عميرة المخا: حينما شاهدتُ عظمة ساقي بيضاء وحيدة لا تكسوها الأنسجة
المخا تهامة - Sunday 03 January 2021 الساعة 10:50 amحينما ذهب رشاد عميرة، عصر الثالث عشر من شهر سبتمبر 2019، للعمل على متن شاحنة يعمل عليها بالمخا انفجر به لغم حوثي.
يقول عميرة، البالغ من العمر 48 عاماً، كنت متحمساً لأداء عملي، وليس هناك ما يثير القلق كون المنطقة التي أجلب منها " النيس" -وهي مادة تستخدم في مجال البناء- محررة، وتقع بمحاذاة الخط الإسفلتي القريب من المحطة البخارية بالمخا.
كانت الشمس تقترب من الغروب، حينما انتهى عاملان جلبتهما معي، من ملء شاحنتي بتلك المادة التي تكونها سيول الأمطار القادمة من الجبال المحيطة بالمخا من جهة الشرق.
وبعد مضي ثوان معدودة من قيادتي للشاحنة، سمعت صوت انفجار قوي، قلت صائحاً، يا الله إنه لغم، وفجأة وجدت نفسي ملقيا على الأرض، إذ كان الانفجار في الجهة التي أجلس فيها، وقد قذف بي إلى خارج الشاحنة.
عندما هرول العمال لنجدتي، ظننت أنني على ما يرام، لم أكن أشعر بأي ألم، حينها حاولت الوقوف على قدمي، دونما أتمكن من ذلك، أزحت الملابس عن ساقي وهالني مشاهدة اللحم المهترئ متكوما أسفل القدم، فيما كانت عظمة الساق بيضاء وحيدة، لا لحم تكسوه الأنسجة.
كان مشهدا مروعا ومخيفا، وأيقنت أنني على وشك الهلاك. لقد دفعني ذلك إلى تحسس بقية جسدي لأعلم انني أصبت أيضا بكسور في قدمي اليمنى.
ورغم الصدمات المتلاحقة لم أفقد الوعي، بل بقيت صامدا أمام كل ذلك، حتى إنني قلت للعمال لحظتها، إنني مصاب ارجوكم ساعدوني، حاولوا اسعافي، رغم أنني كنت في حالة تثير الرثى، إلا أنني حاولت التماسك.
لم تكن هناك أي دماء، ونقلت إلى المستشفى الجراحي التابع لأطباء بلا حدود، عبر سيارة إسعاف مرت بالقرب منا بالصدفة، عندما وصلت المستشفى قلت في نفسي، لقد نجوت من موت محقق، لكن فصول الحادثة الأليمة بدأت تتوالى، على نحو أشد إيلاما.
إذ بدأت أشعر بألم لا يحتمل، لقد كان أشبه بجلوسي على فوهة موقد مشتعل، لقد كنت أشعر أن جلدي يحترق، وكان ذلك كفيلا بدخولى في غيبوبة، لم أفق منها سوى اليوم التالي.
حينها عرفت أنني خسرت قدمي، إذ إن التلف الكبير الذي تعرضت له، وقناعة الأطباء بعدم جدوى إعادة معالجتها، دفعهم لبترها، لقد كانت لحظات تثير الأسى من أنني تحولت إلى شخص معاق، بفعل اللغم الحوثي.
نقلت إلى عدن ومنها إلى تعز في رحلة علاج قاسية امتدت لستة أشهر، وخسرت خلالها ما يربو عن خمسة ملايين ريال، بعضها تم اقتراضها من أصدقاء ومعاريف، فيما البقية الأخرى عبر بيع ممتلكات عينية.
لكن خسارتي المالية لا تقارن بخسارتك جزء من جسدك وتعرضك لمحنة قاسية وآلام وقعها ما تزال حاضرة في ذهني حتى اليوم.