من(غدير العنصرية) إلى (الصرخة الخمينية).. مليشيا الحوثي وفرض مناسبات مذهبية بالقوة (2-2)

متفرقات - Thursday 30 August 2018 الساعة 07:55 pm
سمير الصنعاني، نيوزيمن، تقريرخاص:

ذكرى مولد فاطمة

وفي مناسبة أخرى تحيي المليشيات الحوثية ما تسميه ذكرى ميلاد (الزهراء فاطمة) بنت الرسول محمد، في إطار ابتداعها لمناسبات ذات صلة بالفكر المذهبي للشيعة الاثني عشرية، وما تتضمنه تلك الأفكار من مضامين ذات بعد سياسي متعلق بالسعي للسيطرة على السلطة.

ولأن (فاطمة) هي زوجة علي بن ابي طالب، وأم الحسن والحسين اللذين يدعون الانتساب إليهما ويحولونهما إلى رموز سياسية وثورية، يواصلون نهجهم في السعي للحكم بناءً على مزاعم الانتساب الأسري؛ فإن مليشيات الحوثي، وكما تفعل بقية الحركات الشيعية المذهب، تسعى لإضفاء هالة كبيرة على هذه المناسبة بتسميته بـ(اليوم العالمي للمرأة المؤمنة) والذي يخصص بمجمله للحديث عن فاطمة بنت الرسول محمد من ميلادها حتى وفاتها ويضفي طابع القداسة عليها وعلى ذريتها، وذلك بهدف إقناع المناصرين والأتباع، بل وحتى المعارضين، بأحقية سلالة فاطمة بالحكم.

وإذا كان حديث النبي محمد الذي قال فيه (وَايْمُ اللَّهِ لَوْ أَنَّ فَاطِمَةَ بِنْتَ مُحَمَّدٍ سَرَقَتْ لَقَطَعْتُ يَدَهَا) يقدم دليلا على أن النبي لم يكن يميز أولاده وتحديداً ابنته فاطمة على أي أحد من الناس، إلا أن زعيم المليشيات الحوثية عبدالملك الحوثي وهو يتحدث عن فاطمة يضفي عليها صفات القداسة، بل ويقول في إحدى كلماته في هذه المناسبة إن تعامل الرسول معها هو دليل على (مقامها عند الله سبحانه وتعالى)، وهو ما يندرج في إطار محاولات المليشيات الحوثية العنصرية في احتكار حق السلطة والحكم فيهم باعتبار نسبهم يمتد إلى فاطمة بنت النبي.

يوم الشهيد ويوم الشهيد القائد

وإذا كانت مناسبات كيوم الغدير واستشهاد الحسين واستشهاد زيد وميلاد فاطمة مناسبات تاريخية تسعى المليشيا الحوثية مثلها مثل بقية الحركات المرتبطة بالمذهب الشيعي استثمارها لصالحها سياسياً، فإن مليشيات الحوثي ابتدعت مناسبة خاصة بها سمتها (يوم الشهيد)، ويوم (الشهيد القائد) حيث تحيي في الأولى ذكرى من تسميهم شهداءها في تمردها على الدولة خلال الحروب الستة، فيما تحيي في الثانية ذكرى مصرع مؤسس حركة التمرد الحوثية حسين بدر الدين الحوثي.

وفي أدبيات المليشيا الحوثية نجد أن الاحتفاء بما يسمى يوم الشهيد يعزز من قيم الشهادة لدى مناصري المليشيا وأتباعهم، ويحولونه إلى مناسبة لمزيد من تحشيد الأطفال والشباب للانخراط في صفوف مليشياتهم وإرسالهم إلى جبهات القتال التي بدأت بحروب تمردهم الستة على الدولة، مروراً بحربهم وتهجيرهم لليهود ثم للسلفيين من صعدة وعمران، وصولاً إلى حرب إسقاط العاصمة صنعاء والسيطرة على مؤسسات الدولة، ثم التمدد في بقية المحافظات وفرض سيطرتهم عليها بالقوة والسلاح، حتى معركة غدرهم بحليفهم الرئيس السابق علي عبدالله صالح رئيس المؤتمر الشعبي العام وقتله هو ورفيقه عارف الزوكا أمين عام المؤتمر ورفاقهما، وانقلابهم على اتفاق الشراكة بين الطرفين، وليس انتهاءً بتحشيدهم للأطفال والشباب من أبناء القبائل والزج بهم في جبهات القتال تحت مسمى (مواجهة العدوان) وهي الحرب التي يخوضها التحالف العربي بقيادة السعودية والإمارات ضد مليشيات الحوثي وانقلابها على السلطة في عام 2014م.

ولتحقيق أهدافها في حشد مقاتلين في صفوفها، تسعى مليشيات الحوثي لممارسة أساليب التغرير والتضليل وذلك من خلال ربط مشروعها في القتال للسيطرة على السلطة بأنه عبارة عن دفاع عن الوطن، مستغلة التأثير الديني في تكوين ثقافة اليمني وتصوير القتال في صفوف مليشياتها بأنه (جهاد في سبيل الله) وأن الموت في جبهاتها (شهادة جزاؤها الجنة).

وتكاد تكون ثقافة القتل والموت هي البضاعة الوحيدة التي تجيدها المليشيات الحوثية وتروج لها في أوساط الناس، بل وتحاول فرضها عليهم بالقوة، حتى إنها تحاول تحبيذ الموت في شعاراتها على غرار ما تدعيه بأن (من أحب الحياة عاش ذليلاً).

وكما هي مناسبة ما تسميه يوم الشهيد، فإن مليشيات الحوثي عمدت إلى إحياء ما تسميه يوم الشهيد القائد، وهي يوم تحتفي فيه المليشيا بذكرى مصرع مؤسس الحركة حسين الحوثي.

وحسين بدر الدين الحوثي، هو الأخ الشقيق لزعيم المليشيا الحالي عبدالملك الحوثي، وهو من أسس حركة التمرد الحوثية التي عرفت حينها بالشباب المؤمن، وقادت عملية تمرد على الدولة من معقل أسرة بدر الدين الحوثي في مران بصعدة في العام 2004م، وهو التمرد الذي اضطرت الدولة إلى مواجهته عسكرياً، وانتهى بمصرع حسين الحوثي في 10 سبتمبر عام 2004م.

وتضمنت مظاهر الاحتفاء بيوم مصرع مؤسس الحركة إطلاق المليشيات أوصاف قداسة على حسين الحوثي على غرار تسميته بـ(قرين القرآن)، وفرضت على جميع مؤسسات الدولة إقامة مناسبات احتفائية وأرغمت الموظفين حضورها والاستماع إلى محاضرات مؤسسها الصريع حسين الحوثي.

يوم القدس العالمي

وبعيداً عن المكانة التي تحتلها القدس في قلوب المسلمين، وإجماعهم على الدفاع عنها، إلا أن تخصيص يوم أطلق عليه يوم القدس العالمي كان عبارة عن فكرة اقترحها وأطلقها الإمام الخميني مرشد الثورة الإيرانية، وحدد آخر جمعة من شهر رمضان لتكون يوماً لهذه المناسبة.

وعلى الرغم من أن دعوة الخميني لم تلق قبولاً من معظم الدول الإسلامية والعربية، إلا أن إيران ومن خلفها بقية الحركات الشيعية التابعة لها تحيي هذه المناسبة تحت دعاوى الدفاع عن القدس.

وعلى غرار حزب الله، فإن مليشيات الحوثي هي الأخرى باتت تحيي هذه المناسبة بذات الطريقة التي يتم فيها استثمار اسم القدس سياسياً لصالح إظهار إيران والحركات المسلحة المليشاوية المرتبطة بها والتابعة لها والمدعومة منها وكأنها الوحيدة التي تدافع عن القدس والحريصة عليها.

وفيما تمارس المليشيات الحوثية القتل اليومي بحق المواطنين اليمنيين، فإنها لا تخجل من أن تدعي في يوم القدس العالمي أنها تضع تحرير القدس ضمن أولوياتها وأهدافها الاستراتيجية، وهي شعارات يرى المراقبون أنها ليست أكثر من تضليل واستثمار سياسي لا أقل ولا أكثر.

يوم الصرخة

ويعد إحياء يوم الصرخة، كما تطلق عليها مليشيات الحوثي، إحدى المناسبات ذات الطابع المذهبي وثقافة الموت التي تروج لها هذه المليشيات، حيث تحيي هذا اليوم باعتباره اليوم الذي أعلن فيه مؤسس الحركة الصريع حسين الحوثي شعار (الموت لأمريكا / الموت لإسرائيل/ اللعنة على اليهود / النصر للإسلام)..
ومن المعروف أن هذا الشعار هو شعار إيراني الأصل أطلقه الخميني عقب الثورة الإيرانية في عام 79م وبات شعارا لها ولمشروعه السياسي.

وفي إطار سعي إيران لتصدير مفاهيم ثورتها في المنطقة، فقد عمدت إلى دعم الحركات الشيعية وحولتها إلى حركات مليشاوية مسلحة تقوم بعمليات تمرد على الأنظمة في بلدانها والسيطرة على السلطة وممارسة الحكم وخدمة الأهداف والأجندات الإيرانية من خلال الادعاء بمحاربتها لأمريكا وإسرائيل باعتبارهم أعداء الأمة، وأن الحكومات والأنظمة العربية والإسلامية ليست سوى مجرد أدوات بيد هؤلاء الأعداء يجب التخلص منهم بثورات شبيهة بثورة الخميني في إيران وبنفس نهجه وفكره ومشروعه السياسي.

وليس بخافٍ أن حسين الحوثي الذي أسس مليشيات الحوثي وقاد حركة تمرد مسلحة ضد الدولة، كان قد درس في إيران وتلقى دعماً غير محدود منه، ولذلك لم يكن بمستغرب أن يتخذ من شعار وصرخة الموت الخمينية شعاراً لحركة تمرده المسلحة.

ويمثل اعتماد مليشيات الحوثي لصرخة الموت الخمينية شعاراً لها دليلاً على مدى عمالة وارتباط هذه المليشيات بإيران وتبعيتها لها، وفي إحدى محاضرات حسين الحوثي عن يوم القدس وشعار الصرخة نجد أنه كرر ذكر اسم الخميني في محاضرته أكثر من خمسين مرة وفي كل مرة يضفي عليه طابع القداسة، والانتساب إلى أسرة النبوة، ويطلق عليه كل صفات الزعامة والشجاعة والقوة...الخ من الصفات التي تؤكد أن حسين الحوثي حين أسس حركة التمرد الحوثية التي تحولت إلى مليشيا الحوثي حالياً، كان ينفذ أجندات إيرانية بحتة قائمة على أسس مذهبية وعنصرية ومستندة إلى ثقافة القتل والموت والعنف.

وتسعى مليشيا الحوثي إلى فرض شعار صرخة الموت الخمينية على الثقافة اليمنية بمزاعم أنها براءة من أعداء الله، وتجاهد في محاولة ترسيخها في الشارع والمسجد والمدرسة وكل مؤسسات الدولة بالقوة، وهو الأمر الذي يعد أحد أسباب رفض الناس لها، بل وحملهم السلاح لمواجهتها في معظم محافظات اليمن.

ولعل مخاطر إحياء المليشيات الحوثية لهذه المناسبات الخاصة بها لا يقف عند حد فرض الاحتفاء بها بالقوة، وتسخير إمكانيات وقدرات وأموال الدولة وأجهزتها في سبيل ذلك، وتحويل هذه المناسبات إلى محطات لتكفير معارضيها، أو اتخاذ إجراءات بحقهم، بل في سعي المليشيات لفرض أفكارها وثقافتها المذهبية والعنصرية ومشروعها السياسي عبر إحياء مناسبات ذات طابع مذهبي بحت، أو تحتوي على مضامين مستوردة من إيران تحديداً وتروج لثقافة الموت ولا علاقة لها بهوية وثقافة الشعب اليمني، أو حتى ثقافته الدينية والمذاهب التي يؤمن بها، وفي الوقت نفسه فإنها أيضاً تعكس حقيقة مدى عمالة المليشيات الحوثية لإيران وتحولها إلى ذراع آخر ينفذ أجندات تخدم مطامعها التوسعية في المنطقة.

وفي مقابل ذلك يرى المراقبون أن نهج المليشيات الحوثية في فرض ثقافتها العنصرية والمذهبية في المناطق التي تسيطر عليها ستظل مرهونة بمدى استمرار سيطرتها المسلحة على هذه المناطق، مشيرين إلى اختفاء هذه المناسبات تماماً من كل المناطق التي تم تحريرها من هيمنة وسطوة وكهنوت المليشيات الحوثية، وهو الأمر الذي سيتكرر في حال انتهاء سيطرة المليشيات في بقية المناطق التي لا تزال تبسط قبضتها عليها، ناهيك عن كون هذه المناسبات بمضامينها العنصرية والمذهبية وجوهرها القائم على الموت، وبعدها السياسي الإيراني، لا يمكن أن تتحول إلى ثقافة سائدة لدى المجتمع اليمني بشكل دائم، لأنها كما يصف المراقبون تحمل أسباب زوالها في جوهرها ومضامينها.

اقرأ ايضا:

من(غدير العنصرية) إلى (الصرخة الخمينية).. مليشيا الحوثي وفرض مناسبات مذهبية بالقوة (1-2)