ولاية الحوثي.. وجمهورية اليمنيين

متفرقات - Friday 31 August 2018 الساعة 04:16 pm
فارس جميل، نيوزيمن، خاص:

أطل من خارج الزمن ليلقي على اليمنيين خطاباً بمناسبة (يوم الغدير)، أو (يوم الولاية) الذي يحييه الحوثيون سنوياً في محاولة لإقناع اليمنيين بأنهم ورثوا حكمه عن النبي، فعبدالملك الذي لم يطل يوماً في خطاب بمناسبة ثورة 26 سبتمبر، يختطب مطولاً في مناسبات لا تخص اليمنيين، ولا تتعلق بحياتهم، كما هو حال يوم الغدير الذي مات في اليمن منذ موت حكم الأئمة وقيام جمهورية اليمنيين في 26 سبتمبر 1962.

بخلفية زرقاء وكوت أزرق وعقلية سوداء استشهد كثيراً بآيات من القرآن الكريم، ليقنع اليمنيين أن هناك مصادر هداية اختارها الله لهم، ما لم يؤمنوا بها فإنهم يؤمنون بالطاغوت، وهو مصدر الهداية الذي أدى أساتذة وطلاب بجامعة إب يمين الولاء له، وعبر مكبرات الصوت خلف إحدى زينبيات جماعته وأولهم رئيس الجامعة المعين من الجماعة.

من وجهة نظر عبدالملك، فالرسالة التي أمر الله نبيه محمد بتبليغها للناس، هي ولاية الإمام علي بن أبي طالب، وبناءً عليه تم تقسيم الناس بين مؤمن بها ومؤمن بالطاغوت، وهو نفس التقسيم الذي ورد في القرآن الكريم، بين من يؤمنون بالله تعالى كإله واحد ومن يشركون به ويتبعون الطاغوت، لكن عبدالملك نصب نفسه بديلاً للخالق تعالى، وجعل من لا يؤمن بأفكاره يؤمن بالطاغوت، وإذا طبقنا عليه الآيات القرآنية التي تفرق بين المؤمنين بالله والمؤمنين بالطاغوت، فإنه طاغوت مكتمل الأركان، لأنه يفسر آيات الله في غير ما أنزلت به، ويضع قواعدَ مختلفة للإسلام الذي نزل على محمد.

وصف عبدالملك كل من لا يؤمن به كامتداد لعلي بن أبي طالب ووارث للولاية على المسلمين منه بـ(التكفيريين)، وهو أمر لم يصل إليه الخميني عندما ابتكر موضوع الولاية عام 1979، حيث استحدثها كمصطلح سياسي بعد أن وصل إلى الحكم في طهران، ولأول مرة أصبح هناك مصطلح (الولي الفقيه) الذي رفضته مراجع شيعية كبيرة كموسى الصدر، وكان مصيرها الاغتيال.

مشهد القسم بالولاء لـ(سيدي ومولاي) ومن والاه، في واحدة من أعرق القلاع العلمية في اليمن وهي جامعة إب، مجرد مشهد جانبي من مسرحية تراجيدية قذرة تجتاح اليمن، لتكريس الطائفية والاصطفاء الإلهي لطائفة من اليمنيين لا أحد يعلم مدى صحة انتسابهم إلى النبي والإمام علي، بغض النظر عن الاعتبارات الأخرى.

مع دخول الحوثيين صنعاء وقبله وبعده ظل مبدأ الديمقراطية صناعة أمريكية كأية فكرة لا يحبها الحوثيون، وقد سجل المنشد عبدالعظيم عزالدين أنشودة مطولة بهذا المحتوى تم توزيعها على أتباع الجماعة، لأن الديمقراطية تتناقض مع مبدأ الولاية لآل بيت النبي، كما قال.

المجلس التنفيذي لجماعة الحوثيين رفع برقية تهنئة لمن وصفه بقائد الثورة وهو هنا عبدالملك بن بدرالدين الحوثي الذي أطل من شاشات قنواته التلفزيونية لإقناع اليمنيين بأنهم مجرد تركة ورثها عن أجداده.

في البرقية قال تنفيذي الحوثي، إن اليمنيين (واليمنيون هنا هم أتباعهم فقط وليس الشعب الرافض لهم جملة وتفصيلا)، باحتفالهم بيوم الولاية أعلنوا فشل محاولات "طمس الهوية الإيمانية اليمانية"، التي هناك محاولات حثيثة لطمسها.

إن تحويل الولاية إلى هوية يمانية إيمانية، تجعل من لا يؤمن بها فاقدا لهويته اليمنية الوطنية، وهويته الإسلامية الإيمانية، وهكذا يصنف الحوثيون غيرهم من اليمنيين، أنهم بلا إيمان ولا وطنية ما لم يعلنوا الولاء لعبدالملك وأسرته ومشرفيه ومسلحيه.

يقوم النظام الجمهوري وبنص دستور الجمهورية اليمنية على حق اليمنيين في اختيار حاكمهم عبر صناديق الاقتراع المباشر، وينص ذات الدستور على مبادئ الإسلام والإنسانية بمختلف أديانها وأفكارها، وهي مبادئ المساواة والعدالة وعدم التمييز بين إنسان وآخر، بما يتفق مع الآية القرآنية "إن أكرمكم عند الله أتقاكم"، والحديث النبوي "الناس سواسية كأسنان المشط"، والحديث النبوي "اسمعوا وأطيعوا ولو ولي عليكم عبد حبشي"، أما مبدأ الولاية فيتناقض مع هذه الآيات والأحاديث، ومع ميثاق حقوق الإنسان، وكل طبيعة إنسانية سوية.

وأبعد من ذلك فإن مبدأ الولاية يسلب اليمنيين أغلى المبادئ التي ناضلوا من أجل ترسيخها منذ منتصف القرن الماضي، وهي النظام الجمهوري، والديمقراطية والانتخابات كطريقة لتبادل السلطة.

قبل وصول الحوثيين إلى صنعاء، وفي شهر فبراير 2012، قبل انتخاب هادي للرئاسة بأسبوع واحد، أصدر عبدالملك الحوثي وجماعة محسوبة عليه، ما سمي بالوثيقة الفكرية للزيدية، وتم فيها تفريغ المذهب الزيدي من محتواه التعايشي والديني، بالنص على حصر الولاية والاجتهاد في آل البيت، وإسقاط حق الاجتهاد وتفسير القرآن عن أي مسلم لا ينتمي إليهم إلا إذا لم يتعارض تفسيره له مع تفسير آل البيت باعتبارهم ورثة القرآن، وناقليه إلى باقي المسلمين.

لم يأخذ اليمنيون تلك الوثيقة الموقعة من عبدالملك بجدية، واعتبروها شطحة من ضمن شطحات كثيرة شهدتها المرحلة، وتنبه الحوثيون إلى خطورة ظهور الوثيقة وقراءتها من قبل اليمنيين، فقاموا بحذفها من مواقعهم، لكن نصها كان قد تم تداوله على نطاق واسع، وخصصت صحيفة الأهالي يومها سلسلة مطولة لتحليل الوثيقة وقراءة أبعادها.

واعتقد الحوثيون أنهم وصلوا إلى القوة اللازمة لإظهار أفكارهم، ومعارضتهم للنظام الجمهوري والديمقراطية كمبدأ لتداول السلطة، منذ دخولهم صنعاء، ورفعوا شعار الولاية في كل شارع، ونادوا بها من كل منبر، بما فيها منابر التنوير الجامعي.

وهنا يمكن قراءة أبيات من قصيدة الهدهد السادس لعبدالله البردوني تنطبق على الحوثيين بكل التفاصيل، وتقول:

ومؤمركون إلى العظام لهم وجوه فارسيّة
ومؤمركات يرتدين قميص (ليلى العامريّة)

متطوعون، وطيعات أوصياء بلا وصية

خبراء في عقم الإدارة وافدون بلا هوية

ومسافرون بلا وداع واصلون بلا تحية
يا (هدهد) اليوم، الحمولة فوق طاقتك القويّة
هل جئت من سبأ؟، وكيف رأيته؟ أضحى سبية !
ولّى عليه عباءة من أغنيات (الدودحية)
سقط المتاجر ، والتجارة والمضحّي، والضحية
حتى البقاع هربن من أسمائهن الحميريّة

حتى الزمان بلا مكان والمكان بلا قضية

التابعون بلا رؤوس والملوك بلا رعية

والمستغل بلا امتياز والفقير بلا مزية