اليمن والصومال.. عدم الاستقرار يضاعف المخاطر البحرية على التجارة الدولية

السياسية - منذ ساعة و 41 دقيقة
عدن، نيوزيمن:

تشكل مياه البحر الأحمر وباب المندب اليوم نقطة توتر استراتيجية متنامية على الصعيدين الأمني والتجاري، بفعل استمرار الأزمات في اليمن ومنطقة القرن الإفريقي. وكشف تقرير حديث صادر عن وكالة بلومبيرج أن عودة هجمات القرصنة البحرية قبالة السواحل الصومالية بعد سنوات من الانحسار يسلط الضوء على هشاشة الأمن الإقليمي في المنطقة ويبرز المخاطر المباشرة التي تواجه حركة الشحن العالمية وأسواق الطاقة.

وتشير بيانات عمليات التجارة البحرية البريطانية إلى تسجيل ثلاثة حوادث قرصنة خلال الشهر الجاري فقط، وهو مؤشر على أن القراصنة الصوماليين لم يختفوا، بل استفادوا من الفراغ الأمني الناتج عن ضعف الدولة المركزية في الصومال والتوترات الإقليمية. ورغم الانخفاض الكبير في عدد الهجمات منذ ذروتها عام 2011، فإن الانخفاض لا يعني القضاء على الظاهرة، إذ تستمر الهجمات الصغيرة والسطو على السفن التجارية.

ويرجع الخبراء أسباب هذا النشاط إلى ضعف المؤسسات الحكومية في الصومال وغياب القدرة على مراقبة السواحل، إضافة إلى عوامل اقتصادية واجتماعية عميقة مثل الفقر ونقص فرص العمل، مما يجعل القرصنة خيارًا للبعض كمصدر للدخل.

ورغم الجهود الدولية لمكافحة القرصنة، بما في ذلك الدوريات البحرية التابعة للاتحاد الأوروبي واستخدام الحراس المسلحين على متن السفن، تبقى هذه الإجراءات حلولًا مؤقتة تعالج الأعراض فقط دون معالجة الأسباب الجذرية. ويشير محللون إلى أن الحلول الفعالة تتطلب دعمًا طويل المدى لتقوية الدولة الصومالية وتعزيز التنمية الاقتصادية والاجتماعية، بجانب التعاون الإقليمي لمكافحة الشبكات الإجرامية العابرة للحدود.

من جانب آخر، يظل الحوثيون في اليمن قادرين على تهديد الملاحة التجارية في البحر الأحمر عبر صواريخ وطائرات مسيرة وسفن غير مأهولة. منذ اندلاع النزاع الإسرائيلي-الفلسطيني في أكتوبر 2023، استهدف الحوثيون أكثر من 100 سفينة، ما أدى إلى أضرار بشرية ومادية مباشرة، وأجبر العديد من مشغلي السفن على إعادة توجيه مساراتها حول أفريقيا، وهو ما يزيد التكاليف اللوجستية ويضغط على أسواق الشحن العالمية.

ويشير الخبراء إلى أن الطبيعة المتقطعة للعمليات الحوثية لا تقلل من خطورتها الاستراتيجية، إذ تكفي بعض الهجمات المركزة لإحداث اضطرابات كبيرة في حركة الشحن وتأخير إمدادات النفط والسلع الأساسية، خصوصًا في ظل اعتماد الاقتصاد العالمي على مرور الشحن عبر هذه الممرات الحيوية.

وبحسب تقرير وكالة بلومبيرج، يمكن النظر إلى القرصنة البحرية الحالية على أنها مرآة لمجموعة أوسع من المخاطر الإقليمية، تتمثل في ضعف المؤسسات الحكومية، والتوترات العسكرية، والنزاعات العابرة للحدود. هذه المخاطر تتضاعف لتؤثر على سلسلة الإمداد العالمي، خصوصًا في قطاع النفط والمواد الأساسية الذي يمر عبر البحر الأحمر وباب المندب.

وأشار التقرير إلى أن تحركات الحوثيين الأخيرة، وإن كانت محدودة ومؤقتة، تبرز الحاجة إلى مراقبة أمنية مستمرة وتقييمات مخاطر استراتيجية للسفن والشركات التجارية الدولية، بما في ذلك إعداد خطط بديلة لمسارات الشحن وتأمين الحماية الفعلية للسفن العابرة.

وأكد التقرير الاقتصادي أن الحلول العسكرية وحدها غير كافية؛ إذ تتطلب مواجهة القرصنة ونهب الشحن التجاري معالجة الجذور الاقتصادية والاجتماعية للنزاع، إلى جانب تكثيف التعاون الإقليمي والدولي لتقوية قدرات الدول الساحلية على إدارة أمنها البحري. وفي ظل استمرار تهديد الحوثيين وإمكانية استغلال القراصنة للفراغ الأمني في الصومال، ستظل مياه البحر الأحمر محور توترات استراتيجية تؤثر بشكل مباشر على الأمن البحري والتجارة العالمية، ما يجعلها إحدى أكثر النقاط الحساسة على خريطة الشحن الدولية.