استخدمت تركيا المخا لتحسين علاقتها مع بريطانيا وجاء الهولنديون فأحرقوها بسبب نزاع حول نسبة الضرائب

المخا تهامة - Thursday 28 March 2019 الساعة 07:57 am
المخا، نيوزيمن، خاص:

ذات زمن كانت المخا هي “أكبر سوق تجاري بين الهند ومصر”، حسب الوثائق التي يعيد الدكتور عبدالودود مقشر قراءتها في مقالاته لـ”نيوزيمن” عن المخا وصراعات بريطانيا وتركيا حولها، إضافة إلى البرتغال والهولنديين والفرنسيين في المنطقة.

وفقاً لمقالات الدكتور مقشر، فإنه في الوقت الذي كانت “عدن” تخضع لحاكم عثماني تعامل مع البعثة التجارية بـ”منتهى الانتهازية وسوء الإدارة والمحسوبية”، فإن حاكم المخا كان “ودوداً ومتحرراً ومتسامحاً، وبأنه يسمح بحرية الحركة والتجارة للأجانب”.

لقراءة المقال:المخا في التاريخ.. تقاطع صراع المصالح البريطانية التركية

ويضيف: “الهدف الأساسي لقدوم السفن الانجليزية إلى المخا بالذات، هو إيجاد أسواق تجارية جديدة للمنتجات الإنجليزية، إضافة إلى ما يمثله ميناء المخا كونه مركزاً تجارياً مهماً ومؤثراً في التجارة الدولية، لأنه يعدّ حلقة وصل مهمة بين الهند ومصر وجزءاً من السواحل الشرقية لأفريقيا وجنوب شرق آسيا”، وحملت أولى السفن البريطانية إليه “شحناً كثيرة من الحديد والجوخ والصوف والرصاص والقصدير والملابس”.

يقول الدكتور إن “الوالي جعفر باشا” أوضح للبعثة التجارية “أن البحر الأحمر بحيرة عثمانية ولا يسمح للسفن المسيحية بالإبحار بها بسبب الأماكن المقدسة، ولكن إذا أُحضِر فرمان سلطاني من اسطنبول فلا بأس باعتبار سفنهم تجارية”.

تثبت التقارير البريطانية أنها تعاملت مع المخا باعتبار أنها “ستكون نقطة ارتكاز مهمة، ومن سيضع يده عليها سيتحكم بنطاق اقتصادي واسع”.

وفي سياق الحديث عن نشاط تجاري وتعدد كبير في هذه المدينة يقول الدكتور مقشر: ذكر تقرير الكابتن شاربي Sharpey قائد أول بعثة بريطانية للمخا باعتبارها "أكبر سوق تجاري بين الهند ومصر"، وراجعت شركة الهند الشرقية الإنجليزية البعثة البريطانية الأولى إلى المخا وتقرير شاربي وجورادين مع تقرير ضابطين أرسلهما شاربي إلى المخا قبل وصوله إليها وهما وليام ريفيت وفيليب جلاسكو، حيث أشار الضابطان إلى وجود أعداد من التجار العثمانيين، والشوام، والهنود، والأحباش، وغيرهم يمارسون التجارة مع المخا، وقد جلبا معهما كثيراً من البضائع مثل الملابس والقصدير والحرير وغيرها، وأوضحا أن التعامل النقدي الفوري كان يتم مع التجار الأحباش والهنود.

وبعد تفاهمات بريطانية تركية، فتحت المخا للتجارة وأعلن عن تأسيس الوكالة الانجليزية بالمخا، ووفقاً للدكتور مقشر فقد تبدلت المعاملة السيئة تماماً مع مجيئ البعثة الإنجليزية الثالثة إلى اليمن عام 1612م، حيث سُمح للإنجليز بالمتاجرة مع الموانئ اليمنية، وخاصة ميناء المخا؛ غير أنه لم يسمح بإقامة وكالة دائمة فيه؛ ويبدو أن ذلك راجع إلى إدراك العثمانيين أهمية فتح الموانئ اليمنية أمام التجارة الأوروبية في زيادة عائداتهم المالية من هذه الموانئ، ولأهمية تجارة المخا”. وبسبب تغير التوجهات السياسية فقد انفتح تجار المخا على البعثة بعد أن رفضوا التعامل معها بسبب رفض السلطات لها، “فمنذ وصول رحلة ساريس صدرت التعليمات من الوالي العثماني باليمن بالسماح للأجانب والسفن الهندية بحرية التجارة مع الموانئ اليمنية، وشراء ما يلزمهم منها؛ لكن هذا لا يعني السماح لهم بإقامة وكالات دائمة لهم في الموانئ اليمنية، دون موافقة خطية من السلطان العثماني نفسه”.

يواصل الدكتور تتبعه التاريخي ويقول: “بعد استصدار الفرمان السلطاني والخاص بإنشاء وكالة انجليزية في المخا عام 1618م نجحوا في تأسيس أول وكالة بريطانية ومقر للمندوب البريطاني في ميناء المخا”، وتضمنت الاتفاقية “مع حاكم المخا العثماني، تحديد نسبة ضرائب الاستيراد والتصدير بنسبة 3٪، تدفع عيناً أو نقداً، وبأن لا تتوغل السفن الإنجليزية في البحر الأحمر إلى ما بعد المخا”.

يشير الدكتور إلى تحول إضافي في الصراع التجاري حول المخا، وهو دخول هولندا بقيادة شركة الهند الشرقية الهولندية والتي تُعدّ أضخم وأقوى شركة تجارية في العالم في القرن السابع عشر الميلادي.

ويرصد انهيارات للتجارة الدولية في المخا بسبب هذه الصراعات، قائلاً: “استطاعت الشركة الهولندية الحصول على فرمان سلطاني من السلطان عثمان الثاني أيضاً في يوليو 1618م بافتتاح وكالة تجارية هولندية بالمخا وهو ما حدث بالفعل في 1620م لكن حصلوا على تخفيض وصل إلى 2,5 وهو ما أثار حفيظة البريطانيين، ودخلوا في منافسة قوية مع الهولنديين، وانتهى هذا التنافس بمقتل الوكيل التجاري الانجليزي على يد القرصان الهولندي هيربرت هيوجو قبطان سفينة Black Eagle (الصقر الأسود)، وأسرع الانجليز بالانسحاب من المخا”.

ويذكر نقداً بريطانياً حاداً لحكام المخا من صنعاء الذين يصفهم بالزيود. ويقول: “في ربيع 1662م أحرق الهولنديون “المراكب الشراعية والسفن الكبيرة في مياه المخا وعلى مرأى ومسمع من الحاكم الزيدي الذي لم يحرك ساكناً والمدينة تحت احتلاله، بل إنه هرب مع أول قصف للمدينة مع أفراد عائلته وزبانيته من الزيود المتغطرسين، تاركين المخا للقصف والتدمير والحرق”.

وبعد أن قام هذا القرصان بالنزول إلى المخا نهب ما تبقى من المدينة، مما حدا بانتوني سميث وكيل شركة الهند الشرقية الانجليزية إلى تصفية المركز التجاري الانجليزي بالمخا وإغلاقه في 1663م.