مشاهد رمضانية: صنعاء في ظل (آيات اللهف)

تقارير - Wednesday 29 April 2020 الساعة 02:05 am
صنعاء، نيوزيمن، فارس جميل:

المشهد الأول:

أوقفني ضابط مرور وطلب توصيله على طريقي، كان الوقت بعد العصر في اليوم الثاني من رمضان، وقد غادر مقر عمله عابساً لأنهم لم يقبلوا صرف مساعدة مالية ضئيلة رفع بها إلى مديره لشراء مقاضي رمضان.

كنت أستمع إلى أبوبكر سالم بلفقيه حين صعد سيارتي، وقمت بتخفيض صوت المسجلة لأسمع حديثه، لكنه مد يده إلى مفتاح الصوت ورفعه أعلى مما كان.

- أمانة يا أستاذ، خليك على بلفقيه، وانتبه تسمع زوامل.

- ههههه ولا يهمك.

- كلامي جد والله، الوطن يحتاج من لا يزال يسمع بلفقيه وغيره، في مرحلة ما بعد الزوامل.

- شكلهم زعلوك قوي!!

- حتى لو حبوا رأسي، والله إن وقتهم قصير، ولا يمكن أن أكون معهم.

- بس شكلهم يشتوك تحب رؤوسهم، مش العكس.

- يشتونا نحب ركبهم لو نصدقهم، لكن يأكل حقوقي ويطلبني أطبل لسيده، وأرسل عيالي للموت من أجله، والله ما تمت له لو يقطع رأسي، دخلنا لهم مليارات بملاحقة المساكين من أصحاب السيارات، وإجبارهم على دفع جمارك جديدة، وهم مجمركين بالشحن، وكأن المهرة تبع دولة موزمبيق مش محافظة يمنية، ومع هذا أكلوها هم والمشرفين حقهم، ورفضوا يصرفوا لي حتى مساعدة صغيرة أقل من قيمة تخزينة مشرف حوثي. يا رجل حتى رئيس العصابة عندما تشتغل معه ويربح فلوس يدفع لك نصيبك، قد الموظفين يشتوا يأكلوهم أكل.

- طيب ليش ما ترفضوا هذا الوضع، أنت وزملاؤك قصدي؟

- يا أستاذ: هؤلاء مجرمين، واحنا معنا أولاد وحريم، وهادي وعصابته نسوا أننا مواطنين يمنيين، جنب لي هنا الله يحفظك.

- الله معك.

المشهد الثاني:

كان شارع الجزائر مزدحما بالسيارات، ولم نتحرك لدقائق.

كانت المرأة المسنة تمشي بصعوبة، وظهرها نصف مقوس، فرفعت رأسها قليلا لتتمكن من توجيه الكلام إلي، رافعة ورقة متهالكة لم أستطع قراءة مضمونها، واسترسلت في كلامها دون أن تنتظر ردا مني إلا للرد على تساؤلاتها:

- "الله يحفظ أولادك يا بني، ادي لي حق مواصلات أروح أعشي أحفادي الأيتام، كان هذا التاجر اللي يقولوا له فاهم (تقصد تاجر القمح الشهير حيدر فاهم) يصرف لنا مساعدات كل شهر، وآخر مرة ردونا عطل (بدون شيء)، قالوا الحويثة (الحوثيين) منعوهم يصرفوا لنا مساعدة، الله يزيلهم لو هو صدق، ايش فائدتهم يجوعوا الأيتام؟، تقول صدق منهم يا ولدي، أو يتعذروا لا يصرفوا لنا؟

- الله أعلم يا والدة، مش داري والله.

- رجعنا اليوم، قلنا رمضان، يمكن يتقوا الله ويساعدونا بما يسر الله، لكن قالوا لنا إن فاهم قد سلم الزكاة للحوثي، وهو يصرفها للفقراء، وأنهم منعوه يساعدنا، وهو وافق وافتجع (خاف) على أمواله يا ولدي، قدهم يفجعوا الناس بالمقعشين حقهم (أصحاب الشعر الطويل)، لكن معانا رب يزيل الظالم.

تحركت السيارات، فغادرتها ودعواتها تنصب على الحوثيين بوجع بالغ، ولا يمكن للمرارة التي يعكسها ذلك الدعاء والصوت المتهدج بالبكاء أن تترك ظالما.


المشهد الثالث:

كان الديوان ممتلئا بمجموعة من الموظفين يتناقشون حول دفع الحوثيين نصف راتب بمناسبة رمضان.

- فارحين إنهم يتصدقوا علينا بنصف مرتب، كلما طابت نفوسهم عيال الحرام.

- ههههههه القصة ثانية يا خبير، هم يسلموا نص راتب برمضان لأجل يخصموا زكاة الفطر، "كم الديك وكم مرقه"، لكن دولتهم.

- الزكاة فرض ما عليها خلاف، لكن كانوا زمان وعاد معنا مرتبات وحوافز يخصموا حق نفرين من المعاش بس، والباقي أنت وذمتك، اما الجماعة قد مروا بالكشوفات إلى كل مكتب يسألوا كل موظف عن عدد أولاده وزوجاته ومن يعولهم حتى لو مش من أولاده، ويخصموا زكاتهم كلهم، ما عاد يوصل الموظف إلا الفتات.

- تذكروا يوم أضربنا عن العمل، لأنهم أخروا حوافز رمضان أيام عفاش؟

- أيوة كنا أسود، واليوم النعاج أشجع مننا.

- كان معنا دولة، والدولة ما يفتجع منها إلا السرق، أما اليوم هي عصابة، وعصابة معها سلاح وسجون.

- اللي يقرح القلب إنهم أنشأوا هيئة جديدة للزكاة، على رأسها أكبر لص منهم (أحمد حامد، مدير مكتب الرئاسة المعين من الحوثيين)، يعني الزكاة مش للفقراء، قد هي للسرق.

- أيوة تسرق شعب بكله، وتعلن عن توزيع كسوة رمضان على عيال حقهم الدنق، وعادهم يسموهم (شهداء) وكأنهم قتلوا بغزوة بدر، والباقي لبو جهل وعياله من كفار قريش.

- والله أن احنا نستاهل يجرعونا المر، بحق ما فرحنا أنهم أسقطوا الجرعة وصدقنا لهم وطبلنا لسيدهم.

- ههههههه أي والله، عاد كان باسندوة يبكي وغيره يسرق، اليوم قد احنا نبكي احنا، وهم يضحكوا.

- يا جماعة لا تسدوها هكذا، خلونا نضحك وافتحوا لنا برنامج رامز، الله يلعن أبوها عصابة أبو ملعقة.

المشهد الرابع:

سيارة تويوتا دفع رباعي بدون لوحات، وعليها آثار تراب يغطيها بالكامل، إلا موضع اللوحات التي يبدو أنها نزعت منها حديثا، تعكس خط السير في شارع باب السلام التجاري الضيق والمزدحم بشدة، وتوقف حركة السير بالكامل.

سائق دراجة نارية، يخاطب رجل المرور عند وصوله لحل المشكلة:

- لا تزعل ولا شي يا فندم، شكله (سيد) وغشيم، مش من حق صنعاء.

- يا خبير صل ع النبي، أين ساير، قد سديت الشارع؟

- السوق يا خبير، مالك بتصيح؟

- طيب ارجع للخلف شوية تمر السيارات، أنت ماشي عكس، الشارع اتجاه واحد.

- ما أعرف أرجع ريوس، وقد ودفت ودخلت، قلهم يفسحوا ونتخارج (ومد قليلا من القات لرجل المرور).

- يا أخي خزن بقاتك أكرمك الله، خارجنا أنت، كيف يفسحوا وهم أكثر من عشرين سيارة وراء بعضهم؟

- تعال سوق أنت يا مرور، قلت لك ما أعرف أرجع ريوس، أنا وصال من الجبهة.

تدخل سائق إحدى السيارات وقام بقيادة سيارة الرجل للخلف، وفتح الشارع، فعلق سائق الدراجة النارية:

- كيف رجع من الجبهة وما عرف يرجع ريوس ههههههه

- هذا من آيات الله، ما تشوف القات بالشقين!!

- أيوة (آيات اللهف)، باين من الصورة.