بدلاً من معالجة جذور الأزمة.. تعز تحارب عطشها بحملة أمنية

السياسية - Wednesday 09 July 2025 الساعة 06:23 pm
تعز، نيوزيمن:

انتهت المهلة التي منحتها إدارة أمن محافظة تعز للجهات المسؤولة عن أزمة مياه الشرب، دون أن يلمس المواطنون أي تحسن في الوضع، وسط تحذيرات رسمية متكررة باتخاذ إجراءات رادعة ضد كل من يثبت تورطه في افتعال الأزمة أو استغلالها لتحقيق مكاسب خاصة.

وكانت إدارة أمن تعز قد منحت مهلة زمنية لا تتجاوز 24 ساعة لإنهاء أزمة المياه المتفاقمة خلال الأسابيع الماضية، ملوّحة باتخاذ إجراءات صارمة بحق المخالفين والمتسببين بالأزمة التي نغّصت حياة المواطنين وأثقلت كاهلهم في ظل نقص الإمدادات وارتفاع أسعار المياه المباعة.

ونفّذت قوات الشرطة، في وقت متأخر من ليلة أمس، حملة نزول ميدانية إلى محطات التحلية والمحال التجارية، بمشاركة عُقّال الحارات ومديري الأقسام، للتحقق من مدى التزام الجميع بالتسعيرة الرسمية المعتمدة، والتي حُدّدت بـ300 ريال للجالون سعة 20 لتراً للمستهلك النهائي، و220 ريالاً عند البيع للمحلات التجارية، و35 ألف ريال لصهريج المياه سعة 70 ألف لتر عند البيع للقاطرات.

إلا أن مواطنين يرون أن هذه الحملة لم تُلامس جوهر الأزمة، المتمثل في أسعار بيع المياه من الآبار الجوفية إلى محطات التحلية، والتي تُباع بأسعار مضاعفة من قبل متنفذين داخل مؤسسة المياه، وبدعم من قيادات محلية محسوبة على حزب الإصلاح.

ويشير المواطنون إلى أن هذا التلاعب بأسعار المياه عند المصدر يدفع ملاك محطات التحلية إلى رفع تكلفة البيع للمحال التجارية، والتي تقوم بدورها ببيعها بأسعار مرتفعة للمستهلكين، الأمر الذي يجعل من الرقابة على المحال فقط "إجراءً غير عادل"، يُغفل أصل المشكلة ويحمل الضحايا تبعاتها.

وقد أعرب المواطن محمد السامعي، في تعليق على الحملة، عن خيبة أمله مما وصفه بـ"التحركات الشكلية" التي قامت بها الأجهزة الأمنية، مؤكداً أن المواطنين كانوا ينتظرون إجراءات رادعة ضد المتلاعبين الحقيقيين بإمدادات المياه، وعلى رأسهم المسؤولون عن الآبار الجوفية، الذين يتحكمون بتدفق المياه ويبيعونها بأسعار باهظة لأصحاب المحطات.

وأضاف أن "الرقابة اقتصرت على محطات التحلية والبقالات، وكأنها هي من تفتعل الأزمة، بينما تُترك الجهات المتورطة فعلياً في افتعال المعاناة، وفي مقدمتها شخصيات نافذة داخل مؤسسة المياه، دون محاسبة أو مساءلة"، معتبراً أن هذه الإجراءات لا تعالج جذور المشكلة، بل تزيد من معاناة السكان وتكرّس واقع الاحتكار والفساد.

وأكدت الشرطة أنها بصدد اتخاذ إجراءات قانونية بحق المخالفين، وملاحقة من يحتكر المياه أو يفتعل الأزمات، كما وجّهت بضرورة رفع تقارير رقابية يومية وتحويل كل من يثبت تورطه إلى الجهات المختصة، محمّلة مؤسسات الدولة المعنية كامل المسؤولية عن أي تهاون في تطبيق التعليمات.

في المقابل، وصف ملاك محطات التحلية وأصحاب المحال التجارية في مدينة تعز الحملة بأنها انتقائية وتستهدفهم دون غيرهم، في حين تبقى الجهات الفعلية المسؤولة عن الأزمة بمنأى عن المحاسبة.

وقال عدد من التجار إن ما يجري لا يُعد حملة رقابة حقيقية، بل عملية ابتزاز تمارسها بعض الأجهزة الأمنية، مشيرين إلى أن التركيز ينصب على محطات البيع والمحال التجارية، بينما تتجاهل الجهات التي تتحكم فعلياً في مصادر المياه.

وأوضحوا أن أسعار المياه القادمة من الآبار الجوفية تشهد تلاعباً متعمداً، حيث تُباع بأسعار مضاعفة من قبل قيادات معروفة ومدعومة من أطراف نافذة في السلطة المحلية، موالية لحزب الإصلاح، ما يُجبر محطات التحلية على رفع الأسعار، خلافاً للتسعيرة الرسمية.

وكشفت مصادر حكومية عن وقوف "لوبي فساد" داخل مؤسسة المياه والسلطة المحلية وراء الأزمة المتفاقمة، من خلال تعطيل إمدادات المياه للشبكة العامة وتحويلها إلى صهاريج خاصة تُباع لاحقاً بأسعار فلكية.

وبحسب تلك المصادر، يتم تعمّد إيقاف ضخ المياه من الآبار الحكومية، بهدف بيعها لسكان المدينة بصهاريج بأسعار تتجاوز 30 ألف ريال، رغم تعبئتها بمبالغ لا تتجاوز 1000 ريال لكل 1000 لتر، بما يحقق أرباحاً غير قانونية لأطراف محددة.

وأكدت المصادر أن هذه الممارسات تُفاقم من معاناة المواطنين، الذين يُضطرون إلى شراء المياه بأسعار تفوق قدرتهم الشرائية، في مدينة تعاني أصلاً من تدهور اقتصادي ونقص حاد في الخدمات الأساسية.

ورغم التحركات الأمنية والتصريحات الرسمية، يرى مراقبون أن أزمة مياه الشرب في تعز مرشحة للتفاقم، ما لم تُتخذ معالجات جذرية تنهي تحكم الفاسدين في مصادر المياه، وتعيد تفعيل الشبكة الحكومية بشكل كامل، إلى جانب فرض الرقابة على مؤسسة المياه نفسها، لا فقط على البائعين النهائيين.

ويؤكد سكان محليون أن الحملات الأمنية والمهل الزمنية لن تُجدي نفعاً ما لم يتم تجفيف منابع الفساد داخل المؤسسات الرسمية، ومحاسبة المتورطين الكبار الذين يتحكمون بسوق المياه في تعز لمصالحهم الخاصة، بينما يُترك المواطنون يكافحون من أجل الحصول على جالون ماء واحد للشرب أو الطهي.