الحوثيون يغلقون أبواب الإنقاذ.. أزمة مياه حادة تخنق سكان الحداء في ذمار
الحوثي تحت المجهر - منذ ساعتان و 39 دقيقة
في قلب الجبال المترامية بمديرية الحداء التابعة لمحافظة ذمار، حيث لا تصل المشاريع ولا تستجيب السلطات، يعيش سكان منطقتي بيت أبو عاطف وبني جلعة مأساة إنسانية مكتملة الأركان، تتقاطع فيها مشقة العيش مع الخطر الصحي، وتغيب عنها أبسط مقومات الحياة الكريمة، وفي مقدمتها مياه الشرب النقية.
رغم التحذيرات المتكررة من انتشار الأوبئة والأمراض المنقولة عبر المياه، لا تزال مئات الأسر في تلك القرى النائية تعتمد على غيول مكشوفة لتأمين حاجتها اليومية من المياه، وسط صمت مطبق من جماعة الحوثي التي تسيطر على المحافظة، وتُحكم قبضتها على كل المؤسسات والمنظمات المحلية والدولية العاملة في المجال الإنساني.
وثّق مقطع مرئي متداول على منصات التواصل الاجتماعي، مشهدًا مأساويًا لعدد من الأطفال وهم يقطعون مسافات طويلة في مسارات وعرة محاطة بالصخور والانهيارات، على ظهور الحمير، لجلب مياه الشرب من غيل مكشوف في أحد الجبال، في صورة تلخص المعاناة المركبة التي يعيشها هؤلاء السكان.
ويُظهر المقطع الأطفال وهم يملأون أوعيتهم من مياه راكدة ملوثة، تتجمع فيها فضلات الحيوانات، وتختلط بمخلفات التربة، ما يفضح الخطر الصحي المحدق بالسكان، خاصة الأطفال والنساء الذين يمثلون الشريحة الأضعف والأكثر تعرضًا للأمراض في مثل هذه الظروف.
مصدر محلي من سكان المنطقة، تحدث لـ"نيوزيمن" بشرط عدم الكشف عن هويته، أكد أن الكارثة لا تقتصر فقط على شح المياه وصعوبة الوصول إليها، بل تتضاعف بفعل التلوث البيئي الخطير الذي يعاني منه الغيل المستخدم كمصدر وحيد للمياه.
وأشار إلى أن الأمراض المرتبطة بالمياه – خصوصًا الإسهالات المائية الحادة والطفيلية – أصبحت مشهدًا متكررًا في بيوت المنطقة، مؤكدًا أن الأسر لا تكاد تنجو من موجة حتى تدخل في أخرى، في ظل انعدام أي رعاية صحية أو تدخلات وقائية، أو حتى حملة توعية واحدة.
في وقت يصرخ فيه السكان طلبًا لمشروع مياه، تقف مليشيا الحوثي حجر عثرة أمام أي استجابة دولية أو محلية. فبحسب المصدر، سبق للمنطقة أن تلقت وعودًا من منظمات إنسانية بحفر بئر مياه صحية، أو توفير منظومة طاقة شمسية، لكن السلطات الحوثية في صنعاء وذمار تدخلت لوقف تلك المبادرات، إما عبر عراقيل إدارية أو بإثارة الخلافات المجتمعية داخل القرى بهدف تقويض أي جهد ذاتي جماعي.
وأشار المصدر إلى أن الحوثيين يُفشلون أي تحرك مجتمعي لإيجاد حلول مؤقتة، معتبرًا أن الجماعة تسعى لإبقاء السكان تحت ضغط المعاناة، لضمان خضوعهم وولائهم، مضيفًا أن هناك شواهد متعددة على توجيه موارد المنظمات نحو مناطق نفوذ الجماعة وقياداتها، وحرمان القرى النائية من أي تدخل إنساني حقيقي.
هذه المأساة في الحداء ليست سوى نموذج مكرر لحال قرى ومناطق كثيرة في الريف اليمني الخاضع لسيطرة الحوثيين، حيث انعدام المياه النظيفة، وتفشي الأمراض، وانهيار البنى التحتية، وغياب الدولة، كل ذلك في ظل استحواذ الحوثيين على موارد الدولة والمنظمات، وتوجيهها لخدمة مصالح ضيقة.
وبينما تُقدَّر كلفة حفر بئر واحدة بعشرات الآلاف من الدولارات فقط، فإن الكلفة الإنسانية لغيابها في بيت أبو عاطف وبني جلعة قد تصل إلى حياة طفل، أو مرض دائم، أو أسرة تنهكها مواسم الألم المتكررة.
في بلدٍ يعاني من أسوأ الأزمات الإنسانية عالميًا، تتحول المياه من حق أساسي إلى عبء قاتل، وسط غياب كامل لأي رؤية إنقاذية من سلطات الأمر الواقع، التي بدلاً من أن تضبط المعايير، تغرق في فساد المعايير، حتى في أهم عناصر البقاء: الماء.