فهمي محمد

فهمي محمد

تابعنى على

معضلة الثورة في اليمن عدم الوعي بفكرتها الغائية

Sunday 06 June 2021 الساعة 08:32 am

الإهداء/ إلى الشباب الثائر في تعز الحالمة

إذا كانت إحدى أكبر المعضلات في تأريخ الثورة اليمنية تكمن في عدم الوعي بفكرتها الغائية، فهذا يعني أنه من الضروري أن يستمر الحراك الثوري في مدينة تعز مع التركيز على استحضار الوعي السياسي بخصوصية التجربة الثورية في اليمن. 

قبل عامين كنت قد كتبت مقالا صغيرا بعنوان: "لا بد من العودة إلى الجماهير"، وقد كان ذلك على إثر محاولة بعض الشباب الناشطين والمتذمرين تغعيل الشارع في تعز، بعد أن سارت الأمور إلى عكس ما كانوا يطمحون به.

في بلدان العالم الثالث تعيش الثورات مخاضا طويلا ويائسا في أغلب الأحوال مع فكرة التغيير السياسي والاجتماعي وتحقيق التقدم الذي يصنع المستقبل، كما أن الاعتقاد السائد بخصوص نجاعة التغيير الأفقي يقول إن كل ألف مواطن في اليمن أصبحوا يحتاجون إلى ثورة، وفي مقدمة ذلك ثورة الوعي بفكرة الثورة نفسها، لأن هذه الأخيرة هي الغائب الأكبر في خصوصية التجربة الثورية في اليمن منذ ثورة سبتمبر وحتى ثورة فبراير، لا سيما عند هؤلاء الذين يدفعهم ثلاثي الجوع والفقر والمرض إلى الخروج الرافض للواقع، وممارسة الفعل النضالي الثوري ضد رجال السلطة المستبدين أو الفاسدين، كما هو حال رجالات السلطة السياسية والعسكرية والأمنية في مدينة تعز التي تشهد اليوم حراكا شعبيا وثوريا.

على الصعيد الوطني، نستطيع القول إن واقع الحال في اليمن بعد ثورتنا الثالثة أصبح يقدم لنا الدليل القاطع الذي يؤكد غياب الوعي السياسي والاجتماعي بفكرة الثورة نفسها = {من زاوية التغيير والمستقبل الذي يجب أن يكون}، فعلى سبيل المثال فقط نجد اليوم أن السواد الأعظم من شباب اليمن الذين يحملون السلاح في الشمال أو الجنوب ومن يشكل غطاء سياسيا وحاضنا شعبيا وجماهيريا لهم أصبحوا يقاتلون جميعاً من أجل استعادة الماضي الذي رفضه الوعي السياسي والنضالي لليمنيين قبل ستة او سبعة عقود من الزمان، بمعنى آخر ما كان في الماضي أسباب موضوعية للفعل الثوري الذي استهدف الغاءهما من واقع اليمنيين = {نظام الفرد الاستبدادي السلالي في الشمال واستعادة مسألة تشطير اليمن إلى دولتين}، أصبحت اليوم أهدافا ثورية يجري القتال من أجل استعادتها بدعم إقليمي يقدم على حساب السيادة الوطنية لليمنيين، والأكثر إيلاماً في هذا الصدد هو اعتقاد هؤلاء أنهم في صدد عمل ثوري يستحق التضحيات التي تقدم، كما هو حال الحركة الحوثية في الشمال والانتقالي في الجنوب مع الفارق في الأسباب التي دفعت كل واحد منهما للعمل على استدعاء النموذج التأريخي الذي يقاتل من أجله، وكذلك في المخاطر المترتبة على نجاح هذا الاستدعاء التأريخي.

وإذا كانت الثورة في كل الأحوال معنية في صناعة المستقبل لا سيما وأن هذا الأخير يعد مبررا لفعلها الثوري، فإن السؤال الكبير يقول من هي القوى التي تقاتل اليوم من أجل المستقبل في اليمن أو تناضل من أجل تحقيقه؟ وهل لدينا وعي بذلك؟ 

علماً بأن تحقيق المستقبل بمقياس فكرة التغيير الثوري يعني تحويل اليمن إلى وطن مكتمل السيادة، حتى السلطة المحسوبة على معسكر الشرعية بشقيها المدني والعسكري، كما هو الحال في مدينة تعز وغيرها غارقة في الفساد والإفساد الممنهج أكثر من الفساد الذي كان يمارس قبل ثورة فبراير، وهذا يعني العمل على استدعاء الماضي على حساب المستقبل، كما أن قيادة الشرعية على المستوى الوطني قد فشلت في إدارة معركتها مع الحركة الانقلابية، وأقدمت على بلع لسانها فيما يتعلق بالحديث عن مسألة السيادة الوطنية، ناهيك عن فشلها في تحقيق النموذج السياسي والأمني الذي يمكنها من تقديم نفسها لليمنيين وللخارج كحامل لمشروع التغيير الثوري في اليمن، وهذا ما أدى إلى اندلاع موجة من التظاهرات التي تطالب برحيل رجالات السلطة في مدينة تعز، ويجب أن يستمر هذا الحراك حتى يتم تحقيق الفكرة الغائية من الثورة، وقد سبق اندلاع موجة من التظاهرات في المناطق الجنوبية لنفس الأسباب.

الحديث عن ضرورة استحضار شباب الحراك في تعز للوعي السياسي المتعلق بخصوصية التجربة الثورية في اليمن يعني ضرورة استيعابهم في هذا الحراك لأربع نقاط مهمة:

1- عليهم أن يدركوا أنه لا توجد الآن أي قوى من القوى الفاعلة في المشهد السياسي في اليمن تقاتل من أجل مستقبلهم أو أنها مؤهلة سياسياً وأخلاقيا لهذا الدور، وقد سبق توضيح ذلك، ما يعني أن عليهم خلق أدوات نضالية جديدة أو الضغظ على الأحزاب السياسية من أجل استعادة دورها في هذا المسار الثوري الذي يقاتل من أجل المستقبل.

2- على الشباب الثائر في تعز أن يدرك أن الثورة هي وسيلة نضالية من أجل تحقيقه غاية ثورية = {التغيير الذي يصنع المستقبل} وهذا يعني أن الأصل في التغيير هو تغيير التوجه السياسي والاجتماعي والاقتصادي.. وليس تغيير الوجوه الفاسدة في جهاز السلطة فقط، ما يعني أن عليهم أن يتجاوزوا الشعارات الثورية التقليدية التي تمكن لصوص الثورة دائماً من الالتفاف عليهم، أقصد هنا المطالبة برحيل الفاسدين وإحالتهم إلى نيابة الأموال العامة فقط، فمثل هذه المطالب يسهل على الفاسد الأكبر تنفيذها، بطريقة ذر الرماد على العيون، ومع ذلك لن يتحقق التغيير الذي يخلق النموذج في تعز، 

تعز تحتاج إلى جانب رحيل الفاسدين، لمشروع حوكمة سياسية واقتصادية وقانونية تعمل على تغيير التوجه، وأنصح أن يتم الاستفادة مما ورد في بيان الاشتراكي والناصري بغض النظر عن كون هذه الأحزاب غير معفية من المسألة.

3- على الشباب الثائر أن يدرك خطورة جرهم إلى رفع المطالب بطريقة انتقائية، بمعنى آخر أن يتم التركيز على رحيل قيادة السلطة المدنية في تعز بمعزل عن المطالبة برحيل القيادات العسكرية والأمنية، فالفساد والفشل مهول في مؤسسة الجيش والأمن، ناهيك عن كون أغلب القيادات العسكرية والأمنية يشكلون مصدر حماية للفاسدين وحالة ممانعة لعملية التغيير السياسي في تعز.

4- على الشباب الثائر أن يدرك أنهم هم المعنيون في بناء مستقبلهم، وأن مشقة الفعل الثوري تقع على عاتقهم، لذا عليهم أن يدركوا أن الثورة الناجحة هي الثورة القادرة على إعفاء الأجيال القادمة من مشقة التفكير بالثورة.