من "الجهاد" إلى "السيادة".. سردية الإخوان لتبرير الحرب وتمزيق السودان

العالم - منذ ساعتان و 6 دقائق
الخرطوم، نيوزيمن:

منذ اندلاع الحرب في السودان منتصف أبريل 2023، صعّدت شبكات إعلامية تابعة لتنظيم الإخوان المسلمين حملاتها الدعائية المضللة، مستخدمةً أدوات رقمية حديثة لإعادة صياغة رواية الحرب وتبرئة التنظيم من دوره في إشعالها، وسط تحذيرات من خطورة تأثيرها على النسيج المجتمعي وتعميق معاناة السودانيين.

ويرى مختصون أن الحملة الإخوانية أعادت تدوير خطابها القديم الذي استخدمه التنظيم قبل أكثر من ثلاثة عقود، حين سعى إلى تعبئة الشارع بخطاب ديني وهويّاتي لتبرير حرب الجنوب آنذاك، مستخدمًا شعارات "الجهاد" و"حماية الشريعة" في مواجهة ما كان يسميه "التمرد" و"الأجندات الأجنبية".

إلا أن تلك السردية التقليدية، وفق الخبراء، اصطدمت اليوم بواقع مختلف كلياً، مع تطور وسائل الاتصال وسهولة التحقق من المعلومات، ما جعل كثيراً من محاولات التضليل مكشوفة أمام المتابعين والناشطين.

وبحسب تقارير إعلامية، اعتمدت الحملة الإخوانية على "غرف إلكترونية" وصفحات على منصات التواصل مثل تلغرام وفيسبوك وواتساب، لتنسيق بث مقاطع مفبركة أو مجتزأة، ونشر شائعات عبر وسوم وتسريبات مصطنعة.

ويقول المدير الأسبق لوكالة السودان للأنباء، محمد عبد الحميد، إن أدوات الحملة شملت "فبركة مواد مرئية وصوتية وإعادة تدوير لقطات من ألعاب فيديو أو نزاعات أخرى"، مشيراً إلى أن الغاية كانت "صرف الأنظار عن جرائم الحرب في دارفور والخرطوم، وشيطنة القوى المدنية".

ويضيف الصحفي ياسر قاسم أن الحملة أعادت خطاب "الهوس الديني" الذي ساد تسعينات القرن الماضي، مرفقاً بتسليح كتائب جهادية مثل "كتيبة البراء"، في محاولة للعب على المشاعر الدينية.

وأشارت تقارير إلى أن الخطاب الإخواني المضلل وجد صداه في بعض مؤسسات الدولة، إذ تبنى عدد من الدبلوماسيين السودانيين في الخارج خطاب الحملة، في تجاوز للأعراف الدبلوماسية.

ويقول المحلل السياسي عادل خليفة إن التنظيم "عمل منذ الساعات الأولى للحرب على نشر رسائل سلبية ضد الحكم المدني الذي كان يرفع شعار تفكيك نظام الإخوان"، مستخدماً أدوات تضليل دون اكتراث بتداعياتها على البلاد.

وأوضح الصحفي الاستقصائي عبد الرحمن الأمين أن انتشار الأمية بين أكثر من 60% من سكان السودان منح الحملة أرضاً خصبة للانتشار، لافتاً إلى أن "الكثيرين يكتفون بإعادة إرسال الرسائل دون تدقيق أو بحث"، ما سهّل تداول الأخبار المضللة.

وترى الإعلامية نادين علاء الدين أن الحملة الإخوانية لم تكن مجرد وسيلة دعائية، بل "أداة ممنهجة لتمزيق المجتمع وضرب التماسك الوطني"، محذّرة من أن تأثيرها "يفوق العمليات القتالية نفسها" من حيث خطورتها على وحدة البلاد.

وتضيف أن "الحملة استهدفت كل من دعا إلى السلام أو نبذ الحرب، في محاولة لتخويف الشارع من العودة للمطالبة بالمدنية، وإطالة أمد الحرب عبر تضليل الرأي العام".

وتخلص التحليلات إلى أن الهدف الأبرز لحملة التضليل الإخوانية يتمثل في إعادة بناء صورة التنظيم وتبرير الحرب بوصفها "ثمن استعادة الدولة"، مع محاولات لتليين الموقف الدولي من خلال الترويج لفكرة أن الجيش هو "حائط الصد ضد التطرف والتفكك".

غير أن توسع الوعي الرقمي وتزايد منصات التحقق الإخباري جعل من الصعب استمرار تلك الحملات دون كشفها، وهو ما يشير إليه مراقبون باعتباره أحد أبرز التحديات التي تواجه تنظيم الإخوان في سعيه للعودة إلى السلطة عبر أدوات التضليل والإرباك الإعلامي.