د. صادق القاضي

د. صادق القاضي

تابعنى على

الأمس.. اليوم.. تجليات من قعر الهاوية.!

Monday 08 November 2021 الساعة 08:09 pm

بالأمس. الأمس القريب فقط.. كان عدد العشاق أكثر من عدد المسلحين، وعدد الأغاني أكثر من عدد الخطب. كان المدرسون أكثر من حفاري القبور، وطلاب العلم أكثر من عدد المجاهدين في سبيل العدم..

لم يكن الوضع مقبولاً.. لكن. كانت هناك طموحات واعدة.. وواقع ليس موصدا أمام الأحلام. كانت هناك صحف وقراء وأحزاب ومظاهرات.. وإيديولوجيات أقل عقما وعنفاً، وأكثر صلة بالعصر والحياة.

كان الحكم عصريا. والمعارضة عصرية، وحتى عندما كان يحضر العنف، كان يحضر بكامل أبهته. كانت البنادق يسارية، لها حواس وأمخاخ.. وكان القمع على توحشه أنيقاً وأقل جلافة وعبثية.!

الإرهاب اليوم ديناصور بدائي، أعمى جريح، يضرب كمجنون، ويتكاثر كوباء، الجماعات المسلحة أكثر من عدد الأحزاب، والعنف وصل إلى درجات مريعة في القسوة والانحطاط.!

بالأمس القريب فقط كنا نتحدث عن القوائم النسبية والجندر وما بعد الحداثة، ونحلم باقتصاديات المعرفة، وتكنولوجيا المعلومات، واستبدال عقوبة الإعدام، وتكامل الطاقة بين دول العالم العربي.

كنا نحلم بالرفاه ونطالب بالحرية.. اليوم نحلم بالسلامة، ونتحدث برعب عن مخاوف المجاعة والتشرد والنزوح وانفلات السلاح، وجهاد النكاح، ونطالب القتلة بإحسان ذبح الأبرياء.!

كنا نتحدث عن جنون أشخاص وسقوط قتلى، واليوم نتحدث عن جنون شعوب وسقوط أنظمة ودول.. كان ينقصنا التبادل السلمي للسلطة، واليوم ينقصنا كل شيء.!

بالأمس كنا نستعجل الوصول إلى الغد، واليوم نحث الخطى بهوادة إلى العصور الجاهلية.!

فشل المد القومي والاشتراكي في الوصول بالعالم العربي إلى قمة الحداثة والتمدن.. ثم نجح المد الديني في الوصول به إلى قعر القدامة والتوحش.!

كل ما حدث هو أنا انتقلنا من الاستبداد المستنير إلى الكهنوت الأعمى.!

وإلى أين.؟!

إلى الغد.. ورغم أن الغد دائما هو ابن اليوم. لكن. لا مجال للعودة إلى الأمس.. ولا إمكانية.. ولا شيء غير الغد. وهناك مؤشرات قوية على أننا إن لم ننقرض في هذا الغد، فسنتغير بشدة بقدر التغيرات الجذرية التي غيرت العالم المعاصر.

العالم أصبح قرية صغيرة، وتكنولوجيا المعلومات، جعلت المعرفة والحرية ظاهرة أثيرية، وهذه الظاهرة اقتحمت كل زوايا الكوكب، ومدنت حتى أدغال الغابات. ولا أحد في منأى من هذه العاصفة الخلاقة.

العالم العربي. ليس مختلفا، ورغم سلبيات الظاهرة حتى الآن، هناك مؤشرات على اتجاه الشموليات التقليدية الحاكمة والمعارضة إلى الأفول، لصالح (جيل جديد وشجاع) سيقلب الطاولة على الجميع، بمطالب جديدة، مواكبة للحياة والعصر والمسئولية التاريخية.

ستدشن هذه الأجيال المستنيرة الواعدة، والتي تؤمن وتبشر وتطالب بالديمقراطية والعدالة والحداثة.. آجلا أو عاجلا، مرحلة ما بعد الاستبداد، والكهنوت والإرهاب في تاريخ المنطقة، وستنجح في فرض أوراقها وقضاياها الحداثية، على كل الأطراف والجوانب والمستويات.