ماجد زايد

ماجد زايد

تابعنى على

فلسطين والهروب المتكرر باتجاه الحرب

Wednesday 19 May 2021 الساعة 08:35 am

حي الشيخ جراح بمدينة القدس كان بمثابة القشة التي انتظرها طرفا الحرب في فلسطين، نتنياهو وفريق إدارته لحكومة إسرائيل، وحماس وحلمها التاريخي بإزاحة حركة فتح عن تصدر المشهد الفلسطيني وتمثيله بشكل عام.

الحرب بين إسرائيل وحماس ليست وليدة اللحظة، وسيناريو الحرب بينهما ليس بالجديد، لطالما حدثت وتكررت بهذا الشكل الحاصل اليوم.. لكنه الآن يحدث بشكل اضطراري وأكثر حتمية..! 

من الناحية الإسرائيلية، يتجه بنيامين نتنياهو إلى حرب طارئة ومستعجلة للهروب من مغبة وضعة السياسي المتراجع داخليًا وخارجيًا، وعبرها يسعى لتغيير الموازين والمعطيات السياسية في الداخل الإسرائيلي خصوصًا بعد أن كان ملزمًا للتوقيع على اتفاق حكومي من شأنه إزاحته عن رئاسة الوزراء، أيضًا ليتفادى الرجل موجة الانتقادات الدولية والخارجية لشخصه وإدارته بسبب اعتداءات الأمن الإسرائيلي على المسجد الأقصى والفلسطينيين إثر محاولة متسرعة لطرد العائلات الفلسطينية من حي الشيخ جراح.

المحاولة المهيجة للشعور الشعبي الفلسطيني والعربي اضطرت المحكمة العليا الإسرائيلية لتأجيل البت فيها بعد موجة الرد المتسارع والمدافع والمتمسك بأحقية الأرض والدين.

هذا التدافع المقدسي واليهودي شكل مأزقًا خطيرًا لرجل يعيش أيامه الأخيرة في السلطة، ومن ناحية متصلة، تسعى إسرائيل من حربها على غزة لمعرفة القدرات العسكرية لكتائب القسام بعد سنوات من التحالف العلني بين حماس وإيران، ودعم الحرس الثوري الإيراني لقدرات تنظيمات غزة العسكرية، بالضبط كما يعلن الطرفان في وسائلهما الإعلامية العامة، وهي تحالفات جديدة ومغايرة للواقع، ومهددة مستقبلية لطبيعة الوجود الإسرائيلي، وخوفًا متفاقمًا على السلامة الشعبية للإسرائيليين، وهو ما دفع إسرائيل للرد العنيف والسريع على الهجمات الصاروخية التي طالتها من حماس.

الرد المفاجئ من قبل إسرائيل يسعى لاستدراج حماس للرد بكل إمكانياتها العسكرية الممكنة، في محاولة للتأكد من فرضية إمتلاك كتائب القسام طائرات مسيرة حصلت عليها من إيران، الطائرات التي ما زالت تثير مخاوف الوجود الإسرائيلي من قدرات حماس بعد تحالفها مع إيران.. 

من الجانب الفلسطيني، انتهزت حماس الفرصة الزمنية الاستثنائية وشنت حربها على إسرائيل بعملية أسمتها "سيف القدس" في إشارة واضحة لتصدرها الحصري للدفاع عن القدس والقبلة الدينية المرتبطة بالعاطفة الإسلامية لدى المسلمين، وهي بالفعل تقدم كبير في سياق الطرف المحدد لمواعيد المعارك واحتدامها، وهي جراءة عسكرية مثلت شكلًا ناضجًا ومتقدمًا وذكيًا، استطاعت بواسطته القفز على الواقع الراكد وشغل حيز الواجهة العربية للأحداث، في عودة واضحة لشغل العقل العربي المتماهي ضمنيًا مع حملات التطبيع والترويج للتطبيع بعد سنوات من حالة الكساد العربي المتعرض لحملات الترويج لفكرة التعايش في المنطقة، وضرورة التصالح مع توافقات أنتجتها إدارة ترمب وأكدتها إدارة بايدن في التعاطي السياسي الإيجابي بين العرب وإسرائيل.

 حالة التطبيع المتراكمة لسنوات في العقلية العربية هددت الأحقية الفلسطينية المعتمدة على الدعم العربي والإسناد الإسلامي لقضية القدس ومناوءة الاحتلال الإسرائيلي للإرض العربية، وهي أقصى درجات الخطر الحقيقي على مستقبل القضية الفلسطينية في الشرق الأوسط.

 اللجوء الحمساوي لخيار الحرب مثل أيضًا قياسًا سياسيًا لشعور التعاطف العربي الإسلامي مع القدس وقياس مدى استمرارية تقبلهم لأحقية التحرر العربي من المحتل الإسرائيلي.

 وعلى عكس الخوف الرائج، عاد الشعور العام الراكد بفاعليته وإسناده للفلسطينيبن ومشروعية قضيتهم ومواجهتهم مع دولة الاحتلال، وهذا بحد ذاته انتصار كبير في فترة زمنية حرجة جدًا، وهو قفز سياسي ذكي أعادهم نحو الواجهة الشاملة والشاغلة للعالم، ومن ناحية متصلة لشغل كامل مساحة التمثيل السياسي للفلسطينيين وقضيتهم ودولتهم من قبل حركة حماس، في توقيت تشهد فيه حركة فتح انهزامًا داخليًا وضعفًا عامًا همش وجودهم السياسي على مستوى الأحداث.. 

أخيرًا وبشكل عام، حرب الوجود الفلسطيني الإسرائيلي تعود بشكلها الأبشع في كل فترة وفترة لتذكر العالم بأن فتيل الصراع التاريخي بين الطرفين قائم وبشكل متفاوت، وجمر الصراع بينهما وإن خفت وتراجع يعود بشرارة عادية ليشعل حربًا كبيرة جدًا، ومعها تشتعل المنطقة ويتجدد الصراع الديني بين الدولتين في ذات المنطقة المتنازع عليها.

 هذه الحرب المطمورة والعائدة، في شكلها الحالي مؤقتة ومهدفة ولها أغراضها السياسية والواضحة، لكنها ليست حربًا جذرية واجتثاثية بين الفلسطينيين والإسرائيليين، بقدر ما هي هروب وانتهاز مستعجل لمعطيات مذكورة مسبقًا، وأيضًا لن تكون الحرب الحالية شاملة في معناها الأعم، الحرب الشاملة مصيرية أكثر والمشاركون فيها من كل البشر المنضوين تحتها وعبرها، بمعنى أن يشارك فيها كل الفلسطينيين بمن فيهم عرب الداخل وعرب الخارج، لمواجهة أخيرة مع يهود الاستيطان الإسرائيلي.. وهو ما لن يحدث أبدًا، وما سواها يعتبر حرب مصالح وأهداف وإعادة تموضعات سياسية مؤقتة ومتقدمة، وهو ما يحصل اليوم..  

*من صفحة الكاتب على الفيسبوك