الحوثي يحول المولد النبوي إلى موسم للنهب و"خومنة" اليمن

تقارير - Saturday 09 October 2021 الساعة 07:58 am
صنعاء، نيوزيمن، تقرير خاص:

عمدت المليشيات الحوثية، الذراع الإيرانية في اليمن، منذ سيطرتها على صنعاء ومؤسسات الدولة في 21 سبتمبر 2014م بقوة السلاح، إلى إقامة احتفالات لعديد مناسبات سياسية ومذهبية خاصة بها، منها يوم الولاية (يوم الغدير) و"يوم المرأة المسلمة"، وذكرى مصرع مؤسسها حسين بدرالدين الحوثي ووالده بدر الدين الحوثي، ذكرى انقلابها المشؤوم.

وعلى الرغم من أن الاحتفاء بالمولد النبوي الشريف خلال العقود الماضية ظل إحدى المناسبات التي سمح للناس فيها الاحتفاء بالطريقة التي تلائمهم وتناسبهم بعيدا عن تدخل الدولة وسلطاتها، إلا أن مليشيات الحوثي لاستغلال هذه المناسبة باعتبارها مناسبة تخصها هي كحركة مذهبية وسياسية، عمدت إلى إحياء الاحتفال بهذه المناسبة بطرق خاصة بها لا صلة لها بعظمة هذه المناسبة ولا بقيم النبي صلى الله عليه وسلم، ولا بمبادئ رسالته الإسلامية.

مناسبة لتكريس ثقافة إيران

رغم شيوع موقف مذهبي كان يعتبر الاحتفاء بالمولد النبوي نوعا من البدعة ويحرمها، إلا أنه ليس ثمة اختلاف بين اليمنيين أن الاحتفاء بالمولد النبوي، خلال العقود الماضية منذ الثورة اليمنية 26 سبتمبر و14 اكتوبر وحتى بعد قيام الجمهورية اليمنية في 1990م، كان مناسبة دينية ترك للناس حرية وطريقة الاحتفاء بها، حيث كانت تقام الموالد الاحتفائية التي تشهد الأناشيد والموالد الاحتفالية البعيدة عن الأساليب المسيسة حتى جاءت مليشيات الحوثي وانقلبت على السلطة وبدأت بتحويل مناسبة الاحتفاء بالمولد النبوي إلى مناسبة لنشر الشعارات المرتبطة بإيران وفكر الملالي الذين يحكمونها.

ولعل أبرز الأدلة على ذلك هو حرص المليشيات الحوثية على استخدام اللون الأخضر المرتبط بإيران لتزيين الشوارع والمحلات والمنازل ومقار مؤسسات الدولة الرسمية وبشكل هستيري يشبه ذات الأساليب الاحتفالية وتزيين الشوارع في طهران بهذه المناسبة.

وعلى غرار الأساليب الإيرانية التي تعمد إلى استخدام هذه المناسبة لنشر ثقافة الكراهية للمذاهب الأخرى وإظهار أنها التي تحب الرسول وتحتفي بمولده تكرر المليشيات الحوثية ذات الأساليب من خلال ربط الاحتفاء بهذه المناسبة بإصدار مواقف سياسية ودينية ضد خصومها فضلا عن تأكيد ارتباطها سياسيا بما يسمى محور المقاومة الذي تتزعمه إيران.

نشر مفاهيم التكفير ضد الآخر

في خطابات زعيم المليشيات الحوثية تعمد المليشيات إلى استخدام مناسبة المولد النبوي لنشر مفاهيم تكفر الآخر من خصومها سواء المذهبيين أو السياسيين، حيث نلاحظ في خطاب زعيم المليشيات عبدالملك الحوثي الذي ألقاه، يوم الخميس الموافق 7 أكتوبر الجاري، أنه يكفر من يزعم أنهم أتباع التيار الوهابي لموقفهم من الاحتفاء بمولد النبي، ويرى أنهم كفار، فيما يصف كل من يعلن عن موقف مناهض ومعارض لسياسة وتوجهات المليشيات فيما يخص الاحتفاء بمولد النبي بأنهم منافقون يشبهون المنافقين الذين كانوا يتواجدون في المدينة إبان فترة النبي محمد صلى الله عليه وسلم.

ذات الفكر يشنه إعلاميو وقيادات المليشيات ضد كل من ينتقد طريقة احتفالهم وأساليبهم المستخدمة في هذه الفعالية، وكدليل على ذلك، شنت قيادات سياسية وإعلامية حوثية حملة تكفير وتخوين ضد كل من نشر موقفا معارضا لطريقة احتفال المليشيات بمولد النبي عبر جباية أموال الناس ووصفوهم بالمنافقين.

وتكاد مواقف قيادات وسياسيي وإعلاميي وناشطي المليشيات تتفق على أن كل من يبدي أي رأي بشأن احتفائهم بمولد النبي بهذه الأساليب بأنه كافر ومنافق وعميل ومرتزق وتابع لدول التحالف، وتزعم أنه يتقاضى منهم مبالغ مالية نظير ما ينشره من مواقف حتى ولو كانت مدعمة بالأدلة التي تؤكد موقفه، وهو ذات الأسلوب والطريقة التي تستخدمها المليشيات في تكفير كل معارضيها وخصومها الذين ينتقدون أو يرفضون أو يعبرون عن موقفهم من شعار صرخة الموت الخاصة بها والتي أخذتها كتقليد لمواقف إيران السياسية.

سرقة المواطن باسم (النبي) 

قبل عدة أيام نشر القيادي الحوثي وعضو ما يسمى بالمجلس السياسي محمد علي الحوثي، تغريدة على صفحته بتويتر يقترح فيها خصم قسط من راتب كل موظف لمرة واحدة في السنة لبناء مستشفى باسم النبي محمد بمناسبة ذكرى الاحتفاء بمولده..

التغريدة لاقت انتقادات واسعة حتى من بعض الإعلاميين والناشطين التابعين للمليشيات الذين استغربوا من هكذا اقتراح في ظل انقطاع رواتب الموظفين وعدم تسليم المليشيات لمرتباتهم منذ ست سنوات، لكن القيادي الحوثي محمد علي الحوثي وبعد أن حذف التغريدة الخاصة بالمقترح عاد وذهب لحضور اجتماع للحكومة التي تسيطر عليها المليشيات وطرح هذا المقترح الذي أقرته الحكومة، وعمد إلى نشر قرار موافقة الحكومة على مقترحه بآيات قرآنية.

واعتبر مقترح الحوثي حول خصم قسط من مرتبات الموظفين أو نصف المرتب الذي تصرفه المليشيات بين فترة وأخرى، أحدث وسيلة ابتزاز ونهب تمارسه المليشيات بحق أموال الناس باسم الاحتفاء بمولد النبي.

وفي هذا الإطار انتقد القيادي الاشتراكي الموالي للمليشيات الحوثية، والذي شغل منصب عضو ما كان يسمى باللجنة الثورية العليا التي كان يرأسها محمد علي الحوثي التي تولت إدارة السلطة عقب انقلاب المليشيات، هذا الموقف وقال في تغريدة له على موقع تويتر، "الله ورسوله أحب إلينا من أنفسنا وسنبذل ما نستطيعه ضد من يستفزنا في عقيدتنا بهما، ولكننا لا نرى ثمة خطرا عليهما، ونعتقد يقينا أن أخذ أموال الناس بغير حق باسم الاحتفاء بذكرى النبي الأكرم يسيء إلى نبينا الكريم ويستفزنا في عقيدتنا به وبحبنا له ويفسد علينا المناسبة الشريفة بذكراه العطرة".

وفي مقابل ذلك شنت قيادات سياسية وإعلامية حوثية هجوما كبيرا على المقالح ووصفته بالمنافق والمردد لمواقف الأعداء، وأنه بذلك يعادي النبي.

 وذهب البعض منهم لإنكار وجود أي جبايات لأموال الناس، بل إن زعيم المليشيات في خطابه الأخير زعم أنه لا يوجد أي جبايات لأموال الناس باسم هذه المناسبة، بل ذهب للزعم بالقول، (الذي يجب أن نحذر منه وأن ننبه عليه أنه من الممنوع أي جباية مالية إجبارية للمناسبة، وإذا أحد تعرض لضغوط على التعاون من أجل هذه المناسبة بإمكانه أن يبلغ عبر الأرقام التي ووزعت للشكاوى).

وفي تعليقه على مزاعم زعيم المليشيات التي دعا فيها أي واحد يفرض عليه جباية إلى ابلاغ الجهات المختصة، قال الكاتب والصحفي والناشط كامل الخوداني: (حد يقول لهذا الدجال أن اللي يفرض الجبايات أصلا هي الجهات المختصة.. انتبهوا حد يصدقه ويودف، حرام ما عاد يبصر دبة غاز).

تعليق الخوداني يتفق وأحد أساليب المليشيات التي تحرص على ربط توزيع الغاز المنزلي بالتبرع لفعالية الاحتفاء بالمولد النبوي، وهو ما يؤكده عدد من عقال الحارات في صنعاء في تصريحات لنيوزيمن، حيث قالوا: بأن المليشيات الحوثية عمدت هذا العام إلى إبلاغهم بضرورة جمع قيمة أسطوانات الغاز من المواطنين قبيل موعد تسليمها بأسبوع، واشترطوا ربط عملية استلام قيمة الغاز من كل مواطن بتبرعه لفعالية الاحتفاء بالمولد النبوي.

وأضافوا: إن لجان المليشيات المشرفة على توزيع الغاز في المديريات طلبت منهم كشوفات بأسماء المواطنين الذين دفعوا قيمة أسطوانات الغاز على مستوى الحارات مرفقة بكشوفات بما تبرع به كل مواطن للاحتفاء بالمولد النبوي وبحيث تتولى هذه اللجان تقييم مدى قيام كل عاقل حارة بالضغط على سكان حارته للتبرع لهذه المناسبة وحثهم على استخدام موضوع الحصول على أسطوانات الغاز كنوع من الضغط لجمع التبرعات.

جمع التبرعات عبر عقال الحارات يتزامن مع عمليات جبايات تشمل جميع شركات ومحلات ومؤسسات القطاع الخاص الكبيرة والصغيرة في صنعاء وبقية مناطق سيطرة المليشيات الحوثية وإلزامهم بدفع تبرعات نقدية وعينية للفعاليات التي تقيمها المليشيات باسم الاحتفاء بمولد النبي.

وكان أحد ملاك القاعات في صنعاء كشف في فيديو مسجل، عن محاولة المليشيات إجباره على فتح صالته لهم لإقامة فعالية احتفالية بالنبي دون دفع إيجارها، وقال إنه حين رفض ذلك وطلب منهم أن يدفعوا نصف المبلغ الذي يؤجر به القاعة قالوا له أنت تكره الرسول، مضيفا: لو كان الرسول موجودا هل كان سيدخل القاعة بدون دفع إيجارها...؟ كان سيدفع ضعف الإيجار.

وبالإضافة إلى ذلك تجبر المليشيات جميع المؤسسات والشركات والمحلات التجارية على تعليق الشعارات القماشية الخضراء كتعبير عن الاحتفاء بالمولد، وتشترط عليهم شراء هذه الشعارات والأقمشة من محلات تجارية وشركات دعائية تابعة لبعض قيادات المليشيات.

وقال (إبراهيم م ص) وهو صاحب شركة دعاية وإعلان في صنعاء لنيوزيمن: إن مليشيات الحوثي ترغم التجار على شراء الأقمشة واللوحات الإعلانية وكافة مستلزمات الدعاية للاحتفاء بمناسبة المولد النبوي وحتى بقية الفعاليات الخاصة بها من شركات دعاية وإعلان محدودة، وهي تلك التي تتبع لقيادات حوثية، وهو الأمر الذي تستطيع من خلاله جباية مئات ملايين الريالات.

وأضاف: معظم، إن لم تكن جميع شركات الدعاية والإعلان في صنعاء، لا يسمح لها بالعمل في هذا الجانب إلا في حدود علاقاتها ببعض التجار الذين يضطرون لتعليق الشعارات الاحتفالية بالمولد النبوي حسب طلب المليشيات، ويشترطون مقابل ذلك توليهم شراء هذه الشعارات بما يناسبهم، فيما يرغم الكثير على الذهاب إلى شركات محددة سلفا.

وتمتد عمليات الاستغلال للاحتفاء بميلاد النبي من قبل مليشيات الحوثي إلى تحويله إلى فرصة لممارسة عمليات فساد مالي داخل مؤسسات الدولة. حيث يتم تخصيص ميزانيات خاصة من قبل هذه المؤسسات بمبرر الاحتفاء بالمولد النبوي، وهو ما يسمح للقيادات الحوثية التي تدير هذه المؤسسات القيام بعمليات سرقة ونهب لهذه الميزانيات.

وقال محمد أبو عاصم وهو موظف في جهاز الرقابة والمحاسبة الخاضع لسيطرة المليشيات لنيوزيمن: إن اللجان التابعة للجهاز اكتشفت عمليات نهب واختلاس لملايين الريالات في عدة مؤسسات حكومية باسم دعم وإقامة فعاليات الاحتفاء بالمولد النبوي خلال السنوات السابقة.

وأضاف: ورغم رفع اللجان تقارير بأسماء القيادات المتهمة بعمليات الاختلاس ومعظمها، إن لم يكن كلها، قيادات حوثية إلا أن هذه التقارير إما يتم اخفاؤها من قبل قيادة الجهاز أحيانا أو من قبل مكتب الرئاسة أحيانا أخرى.