الغارديان: تعز مدينة القناصين والإسلاميين.. كل الطرق إليها مسدودة (مترجم)

السياسية - Thursday 19 March 2020 الساعة 10:55 am
نيوزيمن، ترجمات:

نشرت صحيفة الغارديان البريطانية، مقالاً لـ «ليز دوسيت» سلط الضوء على ”معاناة تعز من الاقتتال الداخلي بين المليشيات المتنافسة، بما في ذلك الإسلاميون السياسيون التابعون لحزب الإصلاح والمتشددون الذين يتألفون من مسلحين متهمين بصلتهم بتنظيم القاعدة، ما يجعلها قابلة للاشتعال في أية لحظة“.


وفي هذه المساحة ينشر ”نيوزيمن“، نص المقال بعد ترجمته حرفياً من المصدر. 


رغم ما يطلق على اليمن غالباً "الحرب المنسية"، لكن هناك مدينة يمنية هي الأكثر نسياناً على الإطلاق.


فبينما نجلس قرب شارع مزدحم بالدراجات النارية ورنين أجراسها وعلى بعد بضعة متاجر، يرتشف الشبان أكواب الشاي الساخن ويحدقون للمارة.. يقول محمد صالح القيسي: "أريد أن يعرف العالم كله عن تعز.. أريدهم أن يروا ما هي تعز، وما الذي يحدث فيها". 


فلطالما عُرفت ثالث أكبر مدينة في اليمن بأنها عاصمة الثقافة. ولطالما افتخر أبناؤها بإنتاج مدينتهم أفضل الأشخاص تعليماً الذين أصبحوا أفضل المعلمين والمحامين والطيارين وهلم جرا من ذلك. لكنها اليوم اضحت المدينة المعروفة بأنها أطول ساحة قتال في اليمن، وأكثر المحافظات دموية في حرب اليمن المدمرة.


وتعاني تعز من الاقتتال الداخلي بين المليشيات المتنافسة، بما في ذلك الإسلاميون السياسيون التابعون لحزب الإصلاح والمتشددون الذين يتألفون من مسلحين متهمين بصلتهم بتنظيم القاعدة، ما يجعلها قابلة للاشتعال في أي لحظة.


إن الاهتمام بمحنة تعز قد طغى عليه القلق بشأن مصير ساحات المعارك الأكثر استراتيجية، بما في ذلك مدينة الحديدة المطلة على البحر الأحمر. حيث توصل آخر جهد كبير لدفع اليمن بعيدا عن الحرب في ديسمبر 2018، في مفاوضات بوساطة الأمم المتحدة في ستوكهولم، إلى "تفاهم" فقط حول الحاجة إلى التحدث عن تعز، لكن الاتفاق لم يتطرق أكثر من ذلك.


وإضافة تعز إلى قائمة التسوق الطويلة في اليمن جعلت الأمر أكثر صعوبة. يقول بيتر ساليسبيري من مجموعة الأزمات الدولية: "يرتبط مصير تعز بصورة أكبر بكثير في لعبة شطرنج ثلاثية الأبعاد".


ففي الأسابيع الأخيرة، وبعد واحدة من أكثر الفترات هدوءاً في هذه الحرب، كان هناك تصاعد في القتال على خطوط المواجهة الرئيسة في جميع أنحاء اليمن.


وتعز مدينة مقسمة إلى جزئين، في دلالة مشؤومة للصراع الأوسع الذي يمزق دولة بأكملها. فمن قمة جبل صبر، الجبل الشاهق في المدينة، داخل القشرة المجوفة المكسوة بما كان يوما ما منتجعا سياحيا ذا قيمة، هناك منظر رائع. حيث إن المنظر الذي لطالما جذب الزوار ذات مرة، يوفر اليوم أفضل نقطة لفهم تضاريس تعز السياسية.


فخط الجبهة يخترق المدينة من الشرق إلى الغرب، تاركاً ندبة خضراء وبنية ظاهرة. انتشرت الخضرة مثل مخالب عبر الأرض الخالية من البشر. ما وراء هذا الخط، حوالي ثلث تعز في أيدي الحوثيين الذين يسيطرون على المرتفعات المطلة على الحافة الشمالية للمدينة. فيما يخضع الباقي لإدارة الحكومة. وكلما اقتربت أكثر، ينكشف تماس يتصاعد مع التوتر.


وبعد الحصول على إذن من رئيس لجنة الحي في الجانب الحكومي، الذي يعرف أعضاؤه أنفسهم بأنهم "المقاومة"، ننزل خطوات متعرجة، تحمينا ظلال داكنة وجدران حجرية مليئة بثقوب الرصاص، باتجاه ممر مهجور إلى حد كبير.


يقول أحد مرافقينا مرتدياً غترة يمنية منقوشة وفوطة تقليدية، أثناء ما كنا نتجول قليلاً في الشارع المفتوح: "عائلتي مختبئة في المنزل ومن يخرج يطلق عليه الحوثيون النار". فالأسر عالقة في مرمى نيران كلا الجانبين حيث أعطت الحرب لقبا جديدا لتعز وهو "مدينة القناصين".


يهرع رجل آخر من خلفنا: "هناك شارع واحد فقط يفصل بيتي عن الحوثيين"، ملوحاً إلى الاتجاه الآخر وهو يلتقط أنفاسه: "كانت عائلتي خائفة للغاية عند رحيلها من هنا".


وما وراء هذا الزقاق، تمثل الحياة اليومية معركة. حيث يسيطر الحوثيون على جميع الطرق داخل وخارج تعز، باستثناء طريق واحد.


وقفنا على ما كان ذات يوم طريقا رئيسيا صاخبا يسير وسط تعز، ويربطها بالمدن الكبرى الأخرى بما في ذلك العاصمة صنعاء في الشمال.


كان الوصول إلى الجانب الآخر من تعز يستغرق فقط خمس دقائق بالسيارة، والآن يستغرق الأمر أكثر من خمس ساعات.


سلكنا ذلك الطريق الذي يعانق الجبال بتعرجاته المخيفة، بحيث يصطدم على طول مسار ترابي من خلال أشجار النخيل العالية ويمر عبر نقاط التفتيش التي تديرها مجموعات متنافسة. لم يتم منحنا إذناً من سلطات الحوثيين لقضاء بعض الوقت في الجانب الآخر.


فكل من نلتقي به في تعز يتذكر ما حدث له كما لو كان بالأمس. يقول مروان بغضب واضح "لا أحد يهتم بنا".


* ليز دوسيت


ترجمة من صحيفة الغارديان البريطانية.