تكتيك لا تنازل دائم.. تحليل: الحوثيون يستثمرون اتفاق غزة لتحقيق مكاسبهم

السياسية - منذ ساعة و 38 دقيقة
عدن، نيوزيمن، خاص:

في الوقت الذي يرى الفلسطينيين أن وقف إطلاق النار بين إسرائيل وحماس يُعدّ مكسبًا دبلوماسيًا، تنظر إليه ميليشيا الحوثي الإيرانية من منظور تعبوي واستراتيجي أكثر من كونه تنازلًا.

ويؤكد تحليل نشره المجلس الأطلسي مؤخرًا أن الحوثيين قد لا ينظرون إلى وقف إطلاق النار في غزة كسلام دائم، بل كمرحلة انتقالية تُمكّنهم من ترسيخ وجودهم الإقليمي. والتوتر في البحر الأحمر والانتشار في إفريقيا قد يكونان جزءًا من استراتيجية أكبر من مجرد حرب يمنى داخلية. ونجاح هذه الاستراتيجية أو فشلها يعتمد جزئيًا على توازن القوى الإقليمية والدعم الدولي، ما يجعل الفترة المقبلة حاسمة لمحور المقاومة الإيراني والحوثي على حدّ سواء.

التحليل أعده الباحث أسامة الروحاني بعنوان "بعد وقف إطلاق النار في غزة: ما الذي ينتظر الحوثيين؟"  وأشار أن ميليشيا الحوثي تستغل هذا التوقف لتهدئة العاصفة مؤقتًا، لكن ليس كإعلان انسحاب نهائي. فوقف هجماتهم يبدو بمثابة ردّ تكتيكي يمكّنهم من إعادة ترتيب أوراقهم، وليس تنازلاً أيديولوجيًا.

الباحث كشف عن استغلال الحوثيين لوقف النار لتعزيز شبكاتهم في البحر الأحمر وإريتريا وغيرها من الدول المطلة. هذا التوسع لا يهدف فقط إلى توسيع رقعة الصراع، بل لبناء موطئ قدم لوجستي طويل الأمد، بحيث لا يصبح اليمن وحده مركز نفوذهم، بل منصة عبور دولية، ما يمنحهم مرونة أكبر في قدرتهم على المناورة والمساومة.

وألمح التحليل أن الحوثيين قد يستخدمون التوقف حاليا كورقة ضغط لإعادة فتح مفاوضات اقتصادية مع دول الخليج، خصوصًا لإحياء وعود مالية (كما في اتفاق سابق مع السعودية). هذا النهج - إن صحّ - يعكس أن الجماعة لا تنظر فقط إلى الحرب باعتبارها خيارًا عسكريًا، بل كوسيلة للحصول على مكتسب اقتصادي وسياسي. لكن المفاضلة بين العودة إلى الحرب أو الابتزاز تعتمد على قدرتهم الميدانية ومواردهم المتعبة، خاصة في ظل الضغوط الدولية والتصنيف الإرهابي المفروض عليهم.

أحد أبرز السيناريوهات التي يطرحها التحليل هو أن الحوثيين قد يعيدون تصعيد أعمالهم عبر البحر الأحمر، كخيار أقل تكلفة عسكريًا وأكثر فاعلية من خوض مواجهة مباشرة شاملة. ذلك التصعيد يمكن أن يُستخدم كرأس حربة لابتزاز إقليمي أو لفرض وجود دائم في المهمة الإستراتيجية الإيرانية في المنطقة.

التحليل يؤكد أن إيران لا ترى الحوثيين فقط كمرتزقة أو وكلاء، وإنما كأداة استراتيجية للضغط في المنطقة. لكن هذه العلاقة ليست خالية من المخاطر. إذ إذا دفع الحوثيون نحو تصعيد من البحر الأحمر، فإن ذلك قد يضع إيران في موقف مواجهة أكبر مع إسرائيل والدول الغربية، ما يزيد من تكلفة هذا الدعم.

يخلص التحليل إلى أن التهدئة الحالية قد تكون مرحلة تمهيدية لمعادلات جديدة، لا بداية سلام طويل الأمد. الحوثيون، بحسب هذا المنطق، ليسوا في حالة تنازل بل في موقف انتظار: انتظار نتائج الضغوط على إيران، وتحركات إسرائيلية مستقبلية، وربما ذريعة لإعادة إشعال جبهاتهم. البحر الأحمر، من هذا المنظور، يمكن أن يبقى نقطة خلاف محورية، لأنه يمنحهم قدرة على إعادة نشر نفوذهم إذا ما اختارت إيران ذلك.

تحليل موقع المجلس الأطلسي يؤكد على توصيات هامة في مقدمتها ضرورة قيام  المجتمع الدولي بتشديد مراقبة نشاط الحوثيين البحري وإسناد جهود مراقبة الشحنات العسكرية، وعلى دول البحر الأحمر والدول الإفريقية المعنية بقاعدة النفوذ الحوثي (مثل إريتريا) أن تُدرس الاستراتيجية الإيرانية الحقيقية وتضع خططًا أمنية مشتركة، وكذا مراقبة الدعم المالي و الدبلوماسي الذي يُمنح للحوثيين لتعزيز قدراتهم، وينبغي أن يُشترط مراقبة دقيقة لآليات استثماره، وعدم السماح للاستخدام كسلاح ابتزاز سياسي.

ولفت التحليل إلى ضرورة إعداد سيناريوهات متعددة، وعلى الأطراف المعنية (الإقليمية والدولية) أن تستعد لعدة مسارات مستقبلية من التحول نحو السلام إلى التصعيد المحدود عبر البحر، أو حتى إعادة التموضع الإقليمي للحوثيين كذراع إيرانية.