مصافي عدن.. معركة العيسي ضد معين والحكومة

السياسية - Friday 26 March 2021 الساعة 09:58 am
عدن، نيوزيمن، خاص:

أواخر ديسمبر من العام الماضي تفاجأ المواطنون في المناطق المحررة بتهاوي الدولار أمام الريال اليمني بأرقام غير مسبوقة خلال السنوات الماضية، بعد أن كاد يقترب من كسر حاجز الـ 1000 ريال.

حيث تراجع سعر الدولار عقب الإعلان عن تشكيل الحكومة الجديدة بعد مخاض شاق، إلى ما دون الـ 650 ريالاً، وفُسر ذلك على أنه تأثير لحالة التفاؤل السياسي، وللأنباء التي تحدثت عن وعود من الجانب السعودي بوديعة في البنك المركزي بعدن.

 إلا أن معاودة ارتفاع الدولار أمام الريال عقب عودة الحكومة إلى عدن بأيام فقط وعودتها إلى ذات المستوى السابق وتجاوزه الـ900 ريال، مثل شرارة للاحتجاجات الشعبية بالمناطق المحررة التي انتهت بمشهد اقتحام قصر المعاشيق الأسبوع الماضي.

الانخفاض المفاجئ والكبير للدولار وعودته إلى الارتفاع في أسابيع، أثار الشكوك والتساؤلات حول السعر الحقيقي للصرف في المناطق المحررة بعد أن كان ذريعة طباعة العملة الجديدة هي التفسير الوحيد لتفاوت سعره مع مناطق سيطرة جماعة الحوثي التي منعت التداول بها.

لتسقط هذه الذريعة بعد الانخفاض الذي شهده الدولار أواخر العام الماضي في المناطق المحررة واقترابه من سعر صرفه في مناطق الحوثي، وتثار أسئلة وشكوك حول وجود تلاعب في تحديد قيمة الريال أمام الدولار.

هذه الشكوك أكدها رئيس الوزراء معين عبدالملك في مؤتمر صحفي عقده في قصر المعاشيق في الـ11 من الشهر الحالي، حيث قال فيه بأن السعر العادل للصرف بحسب الخبراء الاقتصاديين هو أقل من 700 ريال مقابل الدولار الواحد.

مشيراً إلى أن السبب وراء تجاوزه لهذا السعر هي المضاربة خارج إطار البنك، وقال: بعض الأحيان يحصل ضغط ويرفع سعر العملة بشكل غير مبرر ولا واقعي ولا منطقي.

رئيس الوزراء كشف في حديثه عن نقطة هامة حول الجهة التي تمثل ضغطاً على العملة الصعبة، حيث قال بأن استيراد الوقود يمثل 60% من الطلب على العملة الصعبة في حين أن الباقي 40% من الطلب على العملة متعلق باستيراد الغذاء، مؤكداً أنه يمكن توفيره بشكل كبير.

معين أوضح أن حل هذه المعضلة وتخفيف الطلب على العملة الصعبة يتطلب إعادة دور مصافي عدن، مؤكداً وجود توجه حكومي لإعادة العمل في المصافي المتوقفة عن عملها بتكرير النفط الخام منذ 5 سنوات.

بشكل غير مباشر يؤكد حديث رئيس الوزراء بأن النسبة الأكبر من الضغط الذي يحصل على العملة الصعبة يأتي من كبار مستوردي المشتقات النفطية، وعلى رأسهم رجل الأعمال الإخواني أحمد العيسي، الذي يستحوذ على الحصة الأكبر من هذا المجال ويجعله في دائرة الاتهام بالتلاعب بالعملة الصعبة.

العيسي شن، مؤخراً، هجوماً عنيفاً ضد رئيس الوزراء، في حوار له مع مركز صنعاء للدراسات، دون ان يقدم سبباً مقنعاً لهذا الهجوم سوى اتهامه بانه تحول إلى "تاجر" ويستغل منصبه لذلك، في تناقض عجيب مع حقيقة كونه أيضاً تاجراً ويشغل منصب نائب مدير مكتب رئيس الجمهورية.

غياب التفسير المقنع من العيسي لهجومه على معين، يدفع إلى تفسير هذا الهجوم وربطه بموضوع العملة الصعبة وملف استيراد المشتقات النفطية الذي كان السبب الرئيسي في بداية الصراع بين الطرفين في ديسمبر عام 2019م، بقرار معين كسر احتكار العيسي لاستيراد المشتقات النفطية للمناطق المحررة.

كما أن توجه الحكومة لاستئناف العمل في مصافي عدن التي تبلغ قدرتها التشغيلية إلى تكرير 100 ألف برميل نفط يومياً، سيمثل ضربة اقتصادية لمستوردي المشتقات النفطية وعلى رأسهم العيسي. 

فالمصافي كانت تغطي نحو 50% من احتياج السوق المحلية من المشتقات النفطية قبل عام 2014م، واللافت أنها ظلت تعمل خلال معارك عدن عام 2015م، لتتوقف فجأة منتصف عام 2016م مع تولي أحمد بن دغر رئاسة الحكومة لتظل المصافي متوقفة في عهده بشكل غامض، وهو ما ولدت اتهامات للرجل بالتواطؤ مع العيسي في ذلك.

وما زاد من هذه الاتهامات توجه حكومة بن دغر في أبريل من عام 2017م إلى التعاقد مع شركات خاصة لإنتاج الطاقة الكهربائية في المحافظات المحررة بمولدات الديزل رغم كلفتها الباهظة، وهو ما زاد من الطلب على استيراد الديزل بملايين الدولارات شهرياً.

وأقرت حكومة بن دغر في نوفمبر من عام 2018م بأن كلفة شراء الديزل لمحطات الطاقة المشتراة والمحطات الحكومية يصل إلى نحو 48 مليون دولار شهرياً، وهو ما أنعش أرباح العيسي الذي احتكرت شركاته استيراد المشتقات في تلك الفترة مع استمرار توقف المصافي عن العمل.

ومع تضاعف أرباح العيسي كانت خسائر الحكومة تتضاعف على أكثر من صعيد، اقتصادياً باستنزاف العملة الصعبة من السوق أو من عائدات تصدير النفط الخام ما تسبب بانهيار العملة المحلية، لتواجه خسائر شعبية بغضب ونقمة من ارتفاع الأسعار وعدم تحسن الخدمات وعلى رأسها الكهرباء التي لم تتحسن رغم التكلفة الباهظة.

خسائر جعلت من إعادة مصافي عدن للعمل مسألة ملحة بالنسبة للحكومة للتخفيف من الضغط على العملة الصعبة بتقليل عملية استيراد المشتقات النفطية وبالتالي تحسن الريال، ومن جانب آخر تحسن الخدمات بتوفير وقود للكهرباء وجزء من حاجة السوق للمشتقات النفطية.

لكن ذلك في المقابل يعني خسائر لمستوردي المشتقات النفطية وعلى رأسهم العيسي الذي هاجم بشدة معين في حواره مع مركز صنعاء، وكان لافتاً أن الحوار تم إجراؤه في شهر يناير الماضي، لكن تم نشره مؤخراً، عقب المؤتمر الصحفي الأخير لرئيس الوزراء والذي ربط فيه بين تدهور العملة المحلية وعمليات استيراد المشتقات النفطية وضرورة استئناف العمل في المصافي.

وأعقب هذه التصريحات خطوات عملية نحو ذلك، حيث وصل إلى العاصمة عدن، يوم الجمعة الماضية، فريق صيني متخصص لاستكمال عدد من مشاريع التطوير والتحديث في شركة المصافي.

كما أصدر رئيس الوزراء قراراً بتشكيل لجنة برئاسة نائب وزير النفط سعيد الشماسي لإدارة المصافي مع منحه كامل الصلاحيات وإعطاء المدير التنفيذي لمصافي عدن محمد البكري، إجازة مفتوحة، والمتواجد خارج اليمن منذ فترة طويلة، ويُتهم بأنه من المحسوبين على العيسي.