قضية الطبيب جمعان السامعي.. العدالة تحت رحمة السلالية الحوثية
السياسية - Friday 15 August 2025 الساعة 09:57 pm
تصاعدت الأزمة المحيطة بجريمة اغتيال الطبيب الشاب جمعان عبدالكريم السامعي في محافظة ذمار، لتتحول من قضية فردية إلى حدث يفضح هشاشة مؤسسات مليشيا الحوثي في تطبيق القانون، ويكشف محاولاتها المستمرة لتمييع القضايا وطمس العدالة.
جريمة القتل، التي وقعت داخل مستشفى الوحدة التعليمي، أواخر شهر سبتمبر من العام 2023 لم تكن مجرد حادث مأساوي، بل أضحت رمزًا لغضب شعبي واسع من ممارسات الجماعة تجاه المواطنين الأبرياء، وخصوصًا حين يتعلق الأمر بدماء الشباب الطموحين الذين يسعون لخدمة مجتمعهم.
التهديد الأخير الذي تلقته أسرة الشهيد من نيابة معبر بفرض دفن قسري للجثمان في حال رفضهم استلامه، يضع هذه القضية تحت الأضواء الدولية والمحلية، ويظهر مدى التحدي الذي تواجهه الأسر اليمنية في السعي لتحقيق العدالة في مناطق سيطرة الجماعة.
قتل الطبيب جمعان السامعي، البالغ من العمر 25 عامًا، أثناء أدائه فترة "الامتياز" في مستشفى الوحدة التعليمي بمعبر – محافظة ذمار، على يد أحد عناصر مليشيات الحوثي، المدعو عبدالله المتوكل، الذي ينتمي إلى أسرة حوثية بارزة. رغم إصدار حكم الإعدام على القاتل منذ أكتوبر 2023، ظل تنفيذ الحكم معطلاً بذريعة انتمائه لما يُسمى "آل البيت"، وما يزال القاتل طليقًا حتى اليوم.
وأكدت نيابة معبر، التابعة للجماعة، في خطوة وصفها أولياء الدم بالمستفزة، أنه في حال رفض الأسرة استلام الجثمان، سيتم دفنه قسريًا. وقد أثار هذا التهديد استنكار الأسرة والغضب الشعبي، إذ يعد تجاوزًا صارخًا لحقوق أولياء الدم ومحاولة لطمس معالم الجريمة قبل تطبيق العدالة.
صوت مكلوم
قالت والدة الشهيد في بيان مؤثر: "أنا أم الشهيد الدكتور جمعان السامعي أرفع إليكم صوتي المكلوم، صوت أم فقدت فلذة كبدها ظلماً وعدواناً داخل مستشفى الوحدة التعليمي في ذمار بتاريخ 24 سبتمبر 2023م، على يد القاتل عبدالله المتوكل، وهو مسلح ينتمي لإحدى الأسر الحوثية المعروفة. هذه جريمة هزّت ضمير كل من عرف جمعان، الطبيب الإنسان، الابن البار وزميل العلم والطب."
وأضافت الأم في كلمتها المليئة بالحزن والأسى، أن فقدان ابنها لم يكن مجرد ألم شخصي، بل صدمة اجتماعية كبيرة أثرت على الأسرة والمجتمع الطبي في ذمار. وأكدت أن جمعان لم يكن طبيبًا فحسب، بل رمزًا للعمل الإنساني والأخلاقي في بيئة تزداد فيها المخاطر على الأطباء والممرضين، وأن قتله بهذه الطريقة أثار خوف المجتمع المحلي من تزايد الإفلات من العقاب.
كما أكد أولياء الدم تمسكهم بالعهد الذي قطعوه أمام زملاء ابنهم ومجتمع الجامعة بعدم دفن الجثمان إلا بعد تنفيذ حكم الإعدام بحق القاتل. وأوضحوا أن أي محاولة للتجاوز أو دفن قسري للجثمان ليست مجرد إهانة للعدالة اليمنية، بل تعد انتهاكًا صارخًا لحقوق الأسرة وللضمير الإنساني، وتشكل رسالة مقلقة لكل الضحايا المحتملين من الجرائم المشابهة.
استمرار الأزمة
أحد أقارب الضحية، رشيد هايل السامعي، كتب على صفحته في "فيسبوك": "أكثر من عام ونصف مضت على جريمة اغتيال شهيد العلم والطب، وحكم الإعدام على القاتل ما زال حبيس الأدراج، والجثمان في ثلاجة المستشفى ينتظر القصاص. وكيل نيابة معبر يهدد أولياء الدم: استلموا الجثمان وادفنوه فورًا… وإلا سندفنه نحن! رد العائلة كان أقوى: لن ندفن شهيد العلم والطب قبل أن نرى قاتله يتلقى جزاءه العادل أمام الجميع، وفي نفس المكان الذي أُزهقت فيه روحه."
وأضاف: "هذا التهديد بدفن الجثمان قبل القصاص ليس مجرد تجاوز قانوني، بل وصمة عار على القضاء في مناطق سيطرة الحوثيين، ورسالة لكل مجرم أن بإمكانه الإفلات من العقاب. استمرار هذه الأزمة يزيد من شعور الأسر اليمنية بالعجز تجاه تحقيق العدالة، ويعكس بوضوح الانفصال التام بين النظام القضائي في مناطق الحوثيين والمعايير القانونية والإنسانية الدولية."
وأشار إلى أن هذه القضية لم تعد مسألة فردية أو عائلية، بل أصبحت قضية رأي عام، تقف أمامها جميع مؤسسات المجتمع المدني والأكاديمي والإعلامي لتسليط الضوء على مأساة فقدان الحياة الإنسانية تحت الإهمال والتواطؤ.
تضامن الشعبي
أطلق نشطاء حملة تضامن واسعة على منصة "فيسبوك" تحت عنوان: "قضية رأي عام شهيد الغدر – جمعان عبدالكريم محمد السامعي". وذكرت الحملة في بيانها: "تخيل أن تعمل سنوات طويلة من أجل تعليم أولادك، وتفخر بهم، وفجأة يُقتل ابنك الطبيب في بداية مشواره العملي. هذه ليست قصة خيال، بل مأساة والد ووالدة جمعان السامعي، الذي قُتل داخل المستشفى التي بدأ فيها تطبيقه العملي. وبعد مرور عامين، تفاجأت الأسرة بإخطار نيابة معبر بدفنه قبل القصاص، في محاولة لتمييع قضية ابنهم المظلوم."
وأكد البيان أن القصاص ليس مجرد إجراء قانوني، بل رسالة بأن دماء الأبرياء لن تذهب سدى، وأن من يعتدي على حياة الآخرين سيدفع الثمن. ودعا البيان جميع الحقوقيين والأطباء والإعلاميين إلى رفع الصوت ودعم قضية العدالة، معتبرًا أن أي صمت أو تساهل مع الجرائم المشابهة يشجع على المزيد من الانتهاكات ويقوض أي سلطة قانونية في مناطق الحوثيين.
الناشط الاجتماعي يوسف الشامي أوضح أن "قضية جمعان لم تعد مجرد قضية أسرة أو ضحية، بل أصبحت رمزية للمجتمع اليمني بأسره. استمرار تأجيل القصاص ومحاولات تمييع القضية يعكس صراعًا بين سلطة الجماعة ومطالب المجتمع بالعدالة، ويؤدي إلى مزيد من الاحتقان المجتمعي والقبلي."
خطر كبير
توضح قضية جمعان السامعي هشاشة مؤسسات الحوثيين في فرض القانون، خاصة عند مواجهتهم لجرائم يرتكبها عناصر مقربون من الجماعة. كما تعكس الأزمة استمرار الانتهاكات في قطاع الصحة والتعليم، وغياب أي رقابة فعّالة على أفعال المليشيات داخل المؤسسات الرسمية.
ويشير النشطاء الحقوقيون إلى أن تهديد دفن الجثمان قبل تنفيذ القصاص يمثل محاولة واضحة لتمييع القضية والضغط على الأسرة لإرغامها على التسليم بالواقع المفروض، لكنه في الوقت ذاته يرفع سقف الغضب الشعبي والقبلي، ويزيد من تعقيد الموقف السياسي للجماعة في مناطق سيطرتها، ويمثل تحديًا لشرعيتها الأخلاقية والقانونية في نظر المجتمع المحلي والدولي.
الناشطة الطبية سلمى الحاج قالت أن "الأطباء في اليمن يعيشون خطرًا مضاعفًا عندما يصبح المستشفى مكانًا للقتل والإهمال الأمني، وهذا يهدد مستقبل الخدمات الصحية في البلاد. قضية جمعان يجب أن تكون دروسًا لكل الجهات الرسمية حول حماية الطواقم الطبية."
فيما الخبيرة الحقوقية نوال الحاج قالت: "ما يحدث في قضية جمعان السامعي هو مثال صارخ على غياب سلطة القانون في مناطق الحوثيين، وتهديد الجثمان قبل تنفيذ الحكم يضع علامة استفهام كبيرة حول نزاهة القضاء هناك. أي محاولة للتجاوز القانوني يجب أن تواجه برفع دعاوى حقوقية دولية ودعم محلي واسع."
رمز للعدالة المعلقة
قضية الطبيب الشهيد جمعان السامعي تحولت إلى رمز للعدالة المعلقة في اليمن، ولغضب المواطنين تجاه محاولات الحوثيين لفرض القانون وفق مصالحهم الخاصة. استمرار تهديد الجثمان قبل تنفيذ حكم القصاص، وتحويل القضية إلى وسيلة للضغط، يعكس هشاشة الجماعة وافتقادها للشرعية الأخلاقية، ويؤكد على ضرورة دعم المجتمع المدني والحقوقي في اليمن لإحقاق العدالة وحماية الحقوق الإنسانية للمواطنين.
وتؤكد الناشطة الحقوقية أسماء علوي: "تهديد دفن الجثمان قبل تنفيذ القصاص يمثل انتهاكًا صارخًا لحقوق الأسرة والقانون اليمني، ويؤكد أن مليشيات الحوثي لا تعترف بالعدالة. قضية جمعان ليست مجرد جريمة فردية، بل اختبار حقيقي لمدى قدرة المجتمع على حماية حقوق أفراده في مناطق سيطرة الجماعة."
فيما يرى الناشط محمد القباطي "استمرار التأخير في تنفيذ حكم الإعدام ضد القاتل يجعل القضية رمزًا للإفلات من العقاب، ويعطي إشارة خطيرة لكل من يعتزم ارتكاب جرائم مماثلة. هذا الموقف يجب أن يرفع صوت المجتمع المدني والإعلاميين لفضح الانتهاكات."
فيما يرى المحلل السياسي سامي الغرابي أن "تهديد دفن الجثمان قبل القصاص يعكس ضعف مؤسسات الجماعة في فرض القانون على عناصرها، ويمثل سياسة ضغط على الأسرة والمجتمع المحلي. هذه الخطوة تزيد من الغضب الشعبي وتضع الحوثيين في مواجهة مستمرة مع الرأي العام والمجتمع الدولي."