حسين الوادعي

حسين الوادعي

تابعنى على

"الإسلاموفوبيا" هدية الغرب إلى الفاشية الإسلامية

Friday 17 September 2021 الساعة 07:21 am

خرج مصطلح “إسلاموفوبيا” إلى الفضاء الإعلامي عام 1997، ولم يتوقف عن الدوران منذ ذلك الحين.

إنه من المصطلحات القليلة التي تلقفها العالم الإسلامي من دون تحفظ عكس عادته الحذرة في التعامل مع المصطلحات الآتية من الغرب.

 سأحاول هنا أن أناقش مفهوم الإسلاموفوبيا من زاوية علمانية مدنية ترفض سجن المسلمين داخل دائرة الهوية الدينية.

أهم ما تمكن ملاحظته هو ذلك التوافق التام بين نظرة اليمين الغربي للإسلام، وبين نظرة “الأصوليين الإسلامويين” للإسلام.

 ولا أبالغ إذا قلت إن ما يجمع بين اليمين الغربي المتطرف المعادي للمسلمويين، وبين اليمين الإسلاموي المتطرف أكثر مما يفرقهما.

بحسب تعريف رابطة البريطانيين المسلمين فالمصاب برهاب الإسلام هو الشخص الذي يؤمن بالأفكار التالية:

– الإسلام مجموعة أفكار ثابتة وساكنة وغير قابلة للتغيير.

– الإسلام منفصل عن القيم والثقافات الأخرى ولا يتأثر بالثقافات أو الأفكار المغايرة.

– الإسلام أدنى مرتبة من الغرب، بربري، غير عقلاني، ومتحيز للرجل.

– الإسلام عنيف، عدواني، داعم للإرهاب، ومنخرط في صراع الحضارات.

– الإسلام أيديولوجيا سياسية أكثر مما هو دين، وهو يستخدم للسيطرة السياسية والغزو العسكري.

الغريب أن الغالبية العظمى من الأصوليين والإسلاميين يؤمنون بكل هذه الأفكار “الإسلاموفوبية” من وجهة نظرهم الخاصة.

فهم مثلهم مثل المصابين برهاب الإسلام يؤمنون بأن الإسلام أفكار ثابتة وساكنة وغير قابلة للتغيير (صالح لكل زمان ومكان). والإسلاميون مثلهم مثل رهابيي الإسلام يرفضون تأثر الإسلام بالثقافات الأخرى، لأنه دين نزل كاملاً شاملاً، والمسلم يجب أن يتبرأ من كل الأفكار والقيم والبشرية. والإسلامويون يرون الحضارات الأخرى أدنى من الإسلام وبربرية وإباحية ولا عقلانية، ويؤمنون بأن الإسلام دين جهادي عدواني وجد ليسيطر ويحكم. 

وفوق كل هذا فإن حجر الزاوية في فكر الإسلام السياسي أن الإسلام أيديولوجيا سياسية بالمقام الأول بحسب عبارتهم الشهيرة (السياسة دين والدين سياسة وكل حرف في القرآن سياسة).

وإذا مشينا مع هذا التعريف، فإن الإسلامويين هم إسلاموفوبيون أيضاً، وهذا تناقض ظريف يحمل دلالات قوية حول غموض المصطلح وعدم صلاحيته لفك الاشتباك الراهن حول الغرب والإسلام.

لكن اعتراضي الأكثر جوهرية على مصطلح الإسلاموفوبيا أنه لا يحميني كمسلم بقدر ما يعطي الأصولية والفاشية الإسلامية سوطاً جديدا لتجلد به ظهري.

فهو في المجتمع الذي نشأت فيه يختلط بمفهوم آخر هو “معاداة الإسلام”، التهمة التي كانت وما زالت أداة إرهاب للمصلحين بصفتهم أعداء الله وأعداء نبيه وشريعته!

وإذا كانت تهمة رهاب الإسلام توجه في أوروبا إلى اليمين المتطرف والناقدين الجذريين للإسلام على حد سواء، فإن تهمة معاداة الإسلام هي التهمة الجاهزة لوقف جهود التنوير والإصلاح الديني الإسلامي.

 لقد تمحورت جهود الإصلاح الديني في العالم الإسلامي حول إخراج الإسلام من حالة الجمود. 

كما كرس المصلحون الإسلاميون جهوداً ضخمة لتصحيح وضع المرأة المتدني في الإسلام فقهاً وحديثاً وشريعة.

وتوسع بعض الغربيين ممن نذروا أنفسهم لمكافحة رهاب الإسلام في المجتمع الأوروبي ليرفضوا أي مطالبات لإصلاح الإسلام أو نقد وضع المرأة المتدني ليعتبروها جزءاً من ظاهرة الإسلاموفوبيا المنتشرة في المجتمع الأروربي.

فإذا اعتبرنا كل من ينتقد الانغلاق الإسلامي ودونية المرأة في النصوص الدينية إسلاموفوبيين، فإن هذا التعريف سيمتد ليشمل أسماء كبيرة في عالم التجديد الديني من جمال الدين الأفغاني إلى محمد عبده والطاهر عاشور وعلي عبدالرازق وخالد محمد خالد وطه حسين ونصر أبو زيد… إلخ.

وقد بدأ الإسلامويون فعلاً يستخدمون المصطلح ضد خصومهم المسلمين من تنويريين وليبراليين ويساريين، الذين يتعرضون لهجمات مستمرة باعتبارهم مصابين بالإسلاموفوبيا. 

فهل يمكن أن يكون المسلم إسلاموفوبياً؟

لا أعتقد ذلك إلا إذا كان يمكن اعتبار اليهودي الذي ينتقد الصهيونية والعقيدة اليهودية معادياً للسامية أيضاً!

اقترح المفكر فريد هاليدي استخدام مصطلح مسلم- فوبيا (رُهاب المسلمين) بدلاً من رُهاب الإسلام منطلقاً من أن الكراهية موجهة ضد المسلمين لا ضد الإسلام. 

لكنه أيضاً منطلق من فكرة أن الكراهية في القانون محرمة عندما تتجه نحو الأشخاص، أما “إزدراء الأديان” ونقدها فهو محمي بقوانين حرية التعبير.

وهو مقترح له وجاهته، لكن ألا يمكن اعتبار ذلك جزءاً من ظاهرة العداء للأجانب Xenophobia؟ ولماذا يحتاج المسلمون تصنيفاً خاصاً بهم بمعزل عن الظواهر الأخرى للعنصرية في المجتمع الأوروبي بخاصة في ظل وجود تشريعات محكمة لمكافحة العنصرية سواء كانت دينية أو عرقية أو سياسية.

أحد الإشكاليات في هذا المصطلح، أنه يتعامل مع المسلمين من خلال هويتهم الدينية ليحولها هويةً ثابته، ونافذة وحيدة للتعامل مع العامل. 

فحتى لو حصل المسلم مثلاً على الجنسية الفرنسية أو البريطانية يظل التعامل معه من خلال هويته الدينية.

بمعنى آخر، سيفاقم مصطلح الإسلاموفوبيا من صعوبات اندماج المسلمين في مجتمعاتهم الجديدة، بخاصة مع الإفراط المستمر في تأكيد هويتهم الدينية.

 وقد يفاقم أيضاً من مشاعر لعب دور الضحية عند الجاليات المسلمة بدلاً من نقد الأخطاء وسد فجوات التعليم والمهارات وسلوكيات المواطنة التي تؤجل اندماجهم.

لكن… هل ما يحدث فعلاً خوف من الإسلام، أم خوف من الإسلام السياسي (الإسلاموية)؟

 الوجود الإسلامي في أوروربا قديم، ويعود إلى فترة ما بين الحربين العالميتين.

 ولم تبدأ أزمات الانتشار الإسلامي في أوروبا في الظهور، إلا مع صعود “الإسلام السياسي” من سبعينات القرن الماضي.

هناك تعريف غريب للإسلاموفوبيا في قاموس اكسفورد بأنه “الخوف المرضي من الإسلام وبخاصة كقوة سياسية”.

 لكن ألا يخاف ملايين المسلمين من جماعات الإسلام السياسي وخطابها الإقصائي الشمولي العنيف؟

 ألا يضع هذا التعريف ملايين المسلمين الرافضين لتسييس الإسلام في خانة “الإسلاموفوبيك”؟

إن عيب مصطلح الإسلاموفوبيا ليس فقط تهديد حرية التعبير بإدعاء أن الأديان كلها يجوز نقدها إلا الإسلام، لكنه أيضاً يعتبر أي نقد لظاهرة استغلال الدين للتسلط السياسي من قبل الجماعات الإسلاموية، جزءاً من “كراهية الإسلام”.

يكاد مصطلح الإسلاموفوبيا يحتل المكانة ذاتها التي احتلها شعار “معاداة السامية” في ما مضى. واستخدمت الصهيونية شعار معاداة السامية لتقييد أي جهود تدين العنصرية الإسرائيلية ضد الفلسطينيين، فإن الإسلام السياسي (السني والشيعي) يستخدم اليوم مصطلح كراهية الإسلام لعرقلة أي محاولة لإصلاح الإسلام وتجديد أصوله بما يتوافق مع العصر.

فإذا كان نقد الإسلام “إسلاموفوبيا”، فهل نقد المسيحية مثلاً “مسيحية فوبيا”؟ 

ألا يضع هذا كبار العقول الإنسانية من سبينوزا وفولتير وروسو وحتى نيتشه ودوكهايم وكانط وبرتراند رسل، في خانة “كارهي المسيحية” أو “كارهي الأديان”؟

الإسلاموفوبيا هدية مسمومة قدمها الغرب الليبرالي اليساري للفاشية الإسلامية، وهي سلاح ذو حدين لعزل المسلمين داخل هوية دينية حصرية، وخلف مهمة وهمية هي “الدفاع عن الإسلام”.

وليس من مصلحة المسلمين في الغرب خصوصاً، تبني هذا المصطلح الإشكالي الذي سيزيد عزلتهم في مجتمع مملوء بفرص الاندماج والتطور.

*نقلا عن منصة "درج"