محمد عبدالرحمن

محمد عبدالرحمن

بين صنعاء والضياع.. من يكون ذاك؟!

Monday 28 June 2021 الساعة 04:26 pm

ربما الكتابة هي متنفس المكبوتين في وجع الحرية وانغلاق المدينة في وجوه أبنائها وقد تغيرت ملامحهم، أمتطي صهوة القلم وأمضي بانشداد عجيب إلى رغبة في سحق كل الكلمات جرعة واحدة داخل صمت عجيب لا يقوى على أن ينسل في ورق بيضاء مبللة بالأسى.

أود أن أعود إلى ذاتي ونفسي التي كنت أتوق إليها ما قبل هذه الحرب، شاب يضع في كفه مستقبله ويمضي يشق الطريق نحو الضوء، يطوف صنعاء وينهار في صدرها محبة وأمانا وتطلعا إلى حيث يرى في مخيلته أن يكون يوماً قد استقر في منزل صغير مع امرأة جميلة ووظيفة تكفيه شر العوز.

أود أن أصنع في هذه اللحظات معجزة العودة للبداية وأحمل حقائبي وأغادر زحفاً إلى حيث يكتب الله المستقر الآمن، لكن صنعاء لا تريد مغادرتني، أو ربما لا أكون شجاعاً للمغامرة والانعتاق من وحلها وبراثن الظلام الذي أساء إليها بالسواد والظلم والنحيب الصامت.

لا أعرفني وقد تجاوزت في عمري كثيراً وأنا أحفر في هذه الصخرة التي يقولون عنها بلادي حتى اكفهر وجهي وتبدلت ملامحي وصرت بلا أنا، لا مستقبل أصل اليه وقد تعب زندي من الحفر للوصول إليه، أصبحت منفياً في داخلي بلا هوية. 

أحملق في السماء ولا أجد إلا روحاً ضائعه وحلما انقض عليه وابل من الأزمات والصفعات والانكسارات، يصرخ محاولاً الحصول على النجدة، لكن لا أحد سواه في تلك الضائقة، وها هو يصغي للانكسار ويجلس على مقهى صغير في أحد زقاقات صنعاء الإمامه.

يصمد الكثير في وجه الحرب، يتساقط الأحبة وتنهار البلاد وتنقلب ساعة الفرح إلى حزن في لحظات، لا يبقى شيء في الحرب إلا ويتغير ويتشيطن ويتسرب إلى الروح محاولاً أن يغيرها، لكنها تحاول أن تصمد في وجه الأسى والتيه والضياع، تتلمس ماضيها لعلها تجد اسمي وذاتي وتعيدني إلى نفسي وأعرفني.

أصبح الكثير منا يخاف المستقبل، يخاف أن يصحو على أصوات الجوع والأزمات واقتتال الشوارع واختطاف واغتيال على الرصيف، يخاف من الغد وما فيه من الغيب، خوف يتجذر في النفس ويحيط بها، ويصنع من حولها أشباحا تطايره إلى حيث يحب أن يتخلص من الحياة بأي وسيلة لا تثير الخوف لدى من حوله.

على الرغم من صوت الحياة في داخلي، إلا أن صنعاء وهي تحت نير الظلم والجلّاد تصنع مني شخصاً لا أحبه، شخصاً يقاوم أن يبقي ذلك الصوت فيه لعل الأمل يبرق في السماء وإن كانت صافية، لعل شيئا ما سيحدث وينتشل ذاك الغريب الضائع في ملامح صنعاء وروحه المنهكة.