من(غدير العنصرية) إلى (الصرخة الخمينية).. مليشيا الحوثي وفرض مناسبات مذهبية بالقوة (1-2)

متفرقات - Thursday 30 August 2018 الساعة 11:28 am
سمير الصنعاني، نيوزيمن، تقريرخاص:

في الثامن عشر من شهر ذي الحجة من كل عام باتت المليشيات الحوثية تحيي مناسبة ما تسميه (يوم الغدير) أو (يوم الولاية) بشكل سياسي ومذهبي وفكري وثقافي تفرضه على الآخرين بالقوة في المناطق التي تسيطر فيها.

وتعد (يوم الغدير) مجرد أنموذج لأيام ومناسبات مذهبية خاصة بالمليشيات الحوثية تحتفي بها المليشيات وتسعى لتحويلها إلى مناسبات سياسية تفرض من خلالها رؤيتها ومنهجها ومذهبها وعقيدتها وفكرها وثقافتها المتخلفة على الناس بالقوة والسلاح.

ولم يكن بمقدور الحوثيين، إلى ما قبل العام 2011م، الذي شهد اندلاع الفوضى التي عصفت باليمن، الاحتفاء بيوم الغدير أو بغيرها من المناسبات المذهبية الخاصة بهم، فهم لم يكونوا سوى مجرد حركة متمردة على دستور الجمهورية اليمنية وقوانينها ودولتها وسلطاتها في نظر الدولة وفي نظر الشعب والمجتمع.

من الجامعة إلى الاعتذار الرسمي.. بداية الكارثة

واستغلت حركة التمرد الحوثية فوضى عام 2011م للإعلان عن نفسها كحركة ثائرة على النظام ومنادية إلى جانب بقية أحزاب المعارضة آنذاك (اللقاء المشترك) بإسقاط النظام، وهو الشعار الذي رفع من تونس إلى مصر وليبيا وسوريا واليمن.

وفي ساحة الجامعة، وعلى بعد أمتار من مقر قيادة المنطقة الشمالية الغربية والفرقة الأولى مدرع التي كانت هي رأس الحربة في مواجهة التمرد الذي شنته الحركة الحوثية على الدولة، تجمع أنصار الحوثيين وهتفوا بإسقاط النظام واستغلوا حالة الفجور في الخصومة التي انتهجتها قيادات الأحزاب ضد الدولة والنظام الحاكم ممثلاً بالرئيس السابق علي عبدالله صالح وحزب المؤتمر الشعبي العام.

وفيما كانت الحكومة تحذر الأحزاب المعارضة من خطورة تبنيهم وإفساحهم المجال لقيادات وأتباع الحركة الحوثية المتمردة واحتضانهم، كانت تلك الأحزاب تصر على أنهم حركة ثورية لا تختلف عن بقية القوى السياسية المعارضة، بل ذهبت قيادات بعض تلك القوى، ومنها قيادات الإصلاح (الإخوان المسلمون في اليمن)، إلى المسارعة في الاعتذار لحركة التمرد الحوثية عن حروب الدولة ضد تمردها، وهو ما مثل القشة التي قصمت ظهر البعير، والبداية لأن تجد الحركة الحوثية المتمردة الفرصة لإثبات حضورها السياسي والفكري والمذهبي بكل الوسائل.

ومع أن حركة الحوثيين المتمردة رفضت الانخراط في مشروع التسوية السياسية الذي تم بموجبه إنهاء أزمة العام 2011م برفضها التوقيع مع بقية القوى الأخرى على المبادرة الخليجية وآليتها التنفيذية، إلا أن السلطة الحاكمة -والتي نتجت بناءً على التسوية- والتي تشكلت من الرئيس هادي وحكومة الوفاق الوطني التي ضمت كل الأطراف الموقعة على المبادرة الخليجية وآليتها، سعت بسوء نية أو بحسن نية إلى التعاطي مع حركة التمرد الحوثي بشكل غير مفهوم وصل حد شرعنة تمردها على الدولة من خلال حروبها الستة، وذلك عبر الاعتذار الرسمي الذي أعلنته حكومة الوفاق، آنذاك، في 21 أغسطس 2013م، واعتبرت بموجبه حروب الدولة ضد التمرد (خطأ أخلاقياً تاريخياً لا يجوز تكراره، وتلتزم بالعمل على توفير ضمانات عدم تكراره) وهو الموقف الذي قوبل، آنذاك، برفض المؤتمر الشعبي العام كطرف سياسي وكشريك في تلك الحكومة التي أصرت على إعلان الاعتذار رسمياً ليمثل فرصة لم تكن حركة التمرد الحوثية تحلم بها، فاستغلت ذلك الاعتذار لتحوله إلى مسمار جحا، وتستثمره في ترسيخ مفهوم مظلوميتها كمشروع يجب أن يقابل ليس بتعويضها فقط بل وبالسماح لها بالتحول من حركة تمرد ضد الدستور والقوانين والدولة وسلطاتها، إلى فصيل يجب أن يحظى بالرعاية والاهتمام والتعويض من قبل الدولة، بل وترك الساحة مفتوحة لمشروعه الإمامي المذهبي الذي قامت الحروب الستة لإخماده.

ويرى مراقبون أن ذلك الإعلان الكارثة سمح لحركة التمرد الحوثي من الالتفاف على موجبات التسوية- التي رفضت التوقيع عليها وظلت ولا تزال حتى اليوم تعتبرها نوعاً من العمالة والمشاركة فيها جريمة- والانخراط فيما بعد في مؤتمر الحوار الوطني كطرف مستقل له ممثلون، وهو ما مكن الحركة من الإعلان عن نفسها بشكل غير مسبوق بدأ يتضح من خلال إعلان وإحياء مناسباتها الدينية والمذهبية والتي مثلت مناسبة الاحتفاء بيوم الغدير أو يوم الولاية البداية لها، قبل أن تتوسع الحركة الحوثية في ابتداع مناسبات عديدة والاحتفاء بها خصوصاً بعد اقتحامها بالقوة العاصمة صنعاء في 21 سبتمبر العام 2014م وسيطرتها على مؤسسات الدولة بالقوة والسلاح وتحولها إلى سلطة أمر واقع.

وتكمن خطورة المناسبات التي ابتدعتها وتحييها المليشيات الحوثية في أنها ليست مجرد ثقافة معبرة عن فصيل سياسي أو حركة محلية، أو شريحة اجتماعية مختلفة، بل في كونها مناسبات ذات بعد يمتزج فيه السياسي بالديني، والمذهبي بالعنصري، واستحضار الماضي الممتد إلى 14 قرناً وخلافاته وتحويلها إلى مبررات للادعاء بحقوق سياسية لجماعة تمثل مذهباً معيناً، وأقلية سكانية، وهو ما يجعل مناسباتها مشروع سياسي يسعى إلى السيطرة على السلطة والحكم وممارسته بالقوة والعنف تحت مزاعم (الحق الإلهي) المرتبط بدعاوى السلالة والانتساب إلى الرسول محمد.

يوم الغدير أو يوم الولاية

يحتشد أتباع ومناصرو المليشيات الحوثية في العاصمة صنعاء والمناطق التي يسيطرون عليها في الثامن عشر من ذي الحجة، إحياءً لما يسمونه بيوم الغدير أو يوم الولاية، ويحتفون به بأشكال وصور مختلفة، منها: إطلاق الألعاب النارية، وإحراق الإطارات في سماء المنازل، وإلقاء الخطب والكلمات، وترديد الزوامل، ونشر الشعارات واللافتات التي تحتوي مضامين تدعي أن يوم الولاية هو يوم ديني بل ويمثل جوهر الدين، ويقدمون في سبيل ذلك براهين تزعم بحق علي بن ابي طالب في تولي الحكم والسلطة بعد موت الرسول محمد، وتحاول صبغ واقع اليوم بمعطيات الصراع الذي دار بين علي بن ابي طالب ومعاوية بن ابي سفيان على السلطة، وهو الصراع الذي حسم لصالح معاوية.

ومع أن الاحتفاء ب(يوم الغدير) أو ما يسمى (يوم الولاية) هو مناسبة مذهبية لا علاقة لبقية المذاهب الإسلامية أو المؤمنين بهذه المذاهب بها، إلا أن مليشيات الحوثي تسعى لفرضه كمناسبة يجب على اليمنيين ليس إحياءها فقط، بل الإيمان بها وبتبعاتها السياسية والدينية والمذهبية بناءً على أوهام مرتبطة بالنسب والسلالة، وهي مزاعم ما أنزل الله بها من سلطان، بل إن الأخطر من ذلك أن مليشيات الحوثي باتت تعتبر من يرفضها أو يعبر حتى عن عدم القناعة بها كافراً ومنافقاً وداعشياً يجب قتاله، بل وعدواً لله ولرسوله وللمؤمنين مع ما يستلزمه ذلك من تكفيره وإهدار لدمه، بل والإفتاء بالجهاد ضده حتى يؤمن بمزاعمهم.

ذكرى استشهاد الحسين

ومثل مناسبة (يوم الغدير) ابتدعت المليشيات الحوثية ذكرى استشهاد الحسين بن علي بن ابي طالب، لتحوله إلى يوم تحتفي به وتفرضه كمناسبة يجب على كل مؤسسات الدولة وسلطاتها المركزية والمحلية في مناطق سيطرتها إحياءها بالطريقة والكيفية التي تريدها المليشيا.

وعلى غرار ما تمارسه كل الفرق والحركات المرتبطة بالمذاهب الشيعية الاثني عشرية، وعلى وجه الخصوص ما تشهده جمهورية إيران، وما تقوم به حركات العراق الشيعية وحزب الله اللبناني في مناسبة كهذه، تحاول المليشيات الحوثية تحويل هذا اليوم إلى مناسبة تستحضر فيها كل معطيات تلك الفترة التي تمتد لأربعة عشر قرناً، والسعي لإسقاطها على الواقع المعاصر بما يضمن ترسيخ مزاعمها في أحقيتها بالحكم.

ولعل إحدى أبرز المزاعم التي تحاول المليشيات الحوثية فرضها كثقافة على اليمنيين هو الادعاء بضرورة الأخذ بثار الحسين بن علي بن ابي طالب باعتبار ذلك هو الوضع الطبيعي الذي يجب الإيمان به والجهاد في سبيل تحقيقه في نظر هذه المليشيات.

وتحت مزاعم شعارات (يا لثارات الحسين) التي ترددها المذاهب الشيعية ومنها المليشيات الحوثية، وحتى تربط الحاضر بصراعات ذلك الماضي، تسعى هذه المليشيات لترسيخ ثقافة الأخذ بالثأر لدم الحسين من كل من يعارضها مذهبياً أو سياسياً، حيث يتحول هذا المعارض لأفكار وثقافة وعنصرية هذه المليشيات أحد أتباع يزيد بن معاوية ومناصريه الذي يتوجب مواجهته وقتله أخذاً بثأر الحسين، وإعادة حق السلطة إلى مستحقيه وهم سلالة الحسين، وهم في اليمن ممثلون بـ(عبدالملك الحوثي) وأسرته ومن معهم من الهاشميين.

استشهاد الإمام زيد

لا يختلف إحياء المليشيات الحوثية لذكرى استشهاد الإمام زيد بن علي بن ابي طالب، عن ذكرى استشهاد الحسين، فهي مناسبة تسعى من خلالها المليشيات الحوثية لترسيخ مزاعم الأحقية بالسلطة وحصرها في سلالة أولاد علي بن ابي طالب باعتبارهم أحفاد الرسول.

ومن يستقرىء مضامين الخطابات والكلمات والقصائد والزوامل والشعارات التي تحيي بها مليشيات الحوثي هذه المناسبة، لا يجد صعوبة في إدراك الأهداف الخفية التي تحاول من خلالها هذه المليشيا تحقيقها من خلال دعاوى أحقيتها بالحكم وربط ذلك بصراعات السلطة التي شهدتها فترة ما بعد الخلفاء الراشدين.

وكنموذج فقط على سعي المليشيا الحوثية لاجترار صراعات التاريخ وتقديمها كمظلومية يجب أن يقابلها إعطاء المنتسبين زعماً لسلالة النبي الحق في حكم الناس، نجد مضامين كلمة لزعيم المليشيات الحوثية عبدالملك الحوثي ألقاها يوم الأربعاء 25 محرم 1438هـ بهذه المناسبة، تتضمن هجوماً كبيراً على ما سماه (تسلط الأمويين) التسلط الأموي الذي (كان موقعه في السلطة كارثة كبيرة على الأمة في دينها ودنياها في حاضرها ومستقبلها الممتد عبر التاريخ والأجيال)، زاعماً (أن التسلط الأموي استهدف الأمة بكلها منذ يومه الأول، واستهدفها في المبادئ، لأنه كان يرى أنه لا يستطيع أن يسيطر على الأمة إلا بعد أن يهدم فيها المبادئ والقيم والأخلاق والوعي، وأن يخرجها من النور الذي أتى به محمد وتضمنه القرآن الكريم).

ولا يعكس تضمين زعيم المليشيا كلمته مضامين تجتر صراعات التاريخ مدى سيطرة ثقافة الانتقام لدى هذه المليشيات على أحداث شهدتها الساحة الإسلامية قبل 14 قرناً فحسب، بل ويقدم دليلاً على سعيه وأسرته ومليشياته لإقناع الناس بعدم جدوى مبادئ الثورة والجمهورية والديمقراطية، وحق الناس في اختيار من يحكمهم، وأن الحق فقط ينحصر في الإيمان بحقه وحق أسرته في الحكم باعتبار ذلك حقاً إلهياً، كما يزعمون، وباعتبار أي سلطة خارج إطار سلطة (آل البيت) هي امتداد لسلطة الأمويين الظالمة الحاقدة الكافرة في نظر عبدالملك الحوثي وأفكاره وثقافته.