى حد ما، وربما يكون العكس، فشخصية عُمر مثنى بطل سلسلة H2O، رائد الفضاء المستقبلي، وطيار الوحدات الآلية الفضائية المتنقلة، قد يكون نابعاً من حبي لعلم الفلك، وشغفي وفضولي بمختلف الظواهر الكونية، بالإضافة للوحدات الآلية العملاقة والمتحركة، لذلك نرى بطل الرواية يتنقل بين مختلف القطاعات الفضائية، ويخوض مهمات شبه مستحيلة، يقوده عقله البسيط والفضولي إلى حد اللا معقول، في بيئة لا تخلو من التقنية والتجهيزات التي قد لا يمكن مشاهدتها إلا في المستقبل البعيد، وفي الفضاء الخارجي على وجه التحديد.

أما شخصية المحقق أحمد مهران، فيرجع السبب كما هو مغلب، إلى ولعي وبهجتي ونشوتي العارمة، بالتعامل مع الألغاز والأحاجي الصعبة والمعقدة، فسلسلة مغامرات المحقق أحمد مهران، لا تتناول فظاعة ارتكاب الجرائم بحد ذاتها كموضوع أدبي، وإنما بالسر المنطوي حول طريقة ارتكابها أو اللغز المحير المختفي بين ثنايا أحداث القضايا البوليسية، فالمقصد هنا من المغامرة البوليسية، هو التحدي الذي يجريه بطل الرواية مع ألغاز وأحاجي القضية بحد ذاتها، وليس لعرض منظر تشريحي لبشاعة الجريمة، مع أن هذا الجانب قد يكون مهماً تبعاً لامتلاكه أبعاداً اجتماعية ونفسية، على الضحايا أو المجرم أو المجتمع نفسه، لكن ليس وكأنه شيء يمكن القيام به في الواقع الحقيقي، وذلك ربما ما يعطي جانب آخر من بروز جزء من رغباتي في إحقاق الحق، والدفع لعودة العدالة لأخذ مجراها الصحيح، ففي النهاية هذا واجب لا يمكن التفريط فيه من قبل أحد ولو حتى تحت أي ظروف.

لذلك نرى البطل يقع دائماً مع كل بداية قضية، تحت وطأة تأنيب الضمير، عندما يستخلص وبكل بساطة أن الحقيقة قد انحازت بعيدةً عن مسارها الصحيح، مهدداً ذلك بضياع الحقوق واستمرار المآسي، وكذلك احتمالية وقوع الجريمة المُنكرة مرة أخرى، في الوقت الذي يستطيع فيه بطل الرواية تقديم المساعدة بخبرته وقدرته الفذة والمتفوقة، لحل الألغاز المعقدة ولإغلاق القضايا المستعصية، وكل ذلك فقط ولأجل أن تخبأ المآسي وتستكين القلوب ويستمر الجميع في حياتهم الطبيعية.

أما أخيراً وليس آخراً، مع شخصية معاذ شوقي بطل رواية السرداب37، فهنا حدث ولا حرج، فللجميع مخاوف دفينة وغير منطقية، والأمر متطور هنا بعض الشيء وفق مجريات أحداث الرواية، فالخوف إحساس غريزي، أما الشجاعة فهي صفة متجذرة، فعندما يخاف المرء من حدث أو فكرة ما، يكون ذلك راجعاً لقياسات العقل بمستوى تقبل الخطورة، فالعقول الحساسة لها طريقة قياسات عميقة وتفصيلية، وليس لذلك علاقة بتاتاً بفقدان الشجاعة والإقدام، مع الاعتراف بوجود قدر من اللا مبالاة والكسل والفوضى المادية، وذلك هو الأمر تماماً مع بطل الرواية، والذي دفعني لأن ألقي بالبطل وسط كل تلك التجارب المريعة، مع مدير المختبر الفاسد ومخلوقاته الشيطانية المتحولة داخل المبنى القديم، هو راجع لقناعاتي الكاملة، بأن الظروف السيئة والمصيرية، لطالما كانت الحافز الرئيسي في إظهار الشخص على حقيقته، والدفع بالخصال المختفية للبشر في أعماق ذواتهم، إلى الظهور لواجهة سلوكهم المباشر، فالشخص السيئ يظهر دموياً بلا ذرة ضمير يبطش بكل من يقف في طريقه، والشخص الجيد حتى وإن كان غير مقبولاً ظاهرياً، نجده يندفع بلا تردد في مد يد المساعدة للغير، فالظروف والأحداث لطالما كانت هي الفيصل، والكائن البشري هو وحده من يقرر حينها التصرف، وفق ما يرتضيه في نفسه. 

- كيف واجهت تحديات الكتابة؟ 

- تحديات الكتابة للأسف لا تنتهي، وككاتب محلي وسط هذه البيئة الفاسدة والمنهارة، قاسيت الكثير، فكثير من الكتاب قد واجه مختلف وشتى الظروف السيئة والمهينة، ليصطدم قدر لا حصر له نهاية المآل بجدار الصد والفشل، وذلك ربما ما جعل نتاج أعمالهم متواضعاً لحد ما، او لربما عزفوا عن الكتابة نهائياً، أما بالنسبة لي فكان الصبر والمثابرة هما زادي الوحيد بعد التوكل على الله، لكن نجد أن الأمر هنا مختلف بعض الشيء، وأرجح ذلك لوجود طموح عالٍ يتجاوز حقيقة الكتابة بمراحل عديدة، فصحيح أنني أمتلك مخيلة وعقلاً يبقيانني مشغولاً طوال الوقت، إلا أن الكتابة لم تكن لي في البداية، سوى وسيلة للتفريغ عن كل تلك الأفكار والأحلام، ولربما كان دافعي بصورة غريزية طفولية، هي رغبتي في مشاركة ما أستمتع به بنفسي مع الغير، وفي اليوم الذي تبلورت هذه الرغبة بين ثنايا عقل غير واعٍ، قررت يومها أن أصبح كاتباً وأحكي مغامراتي المشوقة للغير، وكلما زادت خبرتي وتمكني زاد التركيز والتفصيل في عرض حقائق الكون والغوص في أعماق الذات البشرية، وهذا ببساطة يرتبط مع إجابة السؤال الأول، في كوني اعتبر نفسي أديباً روائياً أم لا.. 

- ماذا تأمل في المستقبل القريب والبعيد؟ 

- المستقبل وكما أعتبر نفسي أحد كتابه، صورة لا يمكن التنبؤ بها كلياً، فصحيح أن بإمكاننا التقدير والتصور الممكن، ولكن يقع كل ذلك في مجال الاحتمال وقوعه وعلم الغيب، لذلك أجيب وبكل بساطة عن تساؤلك السابق، بأنني أرغب بتحقيق المزيد، المزيد بقدر المستطاع، حتى أستطيع محاربة قبح هذا العالم، حتى أستطيع أن أنجو، وأحصل على فرصة أفضل ومستقبل مغاير، بعيداً عن كل ما يرهق النفس ويثقل الكاهل، حيث الهدوء والسكينة وراحة البال، وبعون الله عندما أستقر سأحاول تحقيق المزيد بقدر المستطاع.