مقارنة بين سلوك الإمام وسلوك الحوثي.. بشاعة التخلص من الخصوم والحلفاء.. وأشياء أخرى

السياسية - Thursday 25 July 2019 الساعة 10:51 pm
صنعاء، نيوزيمن، فارس جميل:

هناك تشابه حد التطابق بين طريقة الإمام يحيى حميد الدين في التعامل مع القبائل والمواطنين اليمنيين، من خاصمه منهم ومن والاه، تتمثل في الإمعان بالانتقام والبشاعة في القتل، وهدم البيوت، ونهب الأملاك، كسياسة ردع تعتمدها العصابات والجماعات الإرهابية كداعش والقاعدة، وحدها الأدنى نهب الأملاك ومصادرتها عند تغير العلاقة مع الأتباع مهما يكن حجم ما قدموه من خدمات، وما زالت قصائد الموشكي وسواه شاهدة على ذلك حتى اليوم حين خاطب الإمام قائلاً:

لله درك فارسا مغوارا

طعن السقوف ونازل الأحجارا

يا من هدمت الدار فوق صغارها

شكرا، فقد صيرتنا أحرارا

فليس ما قام به الحوثيون من قتل الشيخ الوروري بحرف سفيان، أو قتل وسحل مجاهد قشيرة في عمران بتلك الطريقة، بأمر غريب في تعامل الجماعة مع أتباعها الذين استخدمتهم مؤقتاً، ولا ما مارسوه مع خصومهم كما حدث مع القشيبي عند قتلهم له، وما قاموا به مع جثة الرئيس السابق علي عبدالله صالح وتزوير رواية مقتله، بغريب عن تاريخهم اليوم والأمس منذ أيام عبدالله بن حمزة ويحيى بن الحسين الرسي، وإن كانت هذه المادة ستقتصر على عهد الإمام يحيى حميد الدين لقرب عهده.

على سبيل المثال، قام قائد جيش الإمام عبدالله الوزير بنهب منزل عبدالوهاب نعمان، رغم أن الأخير كان أبرز قادة الإمام عند مهاجمة قلعة المقاطرة، لكن ضرورة كسر شوكته اجتماعياً استدعت نهب أمواله، وهذا الأمر البسيط مقارنة بتجارب آخرين ــ كما سيرد ــ حدث مع الضابط علي الذفيف الذي ساند الحوثيين في قتالهم بدماج وحاشد، فقام الحوثيون بنهب الأسلحة من منزله بعد وفاته في تنكر وقح كعادتهم.

حسب عبدالكريم مطهر، مؤرخ الإمام يحيى حميد الدين، وصف الإمام المقاتلين القبليين الذين جلبهم لقتال أبناء المقاطرة بـ(المجاهدين)، ثم وصفهم لاحقاً بـ"أنصار الحق"، وهو نفس التوصيف الذي وصف به الحوثي مقاتليه في صعدة واشتهروا به محلياً (المجاهدين)، قبل أن تطلق الجماعة على نفسها اسم أنصار الله، وهي تسمية وصف بها الإمام أحمد أتباعه في رسالته للوزير بعد ثورة 1948، وهي نفسها أنصار الحق حق الإمام يحيى من حيث الدلالة، واتهم الإمام المقاطرة بأنهم "تهاونوا بأمور الدين حتى لم يبق لديهم منه ومن تعاليمه ما يعدون به من أهل الإسلام" وهذا تكفير واضح لهم، وما زال الحوثيون يستخدمونه ضد خصومهم بأشكال مختلفة اليوم.

وحسب المؤرخ مطهر، كان الجيش الإمامي يكبر عندما يرى جثث أبناء المقاطرة وقد "شبعت من لحومهم النسور والعقبان"، وكان أنصار حق الإمام يحيى "يغنمون منهم ما لا يحصى، ويجتزون رؤوس كثير من قتلاهم ليحملها الأسرى إلى الإمام".

ويصف المؤرخ العسكري سلطان ناجي تلك الواقعة "اقتيد الأسرى إلى صنعاء مشياً على الأقدام وهم يحملون رؤوس القتلى من أقاربهم ليتلذذ الإمام برؤيتها وهي متعفنة بعد رحلة استمرت قرابة شهر كامل".

ومع هذا فلم يحقق مقاتلو الإمام نصراً على المقاطرة بقوة السلاح ولا بجدارة القتال، بل بالخديعة، حيث كلف الإمام أحد رجال الدين من تعز لإعطاء العهود والمواثيق لمقاتلي المقاطرة بأنه لن يحدث لهم شيء إن قاموا بفتح قلعتهم للإمام، فخانهم، وقام مسلحو الإمام بنهب كل شيء حتى حلي النساء، وهدم المنازل وهم يرددون "يا حجر اليهودي، روحي لا تعودي"، إذ لم تسقط المقاطرة إلا بالخديعة وفي العام الثاني من القتال والمقاومة العنيفة.

عندما قتل الزرانيق بعض جنود الإمام، عقد نجله أحمد صلحاً معهم عام 1926 حتى استعد لغزوهم عام 1928، بجيش ضخم من حاشد والقبائل الأخرى، لكن الزرانيق هزموهم بقوة مرة بعد مرة، حتى اضطر أحمد نفسه للقيام بقيادة الهجوم عليهم، ولكنه هزم أيضاً.

بعد ذلك الفشل تقدم يحيى بن إسماعيل الردمي، أحد قادة جيش الإمام بخطة لغزو الزرانيق، وافق عليها (أحمد يا جناه) كما أطلقوا عليه حينها، وتمكن الردمي فعلاً من دخول بيت الفقيه منتصراً، وأباح هو ونجل الإمام يومها لجيشهم، كما جرت العادة، نهب وحرق واستباحة حرمات الزرانيق لمدة أسبوع كامل، بعدها قام أحمد حميد الدين مباشرة بتصفية حسابه مع الردمي الذي كان صاحب الانتصار الحقيقي واستعجل بإبلاغ الإمام يحيى بذلك قبل أن يقوم هو بالمهمة، ما يحط من قدره وسمعته ويرفع شأن الردمي على حسابه، وكان لا بد من التخلص منه كعادة الأئمة عند ظهور قائد قوي ليس منهم، ولو قاتل معهم بكل إخلاص.

قام أحمد بالقبض على الردمي وطلاء جسمه بالزيت والقطران المغلي وربطه إلى أحد المدافع بعد أن علق عدة زجاجات من الخمور في عنقه، واتهمه بأنه يتعاطى المسكرات، وقام بجلده مائة جلدة على مرأى من جنوده، ولاحقاً تم صلبه في الحديدة لعدة أيام حتى تحللت جثته تحت أشعة شمسها الحارقة، بينما تم اعتقال 800 رجل من الزرانيق وتقييدهم بالسلاسل والقيود الحديدية وجعلهم يمشون على أقدامهم في قيودهم إلى سجن حجة الذي تركهم فيه حتى ماتوا جميعاً، وهناك مقبرة شهيرة بحجة اسمها "مقبرة الزرانيق".

ألم يقم الحوثيون بنفس السلوك عند قتل أتباعهم الذين قاتلوا معهم، وتشويه سمعتهم كما حدث مع مجاهد قشيرة مؤخراً؟!

كان القردعي مندوب الإمام يحيى في شبوة الذي رفض تقدم الإنجليز فيها، إلى أن خانه الإمام ووقف إمداده ودعمه، فقال القردعي:

قدهم على شور من صنعاء إلى لندن

متآمرين كلهم، سيد ونصراني

كان القردعي محتفظاً بكرامته ومعتزاً بنفسه بشكل لم يتحمل معه قيام الإمام بسجنه، وبعد تمكنه من الفرار من سجونه المعتمة، عاد إلى صنعاء وأطلق الرصاص عليه في كمين حزيز الشهير، ولن تعدم اليمن أبطالاً مثله اليوم يردون على إهانات الحوثيين لهم بنفس طريقته.

وكما استغل الحوثيون ضباط الجيش اليمني لتدريب مقاتليهم، وأجبروا شيوخ القبائل على تجنيد أبناء قبائلهم للقتال معهم، فقد قام الإمام باستبقاء ضباط أتراك لتدريب جيشه مع ضباط يمنيين دربهم الأتراك، وأجبر شيوخ القبائل على إرسال مجندين، مع ضمانات وكفلاء ميسورين من كل قبيلة تجبرهم على دفع قيمة البندقية التي صرفت للجندي في حالة أسره أو فراره من الخدمة.

وكما صادر الحوثيون مبانيَ خاصة وعامة لمصلحتهم بذرائع عدة لا تنفي حقيقة اعتبار ذلك نهباً وسرقة لأموال الغير ومؤسسات الدولة، أمر الإمام يحيى بسد نوافذ الثكنات العسكرية التركية بالأحجار بعد أن أصبحت ثكنات لجيشه الجديد (الجيش المظفر) الذي لم يظفر بأي معركة إلا قهر المواطنين، وكانت الذريعة أن النوافذ تسبب دخول الريح الذي بدروه يطفئ مصابيح الإضاءة التي تعمل بالجاز، لكنه أمر بنقل زجاج تلك النوافذ ليستخدمها في نوافذ قصره الجديد (قصر السعادة)، وكان ذلك هو السبب الحقيقي.

وكما يفرض الحوثيون دفع مبالغ مالية بمسمى (المجهود الحربي) على من لا يدفعون بأبنائهم إلى جبهات الموت مع الجماعة، فبعد أن أخضع القبائل فرض الإمام التجنيد الإجباري على أبنائها، وفرض غرامة قدرها 100 ريال فرانصي على كل شخص معاق أو عاجز عن التجنيد، لإعفائه من التجنيد، بينما كان راتب الجندي كبير السن أربعة ريالات، وراتب الجندي صغير السن ريالين فقط، أي أن الغرامة تعادل راتب الجندي الكبير لمدة 25 شهراً، وراتب الجندي الصغير لمدة 50 شهراً، وكان يستقطع منها ريالاً كل شهر ثمناً للبدلة التي تصرف للمجند وثمنها 12 ريالاً.

وأيضاً كما شكل الحوثيون "اللجان الشعبية" ككيان موازٍ للجيش النظامي حتى بعد سيطرتهم عليه، فقد شكل الإمام "الجيش البراني" الذي نافس الجيش النظامي لأنه لا يريد له أن يكون قوياً لدرجة يمكن أن يمثل فيها تهديداً له، كما أن الفرد من الجيش البراني كان يمارس أعمالاً إرهابية ضد المواطنين بدرجة أكبر مما يفعل الفرد من الجيش النظامي، وهذا ما زال ينطبق على سلوكيات اللجان الشعبية اليوم.

وكما فرض الحوثيون على أفراد وضباط الأمن تحديداً الاستماع إلى محاضرات عبدالملك الحوثي الرمضانية، والدعاء له بعدها بالنصر بصوت عبدالعظيم عزالدين، ويفرض ذلك في كل ما يسمى بـ"الدورات الثقافية" للجماعة، كان هناك مادة في أنظمة الجيش الإمامي تسمى "مادة الأدب"، تنص على خصم قسط يوم كامل من راتبه إذا تأخر عن التعداد المسائي الذي يجري فيه الدعاء للإمام "حفظ الله الإمام، نصر الله الإمام"، وإذا قتل الجندي في المعركة يتم تنفيذ العسكر على أسرته مع إشعارهم بمقتله لتدفع ثمن البندقية، وحتى ثمن الملابس التي تم أساساً خصم ثمنها من راتبه مسبقاً.

ألم يقم الحوثيون بإهانة الجيش اليمني، ووقف مرتباته بتلك الطريقة، وحتى من قاتل في صفهم، ألم يتركوا قيادة أعلى الرتب في الجيش لأفراد من سلالتهم ليس لديها أية خبرة ولا تاريخ عسكري، وتم منحها أعلى الرتب العسكرية رغم ذلك، دون أي خجل.

كما ورث الحوثيون مؤسسات الدولة اليمنية مخازن أسلحتها منذ 2014، ورث الإمام يحيى مؤسسات الدولة التركية، فقام بتحويل مشافي ومؤسسات الأتراك إلى قصور له ولأسرته، وأوقف كل عملية تحديث ممكنة في الصحة والتعليم والجيش، وسخر كل شيء للتسبيح بحمده، وقمع كل صوت ينتقده متهماً إياه بالخروج عن الدين، ويتهمه باختصار القرآن، كما حدث عند اقتراح فكرة وضع مناهج حديثة من قبل الوريث.

وكما يسمون أسلحتهم المهربة أو المنهوبة من مخازن الجيش اليمني اليوم بأسماء من نوع بدر وزلزال وقاصف... إلخ، فقد سمى الإمام ما تبقى في مخازن الجيش التركي والجندرمة بعد انسحاب الأتراك بأسماء لا صلة لها بالحقيقة كمدفع برق لاح، ومدفع ساري عطش، وهي مدافع تركية قديمة تجرها البغال.

لقد اختار الحوثي تاريخ ذكرى تولي البدر آخر الأئمة من آل حميدالدين (21 سبتمبر 1962) لاقتحام صنعاء في سبتمبر 2014، واختاروا تاريخ ذكرى فك حصار صنعاء (6 فبراير 1968) لفعالية (الإعلان الدستوري) في فبراير 2015، أليس ذلك مؤشراً منطقياً لإعادة الحياة إلى روح نظام الإمامة الذي ثار عليه اليمنيون وقدموا آلاف الشهداء في سبيل ذلك؟!

إنها نسخ مطورة من بعضها، فالإمامة تشبه بعضها، وستستمر حتى يتوحد اليمنيون ضد زيف الكهنوت الطائفي السلالي، وهذا سيحدث حتماً عاجلاً أو آجلاً، فلا يمكنهم التضليل على اليمنيين حتى النهاية، ولا قمعهم للأبد.