رحلة أكاديمي على قارعة طريق الحالمة التائه
متفرقات - Friday 25 January 2019 الساعة 05:34 pm
غادرت منزلي وأنا مهموم بموعد إيجار البيت الجديد الذي نقلت إليه وملزم بسداده اليوم، ولم يحالفني الحظ بتوطيد علاقتي مع مالكه بالصبر لحين صرف راتبنا اليتيم غير منتظم الصرف، ومحرج منه لأن الرجل فضلني على غيري باعتباري أستاذا جامعيا متوهما أني أعيش في وضع مختلف عما يعيشه بقية الموظفين..
حاولت، عبثاً، بالشارع استمد قوتي وأنا أترقب حيوية البشر بشوارع الحالمة تعز، رغم ما يتعرضون له من حصار خانق من قبل ذئاب المليشيا بأطراف المدينة وعوائهم الذي يزعجهم بصوت مقذوفاته ليخطف أرواح الأبرياء ليل نهار، إضافة لفوضى السلاح المفتعلة في أوساطهم من قبل ديوك المقاومة، وبينما كنت أسير منهكاً بالشارع، قطع تفكيري صوت أحد طلابي بقسم الفنون الإذاعية والتلفزيونية بجامعة الحديدة تاركاً الموتور الذي كان يستقله ونزل يسلم عليّ بحرارة، ويخبرني أنه يشتغل بمنظمة ويعرض عليَّ خدماته وأخذ رقم هاتفي لنجتمع بمعية زملائه النازحين بالمدينة المنكوبة.. تعانقنا وافترقنا كل باتجاه، دخلت الشارع المزدحم بضجيج السيارات والبشر وأنا تائه بين ذكريات الزمن الجميل بكلية الفنون الجميلة وحالنا البائس بسبب هذه الحرب المجنونة، استوقفتني سيارة برادو وبداخلها فتاة تناديني وتوشر إليَّ، ذهبت فوجدتها إحدى طالباتي بالحديدة ونازحة إلى تعز بسبب الحرب. حدثان جعلاني أستعيد صوابي وكبريائي كأستاذ جامعي..
أتذكر نصائحي لهم بعدم الانكسار أمام العواصف واحترام شرف المهنة الإعلامية التي يتعلمونها، تذكرت بداية خلافي مع عيال المليشيا عندما رفضت توجيهاتهم بتوجيه طلابي للذهاب لتصوير أنشطتهم الطائفية بالجامعة، وقدمت استقالتي من رئاسة القسم بسبب ذلك، تذكرت كلمتي الارتجالية بحفل تخرجهم كآخر وصية لهم وأنا أحدثهم بصفتي النقابية عن أسباب الإضراب، وأن قيادة الجامعة تتحمل مسئولية الإضراب لرفضها منح المدرس 50 ألف ريال بدل مواصلات من رسومهم الدراسية والمقدرة وقتها بما يقرب من ثلاثمائة مليون، والتأكيد أن التحريض ضدنا بالعمالة للعدوان الخارجي أسطوانة مشروخة تستخدمها العصابة الثورية لتعتدي على رسومكم وتنهب ملايين الريالات شهرياً لها، وتشتري السيارات الفارهة وتزايد علينا بالوطنية الزائفة بلا حياء أو خجل. وأعلنت لهم حينها أننا سنكسر الإضراب وسنعود لتدريسكم بشرط أن يتم إعفاءكم من الرسوم، تقديراً لظرفكم المعيشي القاهر، وراهنت على عدم حضور لصوص العدوان الداخلي الجامعة بعد ذلك، هاجت القاعة بالتصفيق وصعد الخريجون يخلعون عقود الفل من أعناقهم ليغمروني بها حد دمعت عيناي، عند نزولي من المنصة وهم يتسابقون لعناقي، انتهى الحفل وطلابي بحالة قلق وتوجس حول مصيري بعد ملاحظتهم غضب عيال المليشيا بالقاعة وإبلاغهم لي أن بعضهم تواصل مع قيادة العصابة الثورية بالجامعة والتي بدورها شكلت لجنة للتحقيق ومجلسا تأديبا ضدي، لرفضي قلة الأدب التي تمارسها داخل الجامعة.
تواصل معي بعض الزملاء يلومني عما حصل، كما تواصل معي بعض الطلاب عن أخذ كاميراتهم وحذف فيديو الكلمة، بادر الاخيرون بالضغط عليّ والتنسيق لترحيلي وأسرتي في اليوم الثاني، بعد تأكدهم تحريض العصابة لمسلحي المليشيا بضرورة اعتقالي، غادرت السكن الجامعي ليلا إلى الحالمة تعز... لنبدأ رحلة الشتات والتشرد في هذا المعتقل الكبير.
وأنا أسير بالشارع واثق الخطوة يمشي ملكا وسط أول مدينة قاومت المليشيا، لاحظت مقر أحد الأحزاب، فتذكرت عبث عيال الأحزاب داخل الحكومة الشرعية بعدن، تذكرت الامتيازات التي يحصلون عليها دون وجه حق، والشعب الذي يزايدون باسمه يتضور جوعا ووجعا، تذكرت مسكني الذي نهبه عيال المليشيا بالحديدة، وتذكرت لوبي الفساد بالشرعية الذي حرمني من بدل السكن كحق مشروع بسبب انتقادي لفسادهم واعتباره والانقلاب وجهين لعملة إجرامية واحدة، تذكرت ما يصرفه هذا اللوبي اللعين من بدلات بالمخالفة لعيال الأحزاب (إيجار وسكن ونفاق وطبال)...
تذكرت أني تجاوزت مكان محل التاجر الذي كنت ذاهبا إليه لأقترض إيجار البيت، عدت مهرولا إليه قبل أن يغلق محله وقت الظهيرة، وأخذت منه المبلغ وعدت أواصل رحلة الانكسار والتيه الأكاديمي مجدداً بحثاً عن وطن خال من جرم المليشيا وفساد عيال الأحزاب...
2019 / 1 / 23