دولاب الدم اليمني.. من سيف الهادي إلى مسيرة الحوثي
السياسية - Tuesday 28 May 2019 الساعة 02:05 am
إنهم يواصلون مسيرة الدماء والفوضى لأسلافهم الأئمة.. هذا ما يمكن إطلاقه من وصف على الحركة المليشاوية الحوثية. قد تختلف اليافطات من وقت إلى آخر، ومن مكان إلى مكان، لكنها تلتقي في أساسها النظري، الثيوقراطي والطائفي الطابع، وعلى طول خط الفتن الإمامية في اليمن عند الولاية والحق الإلهي والخروج، ونشاهدها في سلوكيات سفك دماء لا أفق لها ولا غاية، مسيرة عنف لا حدود جغرافية تحجزها، لكن قدر لمركزها اليمن أن تنال النصيب الأكبر من ضحاياها.
Read also :
فتح طرقات اليمن.. ملف يكشف زيف الحوثيينحروب لا تنتهي
استغل هواة الفوضى المكانة الدينية للإمام زيد ليسموا ثورته السياسية بطوابع دينية لا علاقة لها بآراء الإمام الدينية الموثوقة المصادر، وأمست عقيدة الخروج على سلطة الحاكم مفصلية في النظرية السياسية للأئمة وواحدة من شروط استحقاق الإمامة لكل من يرى نفسه متوافراً على شروط أخرى تبلغ ستة عشر شرطاً، ومعظمها نسبت زوراً وبهتاناً إلى الإمام زيد.
واعتماداً على هكذا عقيدة شاعت عمليات التمرد على دول إسلامية ظهرت في اليمن، وتجاوزتها إلى حركات صراع بين الأئمة أنفسهم، وكل واحد منهم يرى نفسه أهلاً لتولي الإمامة لحد شهدت بعض الفترات أربعة أئمة في وقت واحد ولا يكاد يخلو تاريخ الأئمة من إمام ليس له منازع يدعي الإمامة لنفسه، والضحايا في جميع الأحوال من اليمنيين.
وفي الصدد يحصد التاريخ على الأقل تسع حالات نزاع بين أدعياء أقوياء مختلفين على أحقية الإمامة أخذت ما يقارب القرنين من عمر الإمامة الذي يصل نحو ثمانية قرون في مناطق متفرقة من شمال اليمن، ضاربين عرض الحائط باجتهادات زيدية بوجوب التبعية لدعي الإمامة السابق إذا ادعى أكثر من واحد الإمامة في قطر واحد أو قطرين متقاربين.
عبر التاريخ الإسلامي لم تبرز دولة في اليمن إلا وكان أدعياء الحق الالهي بالإمامة عاملاً في عدم الاستقرار واستنزاف موارد البلد في حروب عبثيه أثرت سلباً على جهود الأعمال الإنشائية لا سيما في مناطق الشمال اليمني، منطلق حركات تمرد الأدعياء، والتي تقل فيها الآثار العمرانية، ولا يستثنى من ذلك الدولة الصليحية القائمة على النظرية الشيعية الإسماعيلية في الولاية والحق الإلهي، ومعها دخل أدعياء الإمامة صراعاً حرم مناطق الشمال من الجهود العمرانية لهذه الدولة.
لم يتوقف الصراع العنيف ضد دول لا تنتمي في سلطتها إلى مبدأ الولاية السلالية، أو المعتمدة له، بل شملت الحروب أدعياء الإمامة أنفسهم بوقود من دماء اليمنيين، ودشن أولاد الهادي أول الأئمة في اليمن، الخلاف فكان بين المرتضى والناصر، ودخل ثلاثة من أبناء الأخير في حروب.
وشكل نجاح أدعياء الإمامة في إقامة دويلات في اليمن إغراءً للوافدين في ادعاء النسب إلى البطنين، الحسن والحسين، والولوج في صراع الإمامة وفق مبادئ الخروج بالسيف، والإمامة حق لمن قام بها ودعا إليها من نسل الإمام علي من زوجه فاطمة الزهراء، فجاء القاسم العياني لينافس حفيد الناصر بالإمامة، وحتى القرن الخامس الهجري حوالى أقل من قرنين فقط من وصول الهادي إلى اليمن تنازعت الإمامة فيما بينها خمس من الأسر الوافدة، المدعية كل منها النسب العلوي الفاطمي، أزهقت خلالها آلاف الأرواح من اليمنيين، وبعدها استمر الصراع إلى التاريخ المعاصر بين أدعياء الإمامة آخرها بين أحمد حميد الدين وعبدالله الوزير قبل سبعين عاماً، وعادت نظرية الولاية مجدداً لتعيد تحريك دولاب الدم اليمني على يد حسين ثم عبدالملك الحوثي.
دار النفاق
خلافاً لمعظم الاجتهادات الدينية الإسلامية في تقسيم خارطة العالم إلى دار إسلام ودار كفر، زادت حركة الأئمة وطناً ثالثاً هو دار النفاق، وإذا كان الأولان يمكن التمييز بينهما بحدود ومظاهر هوياتية واضحة فإن التصنيف على أساس النفاق قد دخل في الاختصاص الالهي بمعرفة النوايا ودواخل النفوس.
وترتب على هذا التقسيم –وهو تقسيم ثنائي تقول به معظم الأديان– عدم اعتراف الحركات الدينية بالحدود الجغرافية لدول العالم المعاصر، وبالنتيجة تجاوز أهدافها وسلوكياتها لحدود دولة المنشأ بحكم الواجب التبشيري والدعوي للمؤمنين، ما يتبين بصورة جلية في تعاطي إيران الخمينية مع قضايا المنطقة كطائفة أكثر منه كدولة. وفيما يخص الحوثية كاستمرار لحركة الأئمة يكون القسم الثالث (دار النفاق) مسوغاً للتخوين والتنكيل بالمخالفين أفراداً وجماعات دون الحاجة لأدلة، ليصبح أغلب اليمنيين –عدا الحوثيين وأنصارهم– منافقين يجوز قتلهم وتدمير أو مصادرة ممتلكاتهم، ويسمع اليمنيون ويشاهدون يومياً في مواعظ الحوثيين ولافتاتهم في الشوارع آيات القرآن عن النفاق والمنافقين.
وفي المضمار الفعلي جلبت نظريات حركة الأئمة في الولاية والحق الإلهي والخروج ودار النفاق، واحدة من أطول الحروب الداخلية اليمنية في التاريخ المعاصر، وتهديداً يتعدى حدود الدولة، للاستقرار الإقليمي أدخل جزءاً من اليمنيين في حرب خارجية شهدوا آخرها قبل ثمانين عاماً.
بدأت فتنة الحوثيين في تمردها على الدولة الشرعية ست مرات منذ العام 2004، لتعبر إلى المرحلة الثانية من مشروعها المزعزع للسلام والتنمية في اليمن عقب ارتخاء قبضة الدولة مع أزمة 2011 فسيطرت على محافظة صعدة أقصى شمال اليمن وخلال ثلاث سنوات خاضت حروباً على السلفيين بدماج في صعدة ثم حرف سفيان، وخمر ومعسكر القشيبي بعمران، وامتد عنفها إلى الجوف، وأرحب، لتنتهي إلى السيطرة على صنعاء في سبتمبر 2011 مدشنة المرحلة الثالثة من مسيرتها الانتقامية بالانقلاب على الدولة والانطلاق من العاصمة إلى تصفية خصومها في بقية المحافظات اليمنية تحت عذر محاربة "الدواعش" وخلال مسيرتها جرفت معها القانون ومؤسسات الدولة، ونكلت باليمنيين وأطلقت العنان لشعارات متماهية مع الخطاب الإيراني فأثارت قلق الجيران، وتدخلوا عسكرياً فما كان من الحوثيين إلا أن استبدلوا يافطة "الدواعش" بيافطة "العدوان" لمواصلة نهب دماء وجيوب الشعب اليمني ودولته وبنيتها التحتية.
الحوثية اليوم ما هي إلا عنوان جديد للحركة الإمامية القديمة تضع اليمنيين أمام مسؤولية تدارك أخطاء الماضي في الاقتصار على المواجهة الأمنية لمشروع الحروب العبثية والانتقال إلى مواجهة فكرية تدك أركان نظرية الولاية وتوابعها.