أخرج من مستشفى الجمهورية بعد أن أجريت بعض الفحوصات لأتوجه إلى جولة البط لإكمال مشوار عودتي إلى المنزل..
أقف على قارعة الطريق وأنا أسمع الأصوات تنادي العريش، الجسر، المعلا، تواهي، بينما تقف أمامي حافلة متوسطة الحجم فألج إليها مسرعا تاركا أشعة الشمس تتلذذ بجسد آخر بعد أن أخذت مني مأخذها.
على بعد بضعة أمتار من انطلاق حافلتنا نرى بقايا لإطارات مشتعلة من ليلة ساخنة أمضتها عدن الحزينة بين دخان حقد وأزيز حماية.
من مقدمة حافلتنا يُسمع صوت يمتلئ حسرة وحزنا ما ذنب الطريق فيما يصنع المسؤولون وحكومة المغتربين.
فيرد أحدهم من جواري بحدة، أيش يعني تشتوا تمنعوا الناس من التعبير عن الظلم وتكمموا الأفواه؟.
يرد آخر محد قال نكمم الأفواه والكل مع مطالب الناس في حالة الغلاء وتدهور العملة، لكن التعبير شيء والتخريب شيء ثاني.
يعود ذلك الصوت النشاز ليردد الطريق حقنا مش حق أبوه أحد نحرقه وإلا نقلعه ونقلع معاها الانتقالي.
تهيج الحافلة بضجيج الركاب، مستنكرين تلك الكلمات واللهجة التي تنبئ بتوتر قائلها، ليأتي صوت هادئ ينبئ عن اتزان ومعرفة ويقول، الطريق حقنا ومش حق الانتقالي ولما تحرقها أنت تحرق قلوبنا وتساهم في تدهور خدمات الناس وعرقلة وصولهم لأعمالهم، ثم يستدرك ويقول يابني قول اللي تشتي وصيح وتظاهر وسمع صوتك سواء للانتقالي زي ما تقول والا لشرعية السرق، لكن دون فوضى ودون أن تضر بمنجز ماعاد شنلاقوش لو خربته.
آخر يكمل الحديث، الآن الحكومة بيد الانتقالي والا بيد الشرعية اللي تسمونها وارتفاع الدولار والسعودي بيد الانتقالي والا حكومة الإخوان، كل شيء ترجموه لفوق الانتقالي وهم ما بيدهمش شيء وأنا من ضمن اللي تظاهروا بس تظاهرنا ضد من يملك زمام أمور البنك المركزي والنفط والغاز والموارد الأخرى والذي يصرف رواتبه والمغتربين اللي معه بالفنادق بالدولار واحنا هنا أطفالنا تشوف اللقمة وتبكي، ما تظاهرنا ضد الانتقالي احنا تظاهرنا ضد حكومة الفنادق اللصوص.
يزداد توتر ذاك الصوت النشاز ليقول أنتم على ايش باتغطوا، الانتقالي والإمارات هم السبب بكل شيء وضروري ما يرحلوا بعد عفاش سيدهم، وكل يوم سنحرق الدنيا حريق لما يروحوا عملاء الحوثي مش كفاية حربهم على الإسلام والمسلمين وآخرتها الروافض أمس أخذوا مكيراس وإن شاء الله يومين وقدهم بالعلم.
يقاطعه أحدهم يييااايه اهدأ قال إن شاء الله قدهم بالعلم هذا حلم تحلموا فيبه والله لو ما بقى راس داخل الجنوب ما نسمح لحوثي يحكمنا، وبعدين من تقصد بحربهم على الإسلام؟؟ والا المواقع التي سلمت للحوثي بمكيراس وغيرها بيد من كانت.
ليرد ذاك المتعصب بحدة أكثر حربهم على الإسلام بحربهم على حملة الدعوة في اليمن وتركيا ومصر وتونس، أليس من يحارب حملة الدين يحارب الإسلام؟.
يعلق أحدهم بسخرية هااه قول كذا، يعني الإسلام عندكم هم الإخوان صح؟؟ طيب لحظة والمواقع التي أخذوها الحوثيين أمس كانت بيد شرعية الإخوان والا أنا غلطان وتسليم المواقع للحوثي من أجل التمدد نحو الجنوب دليل وااضح من هم العملاء ومنهم المنسقين مع الحوثي واااضح واااضح مثل عين الشمس.
عندها تثور ثائرة النشاز ويصيح أنتم كلكم عملاء تحبون الكفر وأهله وتحاربون الله ورسوله والذين آمنوا بس والله إننا منتصرون والمواقع التي سلمت هي في أيدي يمنية مسلمة نختلف معها في بعض الأمور الفقهية لكن نجتمع في حرب الكفر ومواليه.
يعود ذاك الصوت الهادئ من آخر الحافلة ليقول يا أخي اهدأ مش كذا تشل وترجم منهم الكفار؟؟
احنا نشهد أن لا إله إلا الله وأن محمدا رسول الله ونصلي ونصوم من فين تجيب هذا الكلام الجارح استحي على نفسك ذا ما يجوز من الله.
تزداد نبرة النشاز فيقول إلا كفار وصلاتكم وصيامكم نفاق لأن الله يقول ومن يتولهم فهو منهم وأنتم موالين للإمارات العبرية وحاقدين على الإسلام والمسلمين من أيام الشيوعية رغم أنه كان عندكم فرصة للعودة إلى الله بعد تطهير الأرض من رجس الاشتراكي، بس الله يرحم الديلمي هوه أخبر بكم وعادكم تقولوا عليه غلطان.
ما إن أكمل ذاك الصوت النشاز كلامه وسط الجسر البحري ليقف سائق الحافلة فجأة حتى كاد الركاب أن يقعوا على وجوههم ثم يلتفت إليه وبكلمات تمتلئ حرقة وقهرا يقول له بلهجة محلية (انزل الآن من حافلتي قبل ما انزلك على نخرك).
فيصيح كل من في الحافلة يا الله هوينا لا تخلينا نتحمل بظلمك يا اهبل.
يتحرك سائق الحافلة ثم يسمع أحدهم وهو يقول ياااارب نظف اليمن من خوارج الإخوان والإرهاب واجعلها كحافلتنا هذه خالية من كل اخونجي.
وفي صوت وااحد يصيح كل من في الحافلة.. آآآآمين.