عن نبراس عامر.. خواطر سريعة

السياسية - Tuesday 02 June 2020 الساعة 09:00 am
نيوزيمن، كتب/ محمد عبده الشجاع:

قصص محزنة ومضاعفات أليمة على المستوى النفسي والجسدي والذهني لم نكن على اطلاع بها، وحدها نبراس من كانت تعي حجم ما تمر به.

هنا يكمن سر الرهبة؛ رهبة الفراق، وسر الوجع والجزع، ففي التفاصيل الصغيرة والنمنمات المتناهية تكون الأوجاع القاهرة.

نبراس إعلامية هادئة جدًا في حركتها وحديثها، حتى ابتسامتها، لا أعرفها كثيرًا ولم أكن قريبا منها إلا من أحاديث جانبية قليلة.

جمعتني بها كضيف حلقتين صباحية في برنامج "صباحك وطن" قناة اليمن اليوم، وكنت ضيفها في العديد من حلقات برنامج "الصحافة اليوم".

في إحدى حلقات الصحافة كانت نبراس لا تزال كما رأيتها للمرة الأولى، في حلقة تالية وجدتها فجأة وقد تغيرت تماما، قلت يبدو أنها عملت "ريجيم" رغم أنها ليست سمينة.

لم أستطع سؤالها لأني أراها متعبة وقد تغيرت تماما حتى المساحيق لم تعد مجدية في إخفاء المعاناة.

سألتها المرة التالية "سلامات يا أستاذة نبراس مالك"؟ أجابت بلطف وهدوء "الحمد لله مجرد إرهاق وتعب لا أكثر".

حاولتْ الاستمرار في العمل وبِصمتٍ ظلت تداري آلامها ومرضها العضال الذي قفز فجأة إلى الواجهة ليبدأ رحلته الخطيرة في جسدها.

حين علمتُ بحقيقة "الفشل الكلوي" صُدمت، ليس لأنها أول شخص يصاب بهذا الداء، بل لأني تذكرت محاولة هروبها نحو الحياة وبصمت.

اتصل بي العديد من الأصدقاء بحكم علاقتي ببعض إعلاميي القناة، وظهوري فيها من وقت لآخر، معتقدين أنني على اطلاع بكل شيء، وهو سؤال تكرر كثيرًا، أخبرتهم أن علاقتي بالقناة لا تتجاوز مجرد ضيف يحل لبعض الوقت ثم يغادر.

قال لي أحدهم "نبراس يجب أن لا تموت"، ثم أضاف "هذه المرأة يجب أن تعيش"، هذا الصديق لا يعرفها لكنه يتألم للطرق التي يموت بها اليمنيون في كل لحظة خارج وداخل بلدهم، اليوم كلما أتذكر حديثه أبكي.

أليس ظلماً أن يكون آخر "حلم" اليمني، هو أن يموت في وطنه بين أهله، وأن يدفن في مقبرة مدينته أو منطقته ولا يستطيع!

الموت حقيقة مطلقة لكن الذي حل بنا في السنوات الأخيرة نحن اليمنيين وقد كنا في منأى أمر غير منصف ولا عادل.

نبراس.. الحزن سيبقى هو الحزن، والفراق ربما راحة لكن الذين اعتادوا عليك كأختكِ مثلًا ستيعيش عتمة لزمن طويل.

لقد فشلنا يا نبراس جميعا في إيقاف الموت ونحن لسنا قلة، فشلنا في استعادة وطننا ونحن كثرة.

وفشلنا أيضًا في التعافي من أمراض مزمنة؛ العنصرية، الطائفية، القتل خارج القانون، الفساد المنظم، الفوضى وهدم الصروح.

أن تموت بعيدًا عن الوطن لأن أناسًا حكموا علينا بذلك بحجة أنهم وكلاء الله على الأرض وخاصته، فهي والله لطامة كبرى.